ونحن منشغلون بخوض الحرب ضد فيروس كورونا الذي وصل العاصمة بغداد، يرافقه عجز كبير في المؤسسات الصحية، ليضيف نقطة اخرى لمشاكلنا، ظهر زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر على شاشة احدى الفضائيات متحدثا بلغة اشبه بالبيان رقم واحد الذي أعلن من خلاله بأنه يمثل الدولة بجميع مفاصلها كونه من يحدد “الصالح والطالح” ويرسم الخطوط العريضة لمعاقبة المذنبين الخارجين عن سياسة التيار الصدري ومنهج تحالف سائرون في الوصول الى المناصب، بانقلاب واضح على جميع المعايير الإنسانية التي تدعو للحفاظ على حقوق الجميع في التعبير عن مواقفهم وآرائهم بعيدا عن الانتماءات السياسية والمذهبية والقومية.
خطاب السيد الصدر حمل الكثير من الاعترافات عن تورط اتباعه في الوقوف وراء قتل المتظاهرين في ساحات الاحتجاج حينما بررها زعيم التيار بانها “جرة أذن” ومن صلاحيته باعتباره “الأب” لجميع المتظاهرين، ولا نعرف كيف منح نفسه هذه الصفة بقرار ذاتي، وحتى لو تجاوزنا هذه النقطة فهل يحق “للأب” ان يقتل ابناءه لمجرد مخالفتهم آراءه التي يراها الكثير بانها لا تخدم مصالح “عباد الله”، في حين تجاهل صرخات الأمهات المفجوعات بقتل ابنائهن من دون أسباب سوى المطالبة بالحقوق، ليستمر بعدها بحديثه الذي رافقته التناقضات في العديد من المواقف فمرة يتحدث عن “تقوية” الدولة وأخرى يهدد بإعادة جيش المهدي للاقتصاص من القيادات السنية المتشددة حينما قال إن التيار الصدري “سيعيد أشياء أخرى”، في اشارة واضحة لسيارة “البطة” التي كان يستخدمها جيش المهدي أيام الحرب الطائفية وهي معروفة لدى جميع العراقيين، وهذا لا يمكن تفسيره بغير الاعتراف عن وقوف التيار الصدري وراء جرائم سابقة ارتكبت بعنوان حماية المكون، صحيح أن جيش المهدي وجد في سنوات استطاع خلالها الحفاظ على التوازن مقابل تنظيم القاعدة، لكن هذا لا يعني “التصفيق” لعودته مرة أخرى، خوفا من تحوله لأداة “لقمع” المعارضين لاراء التيار الصدري.
في وقت تعمد السيد الصدر استخدام جملة “تجميد جيش المهدي يمكن ان يلغى بشخاطة” (علبة كبريت)، لتكون رسائل موجهة للقوى السياسية تتضمن تهديدا صريحا في حال عدم موافقتهم على منح الثقة لحكومة المكلف محمد توفيق علاوي الذي حاول زعيم التيار الصدري البراءة من ترشيحه حينما ابلغنا بأنه مرشح من قبل رئيس الجمهورية برهم صالح وموقفه لا يعني الرفض او التأييد، لكن بالعودة الى التغريدات السابقة للسيد الصدر سنسجل تغريدة بعد ساعات على تكليف علاوي، هنأ خلالها السيد الصدر المواطنين باختياره لمنصب رئيس الوزراء المؤقت باعتباره مرشح ساحات الاحتجاج، وبعدها تلقف أنصاره التغريدة ليحاولوا تنفيذها ومنع الهتافات الرافضة لتكليف علاوي بالتواثي والسكاكين، وهذه الحوادث لا يمكن إنكارها، ورغم جميع تلك الأدلة يرى السيد الصدر بأن ما حصل كان محاولة لتصحيح مسار الاحتجاجات.
وخلال الحوار حاول السيد الصدر تبرير اختياره لعادل عبد المهدي في حينها كرئيس للوزراء بالاتفاق مع زعيم تحالف الفتح هادي العامري بأنه “تعرض للخداع” كونه تفاجأ بأدائه بعد عام على منح الثقة، ليؤكد أنه كان مجبرا على الموافقة على ترشيحه، والسبب، كما نقله، بأن “احدى الجهات هددت بإحراق العراق اذا لم يخرج رئيس الوزراء من اتفاق بين سائرون والحشد الشعبي”، رافضا الكشف عن تلك الجهات، رغم مهاجمته جميع الأطراف السياسية خلال اللقاء، وهنا نضع علامات استفهام عن أسباب عدم الإفصاح عن تلك الجهة؟،، ليكمل حديثه قائلا “منحنا عبد المهدي سنة وبعدها طردناه، خلونا نجرب محمد علاوي”، وكأن السيد الصدر يريد جعل مصير الناس ومستقبلهم حقل تجارب يمنح من خلاله الفرص لتحقيق المكاسب السياسية وفرض السيطرة على موارد الدولة، في طريقة بعيدة عن مصطلح السياسة.
الخلاصة.. إن الشخاطة التي هدد السيد الصدر باستخدامها لإعادة جيش المهدي قد تحرق الجميع هذه المرة، ولا تستثني حتى التيار الصدري، لعدة أسباب ولعل ابرزها أن الأوضاع الحالية تختلف عن سنوات مواجهة القوات الأمريكية والحرب الطائفية، خاصة وأن عامل الدفاع عن “المذهب” الحجة التي كانت تستخدم سابقا، لا يمكن إيجادها في الوقت الحالي، لأن الجميع ادرك أن ما يحصل صراع سياسي للحصول على المناصب ضحيته دائما “المواطن الفقير” حتى لو تطلب الأمر احراق الجميع على طريقة “جرة الاذن”.. أخيرا.. السؤال الذي لا بد منه.. من سيوفر الحماية “لمعارضي” تهديدات الشخاطة إذا لم تمرر حكومة علاوي؟..