ليس كل من يتصدى للمسؤولية والقيادة للامم يعتبر نفسه قائدا ، هناك عدة صفات يتميز بها القادة ومن تنطبق عليه صفات القائد الحقيقي للامة والمعركة هو الامام الحسين علية السلام . قائد بمعنى الكلمة اذ كان تنصبه من قبل رسول الله محمد ص ومن قبل ابيه امير المؤمنين القائد علي بن ابي طالب عليه السلام . اذا كيف استطاع هذا القائد ادارة معركة عالمية مثل معركة الطف وهناك جيش جرار يقوده عمر بن ابي سعد الله يلعنه قوامه اكثر من (ثلاثين الف) مقاتل بضمنهم مرتزقة ، مقابل جيش الامام الحسين وهو لا يتعدى المائة مقاتل من الابطال والصناديد متسلحين بالعلم والدين والعقيدة والشجاعة والبسالة منهم من طلب منه الامام الحسين الانسحاب والرجوع الى المدينة فرفضوا. قوة العقيدة كانت لديهم هو الدافع الاول اذ لم يضمن لهم الامام الحسين المغانم والمناصب والمكاسب وتوزيع الاراضي مثل ما يحدث اليوم وما يروج له بعض الساسة وخاصة اثناء الانتخابات الدورية ومع الاسف الشديد يدعون هم من انصار الحسين واهل البيت النبوة عليهم السلام . هذه المعركة ادرها الامام الحسين بنجاح منقطع النظير اذ لم ينسحب اي مقاتل من ارض المعركة ودافعوا عن الامام الحسين بكل شجاعة وبسالة على ارغم من كثرة جيش العدو بالعدة والعدد العدو معروف بالأمور الدونية اسوة بأسلافه الذين حاربوه امير المؤمنين وقسوته وظلمه ومكره المعروف . نقتبس بعض السطور من سماحة الشيخ مقداد البغدادي انتصر الامام الحسين ودافع بقوة عن المبادئ والقيم الاسلامية الاصيلة ولم يستسلم الى العدو على الرغم من تقديم كل الاغراءات الدنيوية من مال وبساتين وجاه مقابل البيعة الى الطاغية يزيد بن معاوية الله يلعنه ولكن لم يرضخ الامام الى هذه الامور الدونية. كيف خطط الامام للمعركة وارسل العديد من القادة الى الكوفة وخاصة القائد مسلم بن عقيل عليه السلام وكيف تم اغتيل هذا القائد الشهم والقصة معروفة بعد انسحاب الانصار الصفات الكماليّة التي اجتمعت فيه، ومنها قوّة الإرادة، وصلابة العزم والتصميم، فقد ورثها عن جدّه الرسول الأعظم( صلّى الله عليه وآله وسلم) الذي بدعوته غيّر مجرى التاريخ، وقلب مفاهيم الحياة، ووقف صامداً وحده أمام القوى الهائلة، التي هبّت لتمنعه عن أن يقول كلمة الحقّ، فلم يعن بتلك الجموع، وكلمته المعروفة التي قالها لعمّه أبي طالب مؤمن قريش:” والله، لو وضعوا الشمس بيميني، والقمر بيساري، على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتّى أموت أو يظهره الله”.
وهو القائل في خطاب النهضة الأخير قبل مغادرته المدينة المنورة: أسير بسيرة جدي محمد (ص) وأبي علي (ع)، فبهذه الإرادة الجبّارة قابل قوى الشرك، واستطاع أن يتغلّب على مجريات الأحداث، وهكذا كان موقف الإمام الحسين (ع) في وجه الحكم الأمويّ الظالم والهاتك للحرمات، فأعلن بلا تردّد رفضَه لبيعة يزيد بن معاوية، وانطلق إلى ساحات الجهاد، بالرغم من قلّة الناصر ليرفع كلمة الحقّ في وجه الظالمين وأعوانهم، وليدحض كلمة الباطل، هذا وقد احتشد بوجهه جيش الدولة الأمويّة بعسكره وعتاده، فلم يخف ولم يتوان عن مواصلة المسير لأجل تحقيق الأهداف السامية، وقد أعلن عزمه وتصميمه بكلمته الخالدة، فقال: “إنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً”، وانطلق مع أهل بيته وإخوته وأخواته وأصحابه إلى ميدان الشرف والمجد ليرفع راية الإسلام، ويحقّق للأمّة الإسلاميّة أعظم الانتصارات في جبهة الحقّ ضدّ الباطل، إلى أن ختم حياته بالشهادة، ولكنّ الهدف السامي انتصر، فبقيت القيم والمبادئ الإسلامية لتنتفض بعده بوجه الاستكبار والظلم، ولترفع عن كاهلها كلّ من استبدّ وقهر، وفي معركة الطف كانت شجاعته وبطولته ينظر لها الأبطال، فقد قاتل أعداءه رغم أنه شهد مقتل أولاده وأهل بيته وأصحابه وكان (ع) رابط الجأش ويقدم على جنود يزيد بشدة وجلد ولم يسقط منه سيفه رغم عطشه وبقائه وحيدا في الميدان، فتنكشف الجموع عن يمينه وشماله وهم يخشون رغم كثرتهم أن تأتيهم ضربته، حتى إذا أثخنته الجراح، وسقط عن فرسه، قاتل راجلا متصديا لتلك الجموع التي تكاثرت عليه كالذئاب المتوحشة، وعندما فاضت روحه الطاهرة انكشف جسمه الشريف عن عشرات الجروح من الرماح والسهام والسيوف، فوصف جسده الشريف بأنه كالقنفذ من كثرة السهام عليه. هذه الشجاعة ليست مقتصرة على صولاته في حومة الميدان، فكان من صفاته شجاعة الصراحة في القول، والسلوك. فطوال حياته لم يوارب، ولم يخادع، ولم يسلك طريقاً فيه أي التواء، وإنّما سلك الطريق الواضح الذي يتجاوب وضميره الحيّ، فابتعد عن كلّ ما لا يقرّه دينه وخلقه، فعندما أبلغه والي المدينة المنورة ليلا بموت معاوية وطلب منه البيعة ليزيد، مكتفياً بها في جنح الظلام، امتنع الإمام (ع) وقال له: نصبح ويصبح الناس ونتحدث، وفي الصباح قال للوالي بحضور الناس: “يا أمير، إنّا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، بنا فتح الله وبنا يختم، ويزيد فاسق، فاجر، شارب الخمر، قاتل النفس المحرّمة، معلن بالفسق والفجور، ومثلي لا يبايع مثله”، وبهذه الكلمات كشف عن صراحته وسموّ ذاته وموقفه في ادارة المعركة وهذه الصفات الحقيقية للقادة وكيف انتصروا عبر التاريخ في ظل معركة قاسية تختلف في كل الظروف عن اي معركة في العالم على مدى الزمان والمكان .