إن العالم بأسره اليوم مبتلي بآفة الإرهاب وما يسببه من كوارث على حياة الناس وتهديد السلم العالميوالأمن الاجتماعي واهدار الأموال الطائلة والتراجع الخطير في بنية الوعي الانساني حتى في جغرافياته ومرجعياته عطاء وابتكارا وتقدما، لأن الخروج من حدود الاعتدال يخلق فوضى وحالات من الإرباك الحياتي يعم كل مفاصل الحياة ويضع البشر على مرجل الخوف والتعرض للموت في أية لحظة واعتبار حياة الناس وهي الأسمى، هدفا لعبث المخبولين وأنصاف الأميين والجهلة، وبإمرة وتوجيه ومباركة أطراف عدة، منها رجل الدين الظلامي الحاهل، ومنها السياسي من فصيلة الرعاع، ومنها الدول التي تعيش على فوضى الآخرين، وغيرها من أركان هذه المحنة الحقيقية التي يعيشعا البشر، وقبل هذا وذاك بمباركة وتبني وفبركة الإعلام الموجه والملغوم بأهداف الممول والراعي والداعم لهذه الأوضاع المخيفة.
وحينما نريد أن نضع كل هذه الحالات غير السوية فكرا وسلوكا وقناعة وحتى إيمانا مشوها، لا نجد لها أي تفسير حتى وإن كرسنا أوقاتا وأوقات وأخضعناها للتحليل والتفسير، لا نصل لأية نتيجة، لنجد أنفسنا أمام لغز من الصعوبة تفكيكه وفهم ماهيته وطبيعته.
كيف يتسنى لشباب بعمر الورد وعلى قدر من القبول والكثير منهم في وضع دراسي متقدم، ولعل بعضهم من عوائل ميسورة، ونحن هنا لا نتكلم عن الشباب اليافع من الفقراء المغرر بهم بسبب الحاجة والعوز، يتركون كل هذه الاعتبارات وينخرطون في عصابات القتل والابادة حتى وإن كانوا أبناء جلدتهم والمقربين لهم بتأثير فتاوى تكفيرية صادرة من رجال (دين) جهلة ومنغلقين على أنفسهم وبعقول متحجرة ولا تفهم من الدين غير القتل والتدمير وتكفير الناس واستباحة الدم بدعوى تأسيس دولة الاسلام المبنية على الشريعة وحكم الله. ويتركون الجوانب الانسانية والمفاهيم الخيرة في الدين، بمعنى آخر يتركون جانب الرحمة والأخوة الحقيقية في الدين، ويركّزون على جانب الجهاد المبني على الفهم الخاطئ له، لنعيش حالة من الردة في طبيعة الوعي الانساني وتغليب العنف ولون الدماء على كل الألوان الحياتية الزاهية والجميلة، لتصبح الحياة عندهم بلون الدماء البريئة.
نعلم أن للجهاد في الاسلام تحديدا أركان وحدود لا يمكن تجاوزها، كما نصت عليه الآيات القرانية والأحاديث النبوية عبر تأريخ الدعوة الاسلامية منذ بدايتها، ونفهم أن الجهاد مبني على ركنيين أساسيين هما الدفاع عن العرض والمال ونشر الفكر الديني، ولكن باتباع طرق سلمية أحيانا، (وجادلهم بالتي هي أحسن) ولدينا كثرة الآيات التي تبين فريضة الجهاد، الذي بات وكما يقول العلماء المتنورين والمتفقهين في الدين وعيا ومعرفة بعصر التطور العلمي التكنولوجيا الحديثة، بأن الجهاد لم يعد عن طريق القوة وحمل السلاح في وقتنا الراهن، لأن الظروف تغيرت والحياة شهدت تحولات كبيرةبشكل مغاير لما كان عليه الوضع في بداية الدعوة الاسلامية، وهناك دول وأمم لا يمكن القضاء عليها وقتالها بنية نشر الدعوة، إلا اللهم أن نكون قدعطلنا تفكيرنا وعشنا خارج سياق التاريخ والمنطق، وهذا ما يحصل اليوم للجماعات التكفيرية الإرهابية المتسلحة بفكرة التدمير ولا سواه.
إن دعوات الجماعات الارهابية لا زالت تعيش بنفس عقلية بداية الدعوة والتي أكد العديد من علماء الدين والمشايخ المتنورين، أن الجهاد أخذ مناحي سلمية جديدة بعيدة عن العنف وفرض العقيدة بالقوة على الناس، وبات الايمان يخضع للحجج والاقناع وهذه صيغة حضارية وتنافس يساير روح العصر بين الأديان والمعتقدات والأيديولوجيات، والرابح من يكون أكثر وعيا وفهما وتحليلا وتمسكا بالقيم الانسانية وغيرها من السلوكات المتحضرة، حتى وصلنا إلى أن من يريد إيصال الفكرة أو الدعوة أو المفاهيم لاقناع الآخرين أن يتبع الطرق الديمقراطية عبر صناديق الاقتراع بتعايش انساني مبني على المحبة والتساكن وقبول الآخر والانتقال السلمي للسلطة باتفاق الجميع على الخضوع لدستور يراعي كل هذه الجوانب الدينية والسياسية باحترام حرية الانتماء والراي والخضوع للقوانين المرعية واحترامها، ومن هنا نسمو بالدولة والمجتمع والتطور الحضاري والتنمية البشرية درجات من الرقي الاجتماعي، يحفظ الحق للجميع ويمنع أي تجاوز على الآخرين وبامتلاك تقاليد وطنية يتفق عليها الجميع دونما غمط أو تجاوز حق أي مكون أو طائفة أو دين أو قومية أو حزب سياسي.
اليس هذا يا دعاة القتل السبيل للوحيد للعيش بأمن وأمان؟ ماذا تجنون إذا ما اعلنتم الحروب المدمرة ضد الآخرين غير القتل والدمار والخراب وبالتالي تجدون أنفسكم قد دمرتم أنفسكم قبل الآخرين حيث لا تجدون في النهاية مأوى يحميكم، هذا اذا سلمتم من الموت وهو الأمر المحقق والمحتوم، ومن يفلت منه لا يجد له، لا وطن ولا ناس ولا أرض ولا سماء، بعد أن تكونون قد حولتم الحياة إلى عوالم منالأشباح وأشعتم قانون النحر الذي مآله تدمير كل شئ وأنتم اول المتضررين، بدعوى نيلكم الثواب والجنة والحور العين. والدين برئ منكم ومن افعالكم الخسيسة.
إن كانت قناعاتكم بهذا الاتجاه لتبيحوا القتل والدمار، أليس من الأجدر العيش بأمن وسلام وممارسة طقوسكم الدينية وأنتم على قناعة يحترمها الجميع بأن ما تمارسونه من شعائر يقودكم لنيل الثواب؟
وهاكم آخر ما تفتّقت قرائح اصحاب فتاوى التكفير، حيث ابتكروا جهادا آخر ذلك هو جهاد النكاح، وهو مجرد دعوة للتعهر والرذيلة باسم الجهاد وتطبيق الشريعة، وما شاهدناه في اليوتيوب من شهادات يندى لها الجبين، إذ يغررون بفتيات صغيرات ويدعوهن للجهاد، لا بقصد طقوس النحر، بل اقناعهن بممارسة الجنس مع (المجاهدين) لكي ينجزوا مهمتهم (الجهادية) وأية مهمة هذه، إنها عمليات القتل والتفخيخ واشاعة الفوضى، وعلمنا أن أعدادا كبيرة جدا، يمارسن الجنس مع الجميع دونما تمييز، والآن فأن تونس لا تعرف كيف تعالج هذا الأمر، حيث أن معظم القادمات التونسيات من جهاد النكاح هن حوامل بأجنة لا يعرف من هم آباؤهم، وكيف يتعاملون معهم، وهل يمنحون الجنسية أم لا؟والحالة تنطبق على العديد من المتطوعات من جنسيات مختلفة، فأي دين هذا وأية شريعة يسعى الظلاميون لتطبيقها، فتصوروا ما سيكون عليه حال المجتمع إذا ما أفلحوا بتطبيق الشريعة؟
واليكم هذه الفتوى الكارثية في الجهاد الوهابي، ذلك أن الفتوى تبيح ممارسة زنى المحارم، بمعنى أن من حق الأخ شرعا أن يمارس الجنس مع شقيقته، يا لطيف، يا لطيف…
ارجعوا الى الشهدات لتتبينوا هذا المسخ وهذه الانحطاط.
والمصيبة أن هناك من السياسيين العراقيين من يدعم داعش، يقينا سيبيح للقتلة تطبيق فتوى جهاد النكاح مع أي كانت، حتى وان كانت الأخت، ومن جهة أخرى إذا ما امسكوا أيا كان ومعه قنينة خمر، يعدمونه في الحال، كما حدث في مناطق سورية، فأي فعل أعظم ممارسة الجنس مع الشقيقة، أم شرب الخمر؟
والقادم أعظم وأكثر هولا.
نحن هنا لسنا بوارد التفقه، ولكننا نرى أن راهنكم المخيف لا يسبب إلا الفتك بكل شئ، بشرا وقيما ودينا وعيشا وأرضا وبالتالي تخسرون كل شئ، حتى حياتكم التي هي أسمى شئ في الوجود، هل من المعقول أن تسلمون أمر دنياكم ومصائركم بيد ثلة من الجهلة من التكفيريين بفتاواهم الخبيثة والمتخلفةن وهم يضحكون عليكم لينالوا هم الامتيازات وتذهبون أنتم للجحيم.
ما يدهشنا أننا نسمع وعبر شاشات الفضائيات توصيفات غريبة عجيبة، ذلك أن الأخبار تصف الارهابيين بالجهاديين، وهذا الخلط غير جائز ومرفوض، فمتى كان الارهابي القاتل والذي يحل سفك دماء الابرياء ويمارس الخراب، جهاديا؟
ينبغي تصحيح هذا الأمر ولا يجوز اطلاق كلمة جهادي على قاتل ومجرم، لأنها اساءة لهذه المفردة التي كان وما زال لها الوقع الطيب على الناس التواقين للتحرر، وإن من يصف الارهابيين بالجهاديين، يسئ بشكل كبير لاولئك المناضلين الذي جاهدوا لتحرير أرضهم من المحتل وقدموا التضحيات عبر تاريخ طويل من الكفاح لنيل حريتهم واستقلالهم وانعتاقهم من مغتصبين لأرضهم ومقدراتهم وحتى كرامتهم.
فهل يتساوي الارهابي الوهابي مع الجهادي الفلسطيني مثلا؟
فما يقوم به السلفيون القتلة ليس جهادا ولا علاقة له بقدسية هذه الكلمة، ومن يشوه التوظيف الحقيقي للكلمة، كمن يدعم الإرهاب والقتل وينزهه ويرفعه لدرجة الجهاد.
على الاعلام والاعلاميين والمحللين والسياسيين تصحيح هذا الخطأ الكبير الذي يقعون فيه قصدا خبيثا مبيتا أو دونه، أن ينتبهوا لهذا التوظيف واحترام ذائقة الناس وايمانهم وعدم اللجوء إلى هذا المسخ في إطلاق الكلمات على عواهنها.