23 ديسمبر، 2024 12:20 ص

تفسيرات كثيرة تحدثت عن تفسير قول تعالى : ” الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآَبٍ” لكنها إتفقت جميعا على أن ” طوبى ” شجرة في الجنة، أعدها عز وجل للمؤمنين المتقين، الذين لم تغرهم زخارف الحياة وزبرجدها.

من مواصفات هذه الشجرة كما تنقل الروايات المعتبرة، أن الإنسان يظل سائرا في ظلها مدة مائة عام، وأن منها لباس أهل الجنة من سندس وإستبرق، وأن أصلها في بيت النبي الأكرم علبه وأله أفضل الصلوات، وكل فرع منها في دار مؤمن، وفي رواية أخرى معتبرة أيضا، أن أصلها في دار علي بن أبي طالب عليه السلام، ولا فرق بين القولين.

بالتأكيد أن آياته جل جلاله لابد أن تكون لها مصاديق على أرض الواقع، يحس بها الإنسان ويلمسها ويراها رأي العين، حتى يتحقق اليقين والإيمان به تعالى، فهناك الرسل والآيات والبراهين الكثيرة التي نلمسها فطريا أو عقليا، ولا ينكرها إلا من فطرته غير سليمة وفي عقله لوثة.

الإنسان في مسيرته نحو التكامل، وبناء شخصيته العلمية والإنسانية يمكن أن يصل الى مراتب كبيرة، ما يمكن أن يجعله شجرة تعطي أطيب الثمر ويستظل بها كثيرون، وينهل من خيرها الجميع فيزرع الطيب والمحبة أينما حل، يترك آثارا لا تمحيها رياح السنين، ولا تحجبها غيوم النسيان، وأعمالا سيخلدها التاريخ وتتناقلها الأجيال.

كثيرون من تميزوا وإمتازوا عن غيرهم، فكانوا منارا يهتدى بهم، ومدرسة ينهل من دروسها، ومشعلا يهتدى به من يرغب الوصول الى أهداف تخدم الإنسانية جمعاء، وعند ذكر إسمهم تخشع القلوب وتنطق الألسنة مرددة ” يا ليتنا كنا معهم ” في حياتهم وربما حتى بعد مماتهم..

من تلك الشخصيات الملهمة والجبال الشامخة والقامات الكبرى والأشجار المثمرة، التي أعطت أطيب الثمر وإستظل بها كثير، ومنحت كل ما في وجدانها وما تملك من جهد ومعاناة وآثار علمية وإجتماعية وثقافية، ختمت حياتها بجسد متناثر ودماء أسيلت في سبيل من حولها، إنه السيد الشهيد ” محمد باقر الحكيم “.. تلك القامة الكبرى والشخصية المتواضعة، صاحبة التاريخ الكبير، الذي كتب بحروف من نور، ومداد من دماء.

شجرة السيد الحكيم تعود الى الإمام الحسن بن علي، فأصله من بيت محمد وعلي ” عليهم السلام ” وتربى في بيت والده السيد محسن الحكيم مرجع الأمة، وعاش في بيئة ترتوي من علوم أهل البيت وتجسد أرثهم على أرض الواقع، فكان الشخصية المتحركة والفاعلة في مجتمعه، والرافضة لكل القيود التي فرضتها الأنظمة القمعية، على أناس ولدوا أحرارا ويجب أن يعيشوا أحرارا.

كان الحكيم الثائر بوجه الظلم والمقاتل من أجل الحرية، والإنسان الذي يتفاعل مع قضايا مجتمعه، والعالم الذي رفد المكتبة العلمية بمؤلفات هي مدارس لطلبة العلوم، وكان القائد الذي غرس قيم الشجاعة والتضحية في قلوب من حوله، فتحول الى حبيب يتلهف الجميع لرؤيته ولقائه، فحملته الأكتاف عند دخوله العراق من البصرة وصولا للنجف.

لقد كان السيد محمد باقر الحكيم “شجرة طوبى” في الأرض، فهو ثوب سندس للمستضعفين في غربتهم، وفاكهة تطعم الجياع، وشجرة ثابتة الأصل، ما زالت أغصانها خضراء مورقة.. وستظل وارفة الظل فالناس تموت أجسادهم لكن أفكارهم حية، وعلومهم تعيش بين الأجيال.