اتذكر حين كنت احاضر في كلية الادارة والاقتصاد بجامعة بغداد في منتصف ثمانينات القرن الماضي , كنت اتوقف عن القاء محاضراتي لدقائق ربما تطول لمدة نصف ساعة او اكثر بسبب الضجيج الذي تحدثه طائرة سمتية تحوم في سماء كلية القانون والسياسة ( وكان هذا اسمها في وقتها ) حيث تقع مقابل كليتنا في الوزيرية , وكان البلد في حينها يخوض غمار حرب مع الجارة ايران , ونظرا لتكرار الظاهرة لأكثر من مرة فقد تساءلت عن اسباب وجود الطائرة ونحن نبعد عن اقرب جبهة بمئات الكيلومترات , فأجابني احد الطلبة ان الموضوع ليس له علاقة بالحرب لان من يقود الطائرة هو( قصي صدام حسين ) وهو طالب في كلية العلوم السياسية وان الهدف من طيرانه فوق الكلية هو لمغازلة طالباتها وليس لمهمات استطلاعية وقتالية قط .
ولم استطع التعليق على الموضوع او ابداء اية ملاحظات فقد علمت ان عمادة الكلية على علم بهذا الموضوع الذي يؤثر على سير وانتظام الدراسة , فالتحليق المنخفض بطائرة سمتية كان يهز المنطقة ولا احد يجرأ على طرح الموضوع لا في الحزب ولا في الدولة , وفي وقتها اعلمني احد الزملاء بان المعلومات التي لديه تشير انه لا يمكن ان تطير طائرة في السماء سواء كانت سمتية او مقاتلة الا بعلم القائد العام للقوات المسلحة الذي هو القائد ( الضرورة ) ووالد عدي وقصي وحلا , وعندها اضطررت للسكوت واخذ الامر بروح رياضية لان وجود طائرة يقودها شخص مثل قصي لا يمكن ان اعترض عليه ولا يجرا اي شخص التداول به لأنه يشكل واحدا من المحظورات في حينها كما ان دخوله يشكل مجازفة كبيرة ولا تجلب غير النتائج السلبية .
ان ما ذكرني بتلك الحادثة هو ما حصل يوم الاحد 2/ 11/ 2014 , فقد حلقت طائرة سمتية في منطقة الاسكان في سماء كلية المأمون الجامعة بنفس الطريقة التي كان يحلق بها قصي فوق كليته لإبراز عضلاته ليس في جبهات القتال وانما لاستثارة الزميلات وامعاض الزملاء , لا نعلم ما هو الهدف الذي كان يبحث عنه الطيار وما هو اسمه وهل ان داعش وصل الى بغداد وفي منطقة الاسكان لكي يتابعه ذلك الطيار الهمام ؟ , ولان الحدث واحد ولكن الزمان مختلفا ولنا متسعا من الحرية في الكتابة والحديث , فمن حقنا ان نتساءل ماهي هوية واسم الطيار وماهي المهمة التي يقوم بها في طائرته السمتية ومن اعطاه الحق في الطيران واستخدام الطائرة , واذا كان الفعل تم فوق سماء كلية المأمون اليس من المحتمل ان يتم استخدام الطائرة لأهداف اخرى من قبله او من قبل من تسول له نفسه في استخدام الطيران لقتل العراقيين ؟ .
ان هذه الحادثة يجب ان لا تمر مرور الكرام كما هو الحال في الحالات السابقة التي فيها تجاوزات ويتم فيها تشكيل تحقيقات والتستر على نتائجها , والسبب هو ان القصد هو ليس ايقاع الاذية بالفاعل الذي نجهل هويته ومكانته وابن من , ولكن الظرف الذي نعيشه يختلف عن الظرف الذي كان فيه قصي يخرج بطائرته للتباهي , فالخطر محدق بنا من كل صوب وهناك ثلث الاراضي العراقية تحت سيطرة الدواعش ويوميا تسيل الدماء العراقية الطاهرة اما دفاعا عن الارض او تحت جرائم الارهابيين , وفي ظل الامكانيات المحدودة للطيران نحتاج الى كل دقيقة طيران لندك معاقل الجرذان بدلا من ترك السمتيات تغازل الطالبات , فشرف العراقيات مهدد على الارض وعلى الرجال حماية هذا الشرف وليس التباهي بطريقة الطغاة .
لقد تداولت وسائل الاعلام , بان وزارة الدفاع قد اصدرت بيانا عبرت فيه عن استنكارها لهذا الفعل وانها ستتخذ اجراءات رادعة بحق المقصر في حالة ثبوت ذلك من خلال التحقيق , ومن المخجل فعلا ان يصدر مثل هذا البيان لان الطائرة كانت تحلق في السماء وقد حطت في الحرم الجامعي وهي ليست المرة الأولى فقد سبقتها حالة مشابهة بنفس المكان والامر لا يحتاج للإثبات الا اذا كانت الدفاع لا تعلم بحركة طائراتها , وهو امر خطير لأنه يعني من ضمن ما يعنيه بان بإمكان اية طائرة معادية ان تخترق الاجواء وتضرب ما تختاره من اهداف ثم يبدا التحقيق لتحديد هويتها هل هي صديقة او معادية , ونسال من اصدر البيان هل تمت دراسته ومراجعته ام انه كان لغرض صرف الانظار فحسب , فحادثة من هذا النوع توحي بان السلاح خارج سيطرة الدولة حتى بالنسبة للطائرات وهو موضوع خطر بالفعل .