حادثة النحات الإيطالي مايكل أنجلو أدهشتني، حيث قرأت عنه الآتي: عندما أنهى من نحت تمثاله، الذي أسماه (موسى)، وأستغرق وقتاً طويلاً في عمله، وفجأة وجه معوله للتمثال، وصرخ بوجهه أنطق!، ولكن للأسف بقي هذا التمثال العظيم حجرياً ولم ينطق، لأن العمل لا يعرف الإكتمال والكمال، حينها خاطب نفسه قائلاً: ما قيمة شجرة عملاقة كثيرة الأوراق والأغصان، لكنها عاقر لا تثمر!.
في عالم مثقل بالهموم والمخاوف والنزاعات، حيث مشاهد الموت الجماعي، والنزوح والفقر والفساد، لواقع لا يليق به الكلام، فإن أهم قاعدة للفشل إرضاء كل النفوس الأمارة بالسوء، ولكن الذي يستوجب الحديث عنه، هو رفع مستوى الفكر والضمير، والخطاب المعتدل البناء، بدلاً من رفع الأصوات المليئة بالحجيج والضجيج، فعند ذاك نستحق ضرورات العيش والخبز، وهذه بالفعل قواعد النجاح في عراقنا الجديد.
الحكومة السابقة كانت عملاقة بعددها وعدتها، لكنها إمرأة عاقر، فبالرغم من القرارات والقوانين، التي أعلنت وشرعت، بيد أنها لم تجد لها مكاناً في واقع حياتنا، حيث إمتلأت ظلماً وجوراً وعدواناً، ولأن مساحة صغيرة من الحرية والحضارة، لن تنتصرعلى فضائيات الهمجية التي لا حدود لشرها، وعلى العموم فالحضارة الحقيقية مهددة دائماً بالعنف والمكر والخديعة، على أن الحق هو المنتصر حتماً.
الفاسدون في العراق أكثر من أن نسميهم، ولكنهم يشكلون ثقلاً على الحكومة والشعب على السواء، فهم يتبجحون بفشلهم، وكأنهم شيوخ قريش عندما قرروا الحرب، على النبي الكريم محمد (عليه الصلاة وعلى أله السلام) قائلين: (يشهد ربنا لا نرجع حتى نرد بدر، فنقيم عليه ثلاثاً ونطعم الطعام، وتسمع بنا العرب) ولم يعلموا بأنهم على موعد مع الهزيمة، فقد أطيحت برؤوسهم شر طيحة.
بين مناقب الغرب ومثالب العرب، لن تجد فرقاً في العمل المتطرف، لأن النحات الإيطالي أراد أن يستنطق تمثاله، المصنوع من الحجر، فرجع أسفاً غضباناً، في حين أن شيوخ قريش أخذتهم العزة بالإثم، فأرادوا القضاء على النطق بالشهادتين، مضافاً اليها ولاية علي (عليه السلام)، على أن المفسدين في الحكومة، لم ولن يستطيعوا إستنطاق الحجر والبشر، لأنهم كالأنعام بل هم أضل سبيلا.ً