تجسم حالة شبكة الاعلام العراقية الى حد كبير الحالة العامة للحكم او الحكومة العراقية منذ الاحتلال حتى اليوم ، فهناك مظاهر تكاد ان تكون متظابقة او متماثلة بين الحالة الخاصة لشبكة الاعلام والحالة العامة للحكومة ، فكلاهما وضع ملامحهما المحتل او من يمثله ، ووضع على رأسهما اشخاص جلبهم معه من الخارج ، هكذا كان في مجلس الحكم ، لوضع اسس النظام الجديد و الحكومة العراقية التي ينبغي ان تقود التغيير وهكذا كان الامر في شبكة الاعلام العراقية التي كان من المفروض ان تؤسس لاعلام مرئي ومسموع ومقروء جديد في مرحلة التغير الجذري في الحكم والسلطة ، تحت ظل ” ديمقراطية ” هلامية غامضة. اي ان تلك المرحلة كانت تتطلب ان تتوفر لشبكة الاعلام العراقية ليس فقط قدرة ومهارة تقنية هندسية في البث والانتاج ، وانما كانت تتطلب قبل ذلك قيادة تتمتع بفكر سياسي ناضج وواضح ، ومفاهيم اعلامية ماهرة صحافيا وتخطيطا ووعيا لمهام الاعلام في اوضاع جديدة … فماذا حدث ؟
جاء المحتلون بسيدة عراقية مهاجرة ، وجدوها امامهم في احدى المدن الامريكية ، وقيل لهم انها تلفزيونية واذاعية سابقة في العراق ،ونصبوها رئيسة لشبكة الاعلام العراقية في اول فترة الاحتلال ، ممكن تكون “خوش بنية” مثل ما يقول العراقيون ، وحبابة ، ولطيفة ، وبنت ناس ، ولكنها بالتأكيد ليس لها علاقة بالفكر الاعلامي والنضوج السياسي المناسب لمرحة ما بعد الاحتلال مباشرة ، اذ لم تكن قبل ذلك سوى مصممة ديكور وملابس ومذيعة برامج سياحية في الاذاعة والتلفزيون بالثمانينات ، فماذا فعلت هذه السيدة ” الحبابة ” التي جاءت مع الامريكان ؟.. جلبت معها – او دعتهم فيما بعد – عددا من معارفها في المهجر ونصبتهم في دوائر الشبكة وابعدت كل خبرة عراقية ناضجة موجودة بالداخل وجمدت الكثير من العناصر المحلية ، وتفرعنت باوامرها وقراراتها خوفا من المنافسة وضجرا من معرفتهم السابقة بها وبقدراتها المهنية ..
ومع انتهاء فترة مجلس الحكم انتهت فترة تلك “القيادة” الاعلامية ” المودرن ” ، وكما جرى في جميع مفاصل الحكومة الجديدة من تنصيب وتكليف وتعيين جرى في شبكة الاعلام العراقية ، تنصيب مدراء عاميين ومجلس امناء ورؤساء ومستشارين ورساء مكاتب في الخارج وقد توفرت في هذه التنصيبات كل عيوب المرحلة الجديدة كالمحاصصة والمحسوبية والطائفية والقرابة والانتماء والواسطة والمنفعة .
فتعاقب على الشبكة مدراء عاميون ورؤساء ما وصلوا الى هناك – غالبا – الا لتوفر صفة واحدة فيهم على الاقل من الصفات التي تؤهل الشخص لذلك المنصب ، وليس بالضرورة البراعة الاعلامية والقدرة على القيادة في ظروف البلد الاستثنائية سياسيا وامنيا وطائفيا ، ربما كان معظمهم قريبين من الاعلام والصحافة في مهنهم او نشاطاتهم ، ولكن العديد منهم لم يكن بارعا في القيادة والتخطيط والتوجيه الاعلامي ، فاحدهم على سبيل المثال كان مدرس فنون ، وكان حتما ” خوش ولد ” لكن لم يُعرف عنه اي نشاط اعلامي واضح وما جاء الى رئاسة شبكة الاعلام الا لعلاقته الطيبة باحد المتنفذين في مكتب رئيس الوزراء انذاك !!
ولم يترك لنا بعد رحيله الا بدعة ” المشرف العام ” التي نقرأها الان على كل عمل من انتاج الفضائية العراقية وتحتها يأتي اسم المدير العام الذي هو حتما مسؤول عن كل ما يتم في النلفزبون ، ولكنه لن ولم يقم عمليا بالاشراف المباشر على الاعمال الفنية ، فهذا ” مو شغله ” وللاقسام مدراؤها ومسؤوليها ، وليس عند المدير العام الوقت للاشراف المباشر على الاعمال ، كأن يقرأ النص ، او يرسم خطط الانتاج وتوزيع الادوار ويراقب النتائج ..الخ .. ان الهدف من ذكر فقرة الاشراف العام في نهاية كل انتاج هو حصول المشرف العام ” وهنا المدير العام ” على المبلغ المخصص في الميزانية الانتاجية لهذه الصفة ، وهذا فساد واضح واستغلال المنصب لمصلحة ذاتية ، وهي من عيوب الفساد المالي والإداري التي يتظاهر ضدها الناس في هذه الايام ، في شوارع بغداد والمدن العراقية الاخرى والتي وعد رئيس الوزراء بالقضاء عليها ضمن حزمة الاصلاحات التي يتعثر تنفيذها
ويخشى الناس ان تصاب قرارات الاصلاحات بفايروسات الاصلاحات والتغيرات التي تتراوح في مكانها منذ سنتين في شبكة الاعلام العراقية حيث تم طرح موضوع تغير المدير العام الحالي اكثر من مرة ، و نشر في وسائل الاعلام وتسمية خليفته ، ولكن هذا لم يحدث ، وقبل ايام ذاع خبر اعفاء الشبوط على نطاق واسع وتسمية اكثر من مرشح لخلافته ، وبدأ البعض يروجون لاشخاص للمنصب ، وجماعة الداخل ، اقصد داخل الشبكة ، يرشحون واحدا منهم كي يحافظ على وضعهم القائم المحسن !!
وبينما كنا ننتظر صدور القرار بالتغير ، جاء في الاخبار ان رئيس الوزراء وجه بالتريث ثم اعلنت لجنة الثقافة والإعلام النيابية انها تعتزم إجراء تغييرات داخل شبكة الإعلام العراقي بعد نشر القانون الخاص…فهل سيوضع حد للاصلاح المتعثر … والمؤجل؟