منذ أندلاع التظاهرات والاحتجاجات في الخامس والعشرين، من أكتوبر الماضي ظهرت أيقونات مثلت رموز هذا العنفوان الشبابي الثائر، أهمها “التكتك” وهو وسيلة نقل صغيرة أشبه بدراجة نارية نشطت في خضم التظاهرات لنقل المواطنين، وإسعافهم بشكل سريع وفوري لسهولة تنقلها، اضافة إلى نقل المؤن مما أسهمت هذه الوسيلة البسيطة، بزيادة زخم الحراك الجماهيري، اذ اظهر اصحاب التكتك شجاعة لا مثيل لها بإسعاف المصابين والتصدي للغاز المسيل للدموع٠
أما الرمز الآخر وهو المطعم التركي، الذي اعتصم به مجموعة من الشباب المتظاهر، واتخذوا منه حصنهم الحصين، مما حدا بالمتصفح العالمي Google بتسمية المطعم التركي “جبل أحد” إشارة واضحة بان المجتمع الدولي يراقب بأهتمام وعن كثب ما يحدث في ساحة التحرير اول بأول ٠
ما يشهده الشارع العراقي من غليان، ماهو بالحقيقة الا فرق بالتوقيتات بالفهم مابين الواقع والخيال، ما بين ما يريده الناس وما تفهمه أو ما تحققه الحكومة، فهناك فجوة بين مجتمع ذو طابع شبابي يطمح للتغيير، ولا يفكر بشكل تقليدي ولا يرضى بردود معتادة، وبين حكومة كلاسيكية الادعاء جاثمة على ركام من الفساد،فمن الطبيعي اذا كان هذا حال طرفي المعادلة، ان تقابل الجماهير الغاضبة كل محاولة تقوم بها الحكومة لامتصاص هذا البركان، بالرفض والتمرد والسبب ان الحكومة وقفت عاجزة عن ايجاد لغة مشتركة تخاطب بها عقول هذا الجمهور الغاضب٠
ومع مرور الوقت تنحى الوقفة الاحتجاجية في ساحة التحرير منحى اخر اكثر نضوجاً، اذ نظم الشباب أنفسهم فرق ومجموعات، للطبابة والطبخ والتنظيف والتفتيش حتى، وكان اخرها صدور مجلة بأسم (تكتك) وهذا دليل ان ما يحدث في ساحة التحرير ليس مجرد ردة فعل، أو غضب شبابي عابر بل هو نقطة تحول ومنعطف مهم في سلوكيات مجتمع بأكمله، وصحوة مبادئية كبيرة٠
كان يُتهم جيل الشباب باللامبالاة وعدم الانتماء والانفصال عن الواقع وتقليد الغرب بشكل اعمى، نرى ان ذات الجيل الذي تحمل شتى التهم، قد ابهر الجميع بالصور التي رسمها على جدران ساحة التحرير، من تضحية وفداء ونكران للذات وثبات على القضية والذوبان فيها٠
لأيمكن ان نفصل ما بحصل من حراك شبابي في ساحة التحرير عن ما يحصل من حراك في المنطقة ك (لبنان) ويبدو ان القائمة ستطول لتشمل دول أخرى يتذمر ابناءها من سوء أحوالها!
ان انبثاق تظاهرات اكتوبر اشبه بالنبات الطبيعي، خرجت على السطح بدون تدخل من احد وهذا رد على من يتهم التظاهرات بانها زرع شيطاني وعمل خارجي، فهي طاقة كامنة في هذه التربة، أنضجتها الإخفاقات المتتالية للحكومات السابقة، وعندما انجلت غيوم الإرهاب وما كان يخيم على سماء الوطن من تهديدات خارجية، أزهرت بشكل دموي قانِ، ولكن المشهد لا يخلو من الأدغال التي تشوه منظر التظاهرات، التي لابد من تعاون المتظاهرين والقوات الأمنية باقتلاعها والتخلص منها، والحفاظ على سلمية هذا الاحتجاج ٠