شغفي كان كبيراً بالتحدث مع احد الضباط العراقيين الذين قادوا المعارك في اراض العراق الغربية المحملة بمرض داعش وفايروسهِ الذي سرى في اغلب دماء اهالي هذه المناطق،
وجهاً لوجه وليس سماع روايات متناقلة جعل الصدف تجمعني بأحد القادة الابطال في لواء حرس الحدود السابع في جلسة صداقة على غير موعد،فقص لي ما حدث من تماس ساخن مع المجاميع الداعشية والذي تضمن بهيكليتهِ جبهتين مختلفتين تماما ومغايرتين للاحداث الساخنة حديثهُ بدأ من حركة تجحفل (اللواء السابع ) نحو المناطق الغربية حيث كان نصيبهم بعد تلقي الاوامر من الجهات العليا بالتقدم الى مدينة الانبار بصورة مفاجئة وقبل ليلةٍ واحدة فقط من تحركهم لخوض المعارك مع الدواعش ومسك الارض،الجانب المعنوي كان مرتفع جدا في نفوس الجنود والمراتب المتوجهين لمناطق الحرب التي سلم الجيش فيها زمام امورها للجماعات المسلحة بأوامر انسحاب عُليا ومن قلب الحدث، وهنا الحديث اصبح بملامح يرسمها الشموخ ويغطي بعضها الحزن والالم الذي رافقهم طوال خوضهم للمعارك ببسالة من صفوف لوائهم حيث تقدموا ببساطة واجتاحوا مناطق شاسعة من قضاء القائم من جانب عشائر ( البو محل ) المساندة لقواتنا ليس حباً فيهم وانما بغضاً بعشائر ( الكربولي ) المحتضنة لداعش في الجانب الآخر من القائم ؛ وقاتلوا وانتصروا في معارك الكر وامسكوا بناصية الارض وتمركزوا في معسكر في مدينة القائم. ( مقر لواء ٢٨ الفرقة السابعة جيش عراقي ) ومكثوا فيه لمدة ثلاثة ايام او اكثر وأصبح مقراً لانطلاقهم واعداد امورهم الادارية، ولم تغب الخيانة في حديثه عما دار حول موقف اهالي المناطق الساخنة الذين كان اغلبهم مع داعش قلباً وقالبا وكذلك كانت تحركات القوات الامنية مكشوفة في تلك المناطق جراء تسريبها من بعض الجنود والضباط الذين يخدمون في صفوف الجيش في مدينة القائم وخيانتهم حيث كان اتصالهم مباشر بقادة الدواعش ليبلغوهم بالاحداثيات والتحركات للواء الحدود السابع اولاً بأول لذلك ونتيجة مع هذا الكم الضخم من التواطئ العسكري وخيانة الاهالي التي كانت مؤلمة، قدم جنودنا جرحى وشهداء قاتلوا بشراسة.
كان للخذلان جانباً اخر في مسيرتهم نحو تطهير المدن المسيطر عليها من قبل داعش حيث تفاجئوا بعد سيطرتهم على مدن مثل راوة وعانة والقائم وبسط السلطة برفع العلم العراقي فيها واذا بأمر الانسحاب وترك الارض مرة اخرى يأتيهم فجأة كي يتم الاستيلاء على تلك المناطق من قبل مسلحي داعش ! حيث كانت هذه القرارات صادمة ومحبطة بالنسبة لهم مع انهم لم يتمتعوا بالغطاء الجوي الذي طالبوا بهِ طوال فترة تواجدهم هناك والذي صرح به القادة الامنيين من بغداد في القنوات التلفزيونية بلحظتها مع استمرار المعاناة من شحة في الطعام ومياه الشرب، فعلى مدى عشرة ايام تم اطعامهم وجبة واحدة فقط، اما ما بعد الانسحاب ” اللا مبرر له” من القائم ظلوا عند مدخل مدينة راوة ينتظرون الأوامر الجديدة، وعلى اثر ذلك اتجه آمر اللواء الى قائد عمليات الجزيرة والبادية طالباً منه أمر عسكري بالدخول الى راوة لتطهيرها أو الانسحاب او الدعم بالطعام والماء او السماح لدخول قوات اللواء السابع لمقر القيادة لإعادة التنظيم ولكن كان الرد بعدم اصدار اي امر من ذلك وعدم السماح باي شيء وقال لهم ( “ابقوا مكانكم” ) قيادة الجيش المتواجد هناك لم يقدموا لهم اي مساعدة تذكر من دعم مسلح ومعنوي وكان تصرفهم وردود افعالهم جافة جدا ولم يسندوهم حتى بمياه الشرب الى جانب كانت المفاجئة الكبرى بأنسحاب تلك القيادة بالكامل من مقر القيادة ومن داخل تلك المناطق المسيطر عليها بدون اطلاق رصاصة واحدة بأمر من القيادات العليا !! وبدون ان يوعزوا للواء الحدود بشيء مما اضطرهم الى التراجع قليلاً لمنطقة قرب ( حديثة ) والتمركز هناك وانتظار اوامر اخرى لخوض حرب اخرى عقيمة او الانسحاب كما حصل مع الجيش .
خلاصة مادار في ارض المعركة الغربية يضعنا امام حقائق مهمة وهي ان القرارات بمجملها غير مركزية والقوات مخترقة ومن يقود هذه المعارك ليس لديه خطة موحدة يعمل عليها فلا احد يصدق ان بضعة افراد من عصابات داعشية تحتل اجزاء كبيرة من اراض العراق لان ماكان يُفترض هو امساك ارض المعركة وعدم التفريط بشبر واحد من هذه الاراضي وبناء طوق امني حصين على اسوار بغداد والمدن الامنة اما الانسحاب الذي تم فلم يكن ذات طابع عسكري وتكتيكي، لذلك كل ما يجري وجرى هو مبهم ويلفه غموض التدخل الاقليمي بقوة وبأتجاه مسيرة التقسيم التي رسمت حدودها بدماء شبابنا وسوف تنزف اكثر.