18 ديسمبر، 2024 11:38 م

شباب العراق يعيدون صياغة الشرعية الثورية..!!

شباب العراق يعيدون صياغة الشرعية الثورية..!!

كان الكثيرون يظنون أن الجيل الجديد في العرق مهتم بإنشغالات حياته اليومية ، وهو مولع في البحث عن الماديات ، أكثر من اهتمامه بالمثل والقيم العليا والعقائد الديمقراطية، وهو ربما ينشغل في البحث عن الهمبرغر والشيشة وامتلاك السيارة ومغريات الحياة ، أكثر من إهتمامه بفقرات الدساتير وانظمة الحكم، ومستقبل الشعب!!

لكن ما ظهر مما يجري في العراق من ثورة شبابية ، منذ الاول من اكتوبر 2019 رفضت أساليب حكم بلادها وجور السلطة الحاكمة وظلمها وفسادها وتسلطها على رقاب العباد ، طيلة 16 عاما حتى ملأوا ساحات التظاهر بجموعهم الحاشدة، تساعدهم نخبهم المثقفة في مدهم بكل ما يملا النفس شجاعة وحيوية واقدام وقدرة على المواجهة، ويخيل اليك أنك أمام منظري سياسة من الطراز الأول، في وقت لم تبلغ اعمار الكثيرين منهم أي مراحل المتوسطة والاعدادية والجامعات، ولم يتعرفوا على خبرات شؤون السياسة ولا على شجونها، لكنهم أظهروا أمام العالم أجمع وكأنهم يدرسون نظريات الحكم وأساليب العمل الثوري في أكاديمية كبرى ، وأظهروا ابداعا وقدرة على التنظير السياسي والقيمي والاصلاحي فاق كثيرا من منظري الثورات في عصور مضت، بل انهم لم يتعايشوا مع عصر الثورات التي شهدها العراق منذ عشرينيات القرن الماضي وحتى الان، وربما سمعوا عنها من بطون الكتب المدرسية في أبسط أشكالها!!

واستفاد ثوار العراق واجياله الحالمة ، مما أبدعت به عقول الكثير من الشباب الذين أظهروا قدرة على قيادة الجموع الثائرة وصياغة (ستراتيجية تحرك جماهيري) أرعبت السلطة الحاكمة وهزت أركانها، وكانها تملك قدرات مواجهة تفوق قدرات جيوش وشرطة وأجهزة أمن في خبراتها، وفي قدرتهم على الاستفادة من اجواء الديمقراطية لصياغة مطالب شعبية التف حولها الشارع العراقي وأصبحت مطالب جماهيرية، اضطرت حتى احزاب السلطة للرضوخ لها، بعد ان أشاعت الرعب بين صفوف تلك الاحزاب، التي إضطرت للتناغم مع ثورة ومطالب الشباب ، رغما عن ارادتها، وحاول البعض منها ركوب الموجة، الا ان يقظة المتظاهرين وتفتق عبقريتهم فوت على كل المتربصين بهم ان يكون بمقدورهم احتواء ثورتهم او ايقاف مدها الهادر!!

والسؤال الذي يمكن طرحه في هذا الصدد هو : هل الشرعية الثورية تبيح تعطيل الشرعية الدستورية؟ والجواب من وجهة نظر خبراء القانون الدستوري هو بالإيجاب، أي ان الشرعية الثورية بإمكانها ان تعطل مواد الدستور ان كانت عقبة بوجه مطالب الثوار الساعين الى اقامة نظام حكم جديد ، يعيد الحكم للشعب، بعد ان عانى من الاستبداد والظلم والتعدي على حريات المواطن وتنغيص عيشه وسلبه ارادة الجمهور ، عندها تتعطل الشرعية الدستورية ويكون من حق الثوار تحقيق تطلعاتهم في بناء نظام حكم يلبي الرغبة الشعبية ، ويحقق مصالح البلد في توقه الى الحرية والكرامة وارساء معالم نظام يحقق العدالة والعيش الكريم!!

وهؤلاء الثوار في ساحات التظاهر برغم كل ما واجهوه من اساليب قتل وقمع وترويع وترهيب ، واغتيالات وأشكال مختلفة من التآمر لسحق ثورتهم واجهاضها ، الا ان يقظة الثوار وعبقرية تلك العقول التي أظهرت براعة في قيادة مسيرات التظاهر في بغداد والمحافظات، باسلوب اعتمد السلمية مرة وفي ممارسة كل الضغوط المشروعة ، كالتظاهر والعصيان المدني وطريقة عرض المطالب وفرض شروطهم على السلطة الحاكمة هو من أعطى للمتظاهرين كل تلك الملحمة الثورية، التي لم يتوقع الكثيرون ان تصل الى كل تلك المرحلة من البلوغ والقمة في الاعداد والترتيب والمواجهة وكأنهم يمتلكون (قيادة عمليات) ترقى الى أكثر قيادة العمليات في دول كبرى، وحازت على اعجاب دول كبرى ودول جوار، والأكثر من كل هذا اعجاب العراقيين كشعب ومكونات ونخب ثقافية واعلامية وهندسية في هذا التنظيم الراسع للأنشطة الشبابية ، كونهم يعدون أنفسهم رجال المستقبل ومن تقع عليهم مسؤولية التغيير المنشود ، فكانوا عنوان مجد العراق الجديد وصوته الهادر الى حيث بلوغ واحات الحرية والكرمة ، وفي قدرتهم على اعادة العراق الى حيث المكانات العلا بين المجتمع الدولي، وتعود اليه هيبته ووقاره، ليتسلق ذرى المجد ، بتلك السواعد والعقول النيرة التي حظيت بإعجاب العالم كله، لما أظهروه من براعة في المجابهة وقيادة الجموع البشرية وتحويلها من سلوكيات الفوضى الى سلوك منظم ، قادر على ان يزعزع كيان السلطة ويهز عروشها الى ان يفرض مطالبه ويحققها ، بعد ان قدم الكثير من دماء شبابه وهم بالمئات قرابين للوطن ومن اجل ان ينيروا شموع الحرية وتعانق كرامته شعبهم معالي المجد، ليرتقي سلالم الكبرياء الى حيث تحقيق آمال هذا الشعب صاحب الحضارة الغائرة في اعماق التاريخ ، ويركل كل من يقف بوجه الجموع الثائرة ، ويسقط أسوار حكمها اللعين، ويعود الشعب ليحكم نفسه من جديدّ!!

تحية منا للشباب الثائر وهو يعيد صياغة نظريات السياسة ويحكم قيادة مسيرته الظافرة ، وقد أعادوا لنا الأمل بفجر عراقي يعانق كبرياء شمس العراق ، وحضاراته الزاهية..ولهم من شعب العراق كل تحية واجلال وتقدير ..ودعاؤنا ان يحقق لهم رب العزة أمانيهم وأهدافهم المشروعة في ان يجدوا لهم وطنا ، يعيشون فيه بأمن وكرامة وعيش رغيد، وقد وهبهم الله من الثروات والعقول الراجحة ما يرتقي ببلدهم الى مصلف دول كبرى بعون الله..!!

وهم برغم كل ماقدموه من تضحيات لم يطالبوا بمغنم سلطة أو كرسي ، ولم يرشحوا رئيسا للوزراء او اعدوا حكومة، بل ارغموا السلطة الحاكمة على ان تقدم مواصفات من يحكم العراق في مستقبله القريب، واقامة نظام انتخابي عادل ومفوضية نزيهة ، وانتخابات مبكرة لقيادة مرحلة انتقالية، يكون الشعب فيها هو صاحب القرار، وهو من يعيد ترتيب رجالات الحكم، بحسب ما تتطلبه مهام المرحلة المقبلة في ان من يقود هذا الشعب، فما عليه الا أن ان يحترم ارادة هذا الشعب وتطلعاته المشروعة ، في ان يكون العراق سيد نفسه بلا اية وصاية خارجية عليه، وان شعبه العريق هو من يعيد الأمور الى صوابها عندما تختل أسس الحكم او تتعرض للتهديد!!

الرحمة لشهداء العراق والشفاء لجرحى هذا البلد ومن أصابهم رصاص وغازات وسموم ونيران محرقة واجهوها ، في كل سوح التظاهر ، ويستحق العراق ان يفتدى بالأرواح ، لكي تعيد ساريته ترفرف في الأعالي مزهوة براية الله أكبر ، وألوانها البهية ..وان الله على نصرهم لقدير!!