23 ديسمبر، 2024 9:46 ص

شبكة الإعلام.. مرّة أخرى ودائماً

شبكة الإعلام.. مرّة أخرى ودائماً

شبكة الإعلام العراقي من جديد.. والعود المتكرّر إلى موضوعها وقضيّتها واجب وطني ومهني، فالشبكة هيئة تُنفِق على نفسها، بل يُنفَق عليها، من المال العام باقتراح من الحكومة وبمصادقة مجلس النواب.
والمال العام ما هو بمال الحكومة ورئيسها ولا مال مجلس النواب وهيئة رئاسته.. هو مال كلّ عراقية وعراقي، بمَنْ فيهم وفي مقدمهم الشحّاذات والشحّاذون، الشيوخ والأطفال، المنتشرون في شوارع مدننا وساحاتها بأعداد تُنافس أعداد السيارات في بعض المواقع، وبمَنْ فيهم التلامذة غير المتوفّرة لهم المقاعد ولا الكتب المدرسية، وبمَنْ فيهم المرضى غير الواجدين العلاج المناسب في مستشفيات الدولة.
شبكة الإعلام تحظى، في أوقات الوفرة المالية قبل سنوات وفي زمن الشحّ الراهن، بموازنة مفرطة للغاية.. أمّا العائد (الاجتماعي – السياسي – الاقتصادي – الثقافي – التربوي….) فلا تكاد تُذكر له قيمة. واحد من الأسباب يكمن في هذا المسلسل المتواصل من الهزّات والهزّات الارتدادية العاصفة بكيان الشبكة، وهو ربما كان المسلسل الوحيد المثير للاهتمام والفضول من إنتاج الشبكة.
لم نعد نلحق في العدّ والحساب للمرّات التي تتغيّر فيها عضوية مجلس الأمناء ورئاسته والإدارة العامة ورئاسات التحرير وإدارات المؤسسات الفرعية، سواء كان هذا التغيير أصولياً على وفق ما نصّ عليه القانون، أم ممّا يجري ويُمرَّر تحت الطاولة وبعيداً عن الأضواء.
أمرٌ معيبٌ للغاية أن يجري الصراع على الحصص والكراسي بهذه الطريقة المتدنية في مستواها.. إنه انعكاس لتدنّي الممارسة السياسية في الواقع، فهذا الصراع تُحرِّك خيوطه أحزابٌ وقوى تحاصصية مهتمّة بالاستحواذ على الكراسي، الوثيرة والمتواضعة سواء بسواء، في الشبكة وفي سواها من مؤسسات الدولة وهيئاتها منزوعة الاستقلالية، أكثر من عنايتها بمستوى رصين من الإعلام والثقافة والفنون.
بعد سقوط نظام صدام الدكتاتوري، التعسّفي، القمعي، الشمولي.. إلى آخر الأوصاف التي يستحقّها، كنّا ننتظر أن تحلّق عالياً طيور الثقافة والإعلام بفضل الحريات العامة والخاصة التي كفلها دستور 2005. وفي هذا الإطار كان مُفترضاً أن تقود شبكة الإعلام نهضة ثقافية وفنية غير مسبوقة، لكنّنا إذ نقارن الآن بين المتحقّق في الأربع عشرة سنة المنصرمة مع حصيلة السنوات العشر الأولى من عهد البعث الدكتاتوري التعسفي القمعي الشمولي، أو أي حقبة أخرى، لا نجد مجالاً للمقارنة، فلا مسلسل تلفزيونياً أنتجته شبكة الإعلام يوازي في قيمته أيّاً من مسلسلات مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، ولا أغنية سجلتها ستوديوهات الشبكة تعادل في قيمتها الفنية أي أغنية ممّا أنتجته ستوديوهات مؤسسة الإذاعة والتلفزيون (البعثية).. والسرّ، إنْ كان ثمة سرّ، كامن في الإدارة بطبيعة الحال.
شبكة الإعلام مؤسسة وطنية مصروف عليها من دم الشعب العراقي وقوته. وضعها الداخلي يهمّ كل عراقية وعراقية، ويهمّنا، نحن أهل المهنة، على نحو مضاعف، فرفعة أبناء المهنة وبناتها من رفعة المهنة ذاتها، ورفعة المهنة من رفعة مؤسساتها.
الوضع في شبكة الإعلام لا يسرّ أحداً. كان ولم يزل وسيبقى، ولقد آن الأوان للخروج من هذي الحال المعيبة للغاية إلى حال المعافاة.