19 ديسمبر، 2024 12:38 ص

شبه جزيرة القرم(الوطن التركي السليب)

شبه جزيرة القرم(الوطن التركي السليب)

شبه جزيرة القرم الوطن التركي السليب ،الجمهورية الاوكرانية الذاتية الحكم تقع الى جنوبي جمهورية اوكرانيا عاصمتها سمفربول (آق مسجد ) ،يحيط بها من الجنوب والشرق البحر الاسود ومن  الشرق بحر آزوف .

ترتبط شبه جزيرة القرم بجنوب جمهورية اوكرانيا من اليابسة بشريط حدودي لايتجاوز طوله الثمانية كيلومترات ،اما مع روسيا الاتحادية فلا حدود برية بينهما وتنفصل عنها بمضيق مائي .

تمتاز شبه جزيرة القرم بموقع بالغ الاهمية من الناحية  الجغرافية والاستراتجية  في البحر الاسود كما انها تمتاز بتنوع ثرواتها الطبيعية  كالنفط والغاز الطبيعي ومحاصيلها الزراعية وبطبيعتها الخلابة ومشافيها العلاجية. وتبلغ مساحتها نحو 27 الف كيلومترا وتعدادها يقرب من مليوني نسمة  ويتشكل 50% منهم من القومية الروسية  و35% من القومية الاوكرانية و02% (ثلاثمائة الف) من الاتراك التتار الذين يعود الفضل لهم في دخول الدين الاسلامي وانتشاره في شبه الجزيرة.

شبه جزيرة القرم الوطن التركي السليب  انجبت الكثير من كبار المفكرين والادباء والشعراءالاتراك كالمفكر التتاري العظيم إسماعيل غاسبرالي GASPIRALI صاحب نظرية الوحدة التركية في الفكر واللغة والعمل ، ومؤسس اول جريدة على نطاق العالم التركي هي جريدة ترجمان . ومما يجدر ذكره  ان الامم المتحدة تبنت قرارا اعتبرت به عام 2014 الحالي عام المفكر اسماعيل غاسبرالي 1851-1914.

إن شبه جزيرة القرم التي كانت موطنا للاقوام التركية القديمة ،تحولت مؤخرا الى مسرح للنزاع بين روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الامريكية لاهمية موقعها الاستراتجي  في البحر الاسود، مثلما كانت قديما مسرحا للصراع بين الرومان والبيزنطيين والايطاليين وروسيا القيصرية التي يرجع تاريخ احتلالها لشبه جزيرة القرم الى اواخر القرن الثامن عشر بعدما تمكنت جيوشها بقيادة الامبراطورة كاثرين الثانية من دحر تحالف خانات القرم مع الدولة العثمانية في حروب دامت سنين طويلة . وقبل هذه الحروب التي  حصدت مئات الالاف من التتار، كان عدد الاتراك التتار في وطنهم شبه  جزيرة القرم يقدر بنحو خمسة ملايين نسمة .

لم تكن شبه جزيرة القرم جزءا من روسيا الا بعد احتلالها لها في اواخر القرن  الثامن عشر ،كما انها لم تكن جزءا من اوكرانيا الا في عام 1954 عندما اهداها الرئيس السوفياتي نكيتا خروشوف الاوكراني الاصل الى جمهورية اوكرانيا  في الذكرى المئوية الثلاثمائة لانضمام اوكرانيا الى روسيا .

استوطن الاتراك   التتار في شبه جزيرة القرم في القرن الرابع عشر الميلادي واطلقوا عليها اسم  القرم ويعني القلعة باللهجة التتارية، ومن ثم اسسوا فيها دولة خانات القرم ،وبعد مضي قرن على قيام الخانات اصبحت شبه جزيرة القرم جزءا من الدولة العثمانية ،ثم الحقت بروسيا بعد سنين من الحرب بين روسيا القيصرية وبين الامبراطورية العثمانية .وبعد الثورة البلشفية أصبحت شبه جزيرة القرم  في عام 1921 جمهورية ذاتية الحكم تابعة للاتحاد السوفياتي.

مارست روسيا القيصرية بعد احتلالها للجزيرة ابشع اساليب الاضطهاد الديني والعنصري والتجويع والتطهير العرقي والابادات الجماعية ضد الاتراك التتار المسلمين  ، وجرى بعد حقبة الاحتلال القضاء على الارشيف التاريخي والفكري للتراث لاتراك التتار ، حتى ان قوات روسيا القيصرية قتلت في احدى السنين 350 ألفا من اتراك الجزيرة ، واسفرت تلك المجازر عن نزوح ما لايقل عن نصف مليون من التتار نحوالاناضول، غير ان ما يقرب من نصف هؤلاء لقوا حتفهم في الطرق بفعل المرض والجوع وعوامل الطقس قبل ان يصلوا للاراضي العثمانية.

لم تقتصر معاناة وويلات التتار على هذه الهجرة وانما اعقبتها ويلات اخرى خلال الحرب العثمانية- الروسية 1828-1829 وخلال حرب القرم1854 -1856، ويقدر عدد الاتراك التتار الذين اضطروا للهجرة الى الاناضول وبعض البلدان الاوربية وغيرها حتى عام 1922 باكثر من مليون و800 الف .

في مطلع القرن العشرين حاول التتار العائدون الى وطنهم شبه جزيرة القرم استعادة قوتهم واعلنوا عن تشكيل حكومة،لكن الفوات السوفياتية قتلت القائمين بها،ثم اراد السفاح ستالين تحويل الجزيرة الى كيان ليهود روسياعام 1928،ولكن ثورة قادها ائمة المساجد افشلت مشروع الكيان اليهودي لستالين الذي لم يتورع عن اعدام 3500 من المسلمين التتار المشاركين في الثورة ضد مشروعه .

ارتكب الزعيم السوفياتي السفاح جوزيف ستالين جريمة بشعة  لم يشهد التاريخ مثيلا له  ، ويندى لها جبين الانسانية بحق الاتراك التتار ابان الحرب العالمية الثانية عام 1944 والتي تعتبر بكل المقاييس ابادة جماعية،عندما امر بتهجيرهم في قرار مباغت وفي قطارات لنقل المواشي في  فصل الشتاء القارص استغرقت ايام عديدة الى اعماق سيبيريا والى آسيا الوسطى وذلك بتهمة التعاون مع المانيا ضد الاتحاد السوفياتي،حيث لقي مئات الالاف منهم حتفهم قبل وصولهم الى منفاهم الجديد.

قرر المجلس السوفياتي الاعلى عام 1974تبرئة الاتراك التتارمن تهمة التعاون مع المانيا الهتلرية اثناء الحرب العالمية الثانية،واعتذر منهم عما لحق بهم من ويلات وقتل وتشريد في عهد ستالين  واعاد لهم اعتبارهم .غير ان الاتحاد السوفياتي لم يسمح بعودتهم الى وطنهم القرم إلا بعد عام 1988.

الاتراك التتار يفضلون لاسباب تاريخية بقاء وطنهم القرم جزءا من جمهورية اوكرانيا ، ولا يرغبون في ان يتذكروا ما تعرضوا له في الماضي من ويلات ومآسي وتشريد وابادة اكثر من مرة على يد الجنود الروس وخاصة ويلاتهم في عهد السفاح ستالين ،كما انهم غير راغبين في ان تتكرر رحلة  النزوح وترك الوطن.

زعيم الاتراك التتار الاسطوري مصطفى عبدالجميل قرم اوغلو الذي ناضل سنين طويلة في سبيل تحقيق عودة ابناء شعبه التتاري المشردين في جميع انحاء روسيا وغيرها الى وطنهم القرم ، كان قد ناشد وزير الخارجية التركي احمد داووداوغلو خلال اللقاء به بالسفارة التركية في كييف مطلع شهر آذار الجاري، بان تتحرك تركيا للدفاع عنهم وحمايتهم ودرء الاخطار المحدقة بهم .

لقاء وزير الخارجية داوود اوغلو مع مصطفى عبدالجميل لم تتعد حدود المجاملة،لان التتار انتظروا عبثا سنين طويلة ان تساعدهم تركيا في ما تعرضوا له من محن ومشكلات مصيرية، لان السياسة الخارجية لتركيا التي اعقبت وفاة مؤسس الجمهورية التركية الراحل مصطفى كمال آتاتورك لم تكن وطنية ولا قومية، وسياستها الحالية اثبتت فشلها لانها سياسة لم تخدم تركيا ومصالحها القومية وانما هي سياسة تخدم حركة اسلامية سياسية عربية المنشأ فشلت في اثبات جدواها حتى في موطنها الاصلي .

ها هو العراق لم تبق فيه خطوطا حمراء لتركيا ،وها هم التركمان العراقيون تقدمهم السياسة الخارجية التركية دون التفكيرفي مستقبلهم في طبق من ذهب للاقليم الكردي ، وها هم  التركمان السوريون فقد تركتهم سياسات تركيا لتفتك بهم  قوات النظام ومليشيات الاسلاميين المتطرفين .

الضرورة تحتم على قادة الاتراك التتار في شبه جزيرة القرم ان يستخرجوا العبر والدروس من سياسات تركيا الخارجية ومن اخطاء الاتراك في البلدان الاخرى في اعتمادهم الاعمى على تلك السياسات ،وان لا ينتظروامنها مواقف  جادة تدافع عنهم ،او تساعدهم على تحقيق ما يصبون اليه . فمصطفى عبدالجميل قرم اوغلو ورفاقه المناضلين مما لاشك انهم قادرون على قيادة ابناء شعبهم وحمايتهم من الاخطار وتقرير مصيرهم .