23 ديسمبر، 2024 1:48 ص

كان هناك أكثر من شحاذ أعرفهم ، فقد اعتدت رؤيتهم وعرفت اماكن جلوسهم .هذا الشحاذ لم أكن قد رأيته سابقا، انه ستيني العمر،وأثار انتباهي شيئاً ما، ،اقتربت منه،فقال لي” سيدي الرحيم , كن أكثر عطفاً للاستماع إلى رجلٍ فقيرٍ جائع . لم أذق طعاماً منذ ثلاثة أيام..وهل تصدق اني خسرت وظيفتي قبل خمس سنوات بسبب الظلم ؟.فقلت له من ظلمك ؟،قال: هم .. فكان ردي سريعا ” من تقصد بـ”هم”؟،فقال: هم ” السراق، التزوير ، الجهل ، الشعوذة ، النفاق ، الدجل، الجريمة، الظلام، الباطنية، الكذب ، الدمار، الجوع، العطش، الافلاس، الحزن ،الهم والغم ، التطرف والانغلاق، قنابل الموت، الباعة الجائلين، الوباء، بؤر السلب والنهب، الاختلالات السياسية والاقتصادية والأمنية والذين لايرتبطون بالإنتاج وحركة تطور المجتمع ولايؤمنون بالتوازن وثقافة الحوار وضد الرأي وحرية التعبير.هم قطاع الطرق والنصب والاحتيال، هم الأوغاد، الأوباش وغرائب الحيل واللصوصية، هم الذين لا عهد ولاميثاق لهم،هم الطيالسة،هم الانفلات والخطف والهروب،هم الخبث والمكر ،هم الفسق والفجور،هم الشراذم، هم الاسافل، هم العيوب،هم تردي الأحوال وهموم المعيشة، هم كل الأزمات، هم ضد الحكم الرشيد ، هم سلاح  الكراهية والدمار الشامل ، هم الإرهاب” .

قلت له ..ماذا عليك أن تفعل ؟،قال: ماذا عليك أنت أن تفعل؟ ثم رفع رأسه للسماء قائلا:” رب إني مغلوب فانتصر”،وبعدها نظر إلي وقال : أنا لست شحاذا عاديًّا، أنا شحاذ صاحب رسالة.. في العراق كل شيء يهبط  إلا الهمجية ترتفع .

 وأضاف “أنت  لست مثلي.. كان يمكن أن أفعل أي شيء.. أجل كان يمكن.. فأنا لست أقل إفلاسا في الروح.. ربما ما أعرفه أنا أكثر مما كنت تعرف .. لكن المعرفة لا تقينا من إفلاس الروح.. إنها فقط تجعلنا ندرك أننا مفلسون ونعى أن نفوسنا عفنة وعارية.. ولهذا يتألم الذي يعرف أكثر من الذي لا يعرف.وتابع” أرى أن كلماتي  قد أثَّرت بك”، لم أرد عليه، بل انحنيت له فكرًا وقامة ، وجرجرت خطاي من الألم باتجاه عملي وأنا اردد “يا رب عليك بمن ظلم ،اللهم اسقم جسده، وانقص أجله، وخيّب أمله، واللعنة على “هم”، يارب احمي العراق وأهله”.