بعد مخاض عسير وبعد أن كاد هلال عام جديد يهلّ علينا .. وبعد أن ولد برلمانيّيونا الأشاوس مولود ميزانيّة العراق لهذا العام بغياب قابلة مأذونة “كورديّة” .. وبعد فشل متواصل لجلسات برلمان أعضاءه الأغنى في العالم وعدم قدرة مجلس اللوردات هذا على إقرار ميزانيّة ريعيّة تعد الأعلى رقماً في الشرق الأوسط لأسباب عويصة من المؤكّد أنّها تتعلّق بعمليّة الإعمار الأسطوريّة الكاسحة الّتي ستضع العراق وستضع العراقي “المُدلّلّ” من قبل رجال دين حلوين المحابس , على عتبة إرسال قمر صناعي عراقي يحمل رائد فضاء من أبناء المنطقة الغربيّة , ليلفّ كرتنا الارضيّة السبع لفّات ..
وفيما يستثمر السيّد المالكي تظاهرات باتت في الآونة الأخيرة وكأنّها تدور في دائرة مفرغة لعدم وضوح رؤية موضوعيّة لقادتها وتثير الشكّ حولها منحت السيّد المالكي فرص ثمينة لولاية ثالثة لا تقدّر بثمن بدأ الرجل يستثمرها أحسن استثمار فيما يواصل اتّهام الآخرين بطائفيّة لم يتخلّص هو منها رغم كذبه بعلمانيّة لا يفهمها , لا يعادل هذه الفرص المجّانيّة ثمناً سوى كمّيّات الكنوز من الذهب الخالص الّتي تغطّي أضرحة بوذا .. قصدي المراقد “الشيعيّة” الّتي يتواصل في أحدى أهمّها “الحسين عليه السلام” تثبيت “شبّاك” من الذهب الخالص ومرصّع بالزمرّد وباللؤلؤ وبالمرجان وبالياقوت وبالمينا اللّازورديّة وبنفائس المجوهرات يتوسّط أحد جدران “بيت” الحسين !! .. ولا أدري هل يقصد المنافقون قصدي “المتبرّعون” بشبّاكهم هذا حسيننا الّذي نعرف سيرته الزاهية والأغلى من كنوز الأرض بما ليس له حاجة معها لذهب دنيوي , والّتي لا نعرف من هذا القصد سوى أنّه “تحشيد لمشروع استثماري تعظيم قبر الحسين فيه مكسب إضافي يكون المغيّبون في مشهده عرضة لزيادة الضغط النفسي عليهم برهبة المكان وزيادة التباس في مفهوم الحسين لاستنزاف عرقهم من الّذين ضحّى الحسين بنفسه وبعياله وترك كنوز الدنيا لأجلهم ولإجل إعادة الوعي إليهم” .. أم المقصود حسين السماء الّذي قطعاً هو في أعلى منزلة عند ربّ العالمين كما تفترض ذلك المعاني الإنسانيّة العليا حيث ينعم بما لا أذن سمعت ولا عين رأت ولم يخطر على قلب بشر ولا يوازي نعيم تلك المنزلة كلّ ذهب الأرض وجميع كنوز كواكب وأجرام وأقمار ونجوم وشموس ونيازك الكون كلّه .. ؟! ..
في الحقيقة يلتبس هذا النوع من البذخ الفاحش من “العطايا” على العقلاء فلا يُفسّر سوى أنّه نفاق “حيّ على الصلاة” لا يفوقه سوى نفاق أبو ريشة يتستّر به أصحابه “ولايخلو منهم برلمانيّون!” على عورات نفسيّة وأخلاقيّة واجتماعيّة بهذا التعامل المادّي المنافق تتجلجل به الأضرحة في العراق أو في غيره وفي كافّة بلدان التخلّف وضياع حقوق المرأة والرجل على السواء في أرجاء العالم واضطهادهما واللف بهما السبع لفّات .. في حين ينتظر جماهير المسلمين في العراق وفي العالم أيضاً كما يفهما العقلاء في كلّ الأزمان ينتظرون من “القائمون والمراجع” , ومن “الاتباع” أيضاً , سلوكيّات أخلاقيّة حسينيّة صميمة لا سبائك ذهب ولا شبابيك يتفرّج الملهوف عليها يتضوّر جوعاً ويسيل لعابه لها ولا يطالها تتجلجل بها أمام عينيه أضرحة من هم أصلاً في غنىً عنها .. فقائمة الفساد الّتي يضطلع بها مدّعوا حبّ الحسين , ومن انتخبهم أيضاً باعتبارهم شركاء في الفساد وفي جريمة الابتزاز وفي جرائم الانتخابات بحجّة آل البيت لا يغطّيها لا “شبّاك الحسين” ولا أبوابه ولا قببه ولا مرمر أرضيّته ولا زخارفه وإن صنعت بعجين ذهب وجواهر الأرض كلّها .. فكم من “أنيق” يلتمع مظهره مزركش بالحلي وبالجواهر يسرق شعوباً ودولاً , وبنوكاً , ومشاريعاً وهميّة وفي وضح النهار ..
إنّني أتسائل أحياناً مع نفسي وأحياناً أتبادل التساؤل مع آخرون , ومنذ وعيت أنّني مسلماً و”سنّيّاً” بالوراثة ومنذ أن دخل صندوق أو “حسينيّة” أو “قاصة” معارفي الدينيّة البسيط آنذاك معاني “الاختلاف” في مسالك الطرق لإرضاء الله ولا أسمّيها شيئاً آخر .. أتسائل .. ما فائدة إغراق من سرت عليه سنن الله في خلقه ؛ أن يتقبّل مثل هذه العطايا “الطاغوتيّة” فيما رفضها وهو حيّاً بل وضحّى بنفسه وبعائلته وبخيرة أصحابه لإعادة النهج الاسلامي لدكّة الحكم الصحيح .. أم أنّ “الجماعة” يظنّون بشبّاكهم هذا وما سبق وما سيأتي من ملذّات الدنيا الفانية هذه أنّهم يرسمون “جنّة” يفتح الحسين عيونه عليها بعد منتصف الليالي أو بعد النشور ! .. ثمّ ومن أين لهم كلّ هذه الأثقال من الذهب يتبرّعون بها ! .. أم أنّ وحياً أبلغهم بتقديم القرابين لـ”قبر” صاحبه من المستحيل أن يخترق سنن الله ينتظر ماكثاً فيه للآن “ولنضع جانباً هرطقات التدهور العقلي قبل الاسلام والّتي صحت بعده في سنين التخلّف في الربط بين أبديّة المكان وأبديّة الروح” لتبرير ما يفعلون .. على الأقلّ الزحف المكاني المادّي لحركة الأرض والزلازل والانشقاقات والحروب سوف لن تترك لا كربلاء ولا نجف ولا أضرحة ولا قبور ولا غيرها على حالها” في المستقبل المنظور أو البعيد الغير منظور ..
هذه العطايا المتكدّسة في الأضرحة مستلزمات “تخويف” وإرهاب للأتباع لا غير ولا تفسير آخر لضاهرتها .. إذ كلّما زاد هيلمان المكان زاد تأثيره في زائروه , وهم البسطاء “الشغّيلة” الكسبة وأغلبهم جهلة , فيزدادوا تعلّقاً ورهبةً بصاحب القبر وبالتالي لا يستفاد من هذه العلاقة المنحرفة الغريبة “دليلمانيّون مسلمون أم مسيحيّون” سوى القائمون على “خدمة” هذه المقامات الثريّة لتدرّ عليهم أموالاً لا حصر لها يتوارثونها إلى أبد الآبدين لا توقفها إلّا المتغيّرات الّتي تجبر بالقوّة العقل السابح بالظنون وبالغيبيّات على الانتباه إلى نفسه , كما أجبر العقل الغائب بظهور الإسلام عدم الانجرار لرجال الدين يسلّمونهم عقولهم .. فلو كانت عقول “المنجرّون” لا تصلح لسقط عنهم التكليف .. لذلك فسنجد فيما بعد أنّ عامّة الناس خصوصاً في سنون التدهور يتهرّبون من التكليف “لصعوبته” بادّعاء أنّ تعاليم الدين “الالتزام بالاخلاق يعني” لا يطيقها سوى الأنبياء والأولياء ! وهذه بحسب رأيي أحد أهمّ عوامل استشراء الانحراف بين غالبيّة “المسلمين” للتهرّب من التكليف بدعوى أنّ “صاحب المقام مستجاب الدعوة” وهو من سيعوّض بدلاً عنهم ! وفق “نظريّة” الفداء الّتي يتّبعها المتخلّفون من المسيح أو غيرهم من بعض الديانات .. في حين أنّ ـ المجيب ـ أقرب إلى أيّ إنسان من حبل الوريد!!!” فلو صحّ منطق “الضرائحيّون” هذا لتعاملت معهم نواميس الكون على أنّهم غرائزيّون لا أكثر ولأقرّ ذلك القرآن ..
التاريخ يعلّمنا منذ فجر السلالات وفجر الحضارات ومنذ أن تعلّم الإنسان الطرق والأساليب الّتي يظنّها أنّها تصدّ عنه القوى الشرّيرة ولغاية انتظام العقل في فرز تلك الطرق والأساليب وإلى اليوم .. أنّ هنالك تجانساً سلبيّاً على الدوام ما بين ارتفاع الأضرحة والمقامات وبين الهبوط والتدنيّ وانتشار الأوبئة والأمراض العقليّة والبدنيّة وانتشار ظواهر الفساد بمختلف درجاتها وازدياد القوى الطاغية المتسلّطة وازدياد أعداد الفقراء والمعوزون وازدياد الجهل والفاقة العلميّة والمادّيّة وانحسار التوازن الاجتماعي إلى الحضيض وسقوط الحضارات .. هذا التاريخ أمامكم عزيزي القار الكريم ومن المؤكّد لا تغيب عنكم مثل تلك الحقائق .. فلا تجانس بين تقدّم حضاري وبين تعلّق بماضي بدون استشفاف العبر النافعة منه ..
مات الحسين ولم يكن في بيته شبّاك ولو من قصب .. ومات عليّ وجلده مغطّى بالخيش .. وبناءً على ذلك فإنّ صاحب أيّ رؤى واضحة .. سيتوصّل بالاستنتاج إلى أنّ “هداياكم الذهبيّة” هذه .. يا سادة .. حتّى وإن كانت خالية من الذهب .. ليست سوى نفاق يفضحكم ويفضح طرقكم الغير مشروعة في كسب الأموال وسوى براقع مثقّبة يرى الجميع عبرها عجزكم الأخلاقي وفساد نفوسكم .. فكنوز الكون كلّه لو وضعتموها على أضرحة آل البيت فلن يعيرها آل البيت أيّ اهتمام ولو بسمك شعرة .. فلو كان خلقكم حسيني فعلاً .. ولو تيقّنت ضمائركم أنّ الجنّة لا يدخلها إلاّ ذو خلق قويم فلن تقدّموا ساعتها ولو فلساً واحداً لضريح وسيكون اهتمامكم الأوّل بدلاً عن ذلك , اقتداء خطى آل البيت وبدلاً عن زياراتكم المليونيّة للحج والعمرة “خرّيّ مرّي” رايحين جايين “مثل ميّ الحقنة” وستكون نفوسكم نقيّة كأغنياء النفوس حريصون على الرزق “الحلال” تنفقون فائضه على الملايين الّذين يتضوّرون جوعاً وعوزاً ولأستقرّ في عمق ضمائركم أنّ ربّ العالمين لا يهزأ حين حرّم اكتناز الذهب والفضّة في البيوت أو على الأضرحة .. فلو كان ذلك حلالاً لجمع كلّ جواهر الدنيا ووضعها على قبور جميع أنبيائه ورسله “وأغلبهم مفقودة حتّى قبورهم !” ولوشعها على ضريح الحسين بتدبير منه ولم ينتظر أن يضعها لصوص وقادة فساد فقدوا القيم والأخلاق وفقدوا القدرة على تشغيل مئات الألوف من العاطلين عن العمل في العراق وفقدوا القدرة على إخراج العراق من “البند السابع” وفقدوا القدرة على إيقاف مؤامرة ميناء مبارك وفقدوا السيطرة على “الفكّة” ومدن العراق الحدوديّة وفقدوا القدرة على حماية مواطنيه في أم قصر وغيرها وفقدوا السيطرة على آباره النفطيّة الحدوديّة ولم يحسنوا سوى التسويف مع طلبات المواطن العراقي البسيط وابتداع السبل الملتوية في التستّر على ملايين ملفّات التفجير والتهجير ومقابر الشوارع ومليارات الدولارات المسروقة ..
سيقف الحسين يوم المشهد العظيم “إن كنتم تؤمنون بالله وبالمشهد حقيقةً لا لفظ لسان!” فيتبرّأ منكم على رؤوس الأشهاد وسيرى بعينيه عذاب الله ينزل سليطاً عليكم بأيدي غلاظ شداد لا يقبلون الرشوة ولا التزوير يسومونكم صنوف العذاب بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ويصلونكم بسلاسل حديد مختلفة الأطوال والأحجام حامية حدّ الاحمرار والانصهار يشوون بها جلودكم , وكلّما هرأت ونضجت أبدلكم الله جلوداً غيرها ليدور عليكم بالعذاب إلى أبد الآبدبن حيث لا يوم قيامة بعدها تنتظرونه بأمل العفو أو الخروج من المعتقلات !! ..