يقول صاحب المثل؛ (الكتاب يبيّن من عنوانه) وقد سبقه في هذا المعنى الشاعر العباس بن الأحنف حيث أنشد:
كنت مثل الكتاب أخفاه طي فاستدلوا عليه بالعنوان
وهذا مايحذو حذوه ممتهنو الصحافة، إذ أن إيلاء الـ (مانشيت) أهمية كبيرة في تحرير الخبر الصحفي في وسائل الإعلام المقروءة، وانتقاء مفرداته وفق ضوابط وشروط لغوية ونحوية، يضفي على الخبر جاذبية وتشويقا. إلا أن هناك شرطا أساسيا في هذا الأمر، على القائم بتحرير الخبر أن يأخذه بعين الاعتبار، هو أن تكون أهمية الخبر والأحداث التي يتضمنها الموضوع، تتلاءم مع الصورة الرائعة التي رسمها المانشيت، وتوازيه باهتمام القارئ، وتكافئه في الجذب ولفت الانتباه، وإلا فالأمر سيأخذ طابع الخداع والتمويه والتحاليل. فحين يتابع القارئ متن الموضوع ولا يجد فيه ما استوحاه من المانشيت من قوة وأهمية، تتزعزع ثقته بكاتب الموضوع، وسيثأر للخديعة التي تعرض لها، وسيعدّ مامر به ضربا من الاستدراج والمراوغة والتحايل، لإرغامه على قراءة الموضوع، وقطعا هذا ليس من صالح الكاتب ولا القارئ ولا الجهة الإعلامية التي تصدر ذاك المطبوع.
وباستذكار لبعض المانشيتات التي كان يضعها كادر متخصص في وسائل الإعلام في زمن النظام السابق. كنا نقرأ في صدارة الصفحات مانشيتات رنانة بالخط العريض أمثال؛
* من حمورابي الى صدام حسين…
* نبوخذ نصر ينهض من جديد…
* حمورابي يحمل مسلته الينا…
ثم تبين بعد حين هراء تلك العبارات وخواؤها من كل معنى تحمله مفرداتها، بل هي كانت كما قال الشاعر الأندلسي ابو بكر بن عمار:
مما يزهدني في أرض أندلـس أسـمـاء معتضـد فيها ومعتـمـد
ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد
ما دعاني الى تناول موضوع العناوين، والاشارة الى مانريد بها، والاستدلال بذكرها على الأشياء بمسمياتها، هو ما ينشر اليوم في وسائل الإعلام لاسيما المقروءة منها، فيما يخص الكتل والقوائم والكيانات والتحالفات ومسمياتها، والتي على مايبدو (حاده سنونها) ومتهيئة لخوض النزال ودخول الحلبة -حلبة الانتخابات- إذ أن جميعها من دون استثناء تحمل من الأسماء الرنانة والألفاظ الجزلة، مايشير الى معانٍ سامية ووطنية، وأغلبها ينم اسمه عن رعاية مصلحة البلد وجعلها فوق كل المصالح، وأخرى تشير الى أهمية التكاتف والتعاضد والاتحاد وتنادي به، وهناك كتلة حملت اسم العراق فانتسبت اليه، إذ ظن رئيسها أن مفردة العراق تغطي على نياته المبطنة من تشكيلته التحزبية. وكتلة اختارت أصغر خلية في المجتمع -وهو المواطن- فتسمت باسمه، ولست إدري إن كان تواضعا من مؤسسها النزول عند رغبة المواطن، أم أنه يعزف على وتر حساس -وهو حساس فعلا- فالمواطن وضع جل آماله في صندوق الاقتراع، ولسان حاله يقول: (بصاية الله وصاية الأحزاب) وكتلة اختارت من الألوان أنصعها وأنقاها اسما لها، فالبياض كما هو معهود يتسم بالنقاء والطهر، فهل هي كذلك؟. ونرى كتلة جعلت من مشروعها دليلا عليها فاختارته مسمى وتعريفا لها. وهكذا تعددت أسماء الكتل وألقابها وكناها، ولكن أفعالها تبقى مجهولة المصداقية الى حين، إذ لاأحد يبت في هذا حاليا، ولا أحد يجزم فيما اذا ستكون الأفعال بذات الوقع والصدى الذي تحمله الأسماء، أم أن شرخا كبيرا سيحدث عما قريب، يفصل بين الإسم والمسمى، وبين المقول والمعمول! فمشوار إثبات النيات السليمة مازال في بدايته، وللقوائم الفائزة والكتل التي ستتبوأ المقاعد الوقت الكافي للوفاء بالوعود، وسيتبين حينها المزيف من المسميات، والحقيقي الذي يعكس الصادق عن الكاذب منهم، وقد قال مثلنا: (أبو گريوه يبين بالعبر).