أتى كتاب دعوتي لخدمة الاحتياط وأنا في الصف ادرس تلامذة الخامس الابتدائي وبشكل مبسطٍ جغرافية البلدان التي تحيط بالعراق ، وفي اللحظة التي كنت اشرح فيها خارطة عن ايران كبلد مجاور وان اهوار الحويزة التي فيها بعض من اعمام واخوال واقارب التلاميذ تقع في ايران.
سألني وقتها مسعد أذكى تلاميذ الصف قائلا: مادام هور الحويزة يسكنها اقاربي واعمامي لماذا هو للعجم وليس لنا .؟
قلت : عليك أن تسأل شاه أيران بذلك.
قال احدهم مستغربا :استاذ نسأل الشاه التي نقولها حين نشعر بالبرد في الاصطفاف .؟
قلت :للبرد نقول كلمة إشاه ، وللتاج والشطرنج كلمة شاه.
طبعا التلميذ لم يفهم من جوابي شيئا سوى أنه ضحك .
وفجأة دفع شغاتي رأسه من وراء باب الصف وكأنه كان يتنصت لنقاشي مع التلاميذ وقال وهو يناولني كتاب دعوة مواليدي للاحتياط: ها انت ستذهب الى هناك لتراقب الشاه وجنده.
قال هذا وهو يعرف من سماعه لنقاشاتنا في الادارة حول الحرب الدولة مع الاكراد في الشمال وأن الشاه هو من يدعمهم. وان الذين يأتون شهداء من جبهات الشمال بعضهم يأتي وعلى جسده شظايا أتت من وراء الحدود .
قال :والان يا استاذ ستذهب الى الشمال وستشعر بالأشاه وربما تخاف من دان يطلقهُ الشاه.
ضحكت وقلت :صرت شاعرا يا شغاتي.؟
قال :الم فراقك يجعلنا نصبح شعراء.
قلت :سأذهب الى هناك وقد يلامس البرد عظامي وأقول ) إشاه ( لكني حتما لكني حتما لن اخاف من دان الشاه……!
بين الشاه ( الطاغية والملك والإمبراطور وأبن الله وحجر الشطرنج والجمال القديم الأسطوري لزوجته التي كانت واحدة من اجمل ممثلات السينما ) يذهب بي الليل فوق ربيئة اسمها الشاعري ( ثدي الغزال ) يغريكَ بكتابة الخواطر والشعر ورسائل الغرام التي كنت اكتبها للجنود وحسب سلسلة المراجع حيث يكون العرفاء أولهم.
هناك يتداخل الشعور بالبرد مع صوت مدافع الشاه فتقفز الى الرأس كلمات معلم معنا مات اخيه في حرب مخفرين في منطقة مندلي قوله : يا شاه الشطرنج ، من علمكَ أن تنقلَ حزن الحرب من اصفهان الى قرى المعدان ؟
شاه البرد وشاه الشطرنج وشاه عيون ثريا وفرح ديبا الزوجة الثالثة لآخر شاهات عائلة ( بلهوي ) نرى أن متغيرات العصر بدأت تبدل كل شيء ، فذهبت حرب شاه كتيبة المدافع لتأتي حرب صواريخ السكود والميراج والراجمات ولثمان سنوات وطالما كنا نسمع حزن امهات الجنود وزوجاتهم في ليل قريتنا تسكنهن مناحة الفقدان والشظايا وهن يهمسن في برد شتاء كانون حين تسرق الحرب ازواجهن ولسان حالهن يقول : أشاه بارده ، اين انت يادفيء البيت وجمرته .
حين عدت من خدمت الاحتياط ، وجدت عيون التلاميذ تنتظر شرحا لخارطة بلد آخر .
قلت : سأتحدث لكم عن خارطة بلد جديد.
سألني مسعود :امريكا أم السوفييت ؟
قلت متعجبا :واين سمعت بهما .؟
قال :استاذ الراديو مالكم عالي بالليل .
اعجبني ذكاءه وقلت :سأحدثكم عن خارطة الهند .
قال :ولماذا .؟
قلت : لأنها هي من اخترعت شاه الشطرنج.
ضحك وقال :وكلمة ( إشاه ) من اخترعها استاذ ؟
قلت : اخترعها عظامنا…….!