18 ديسمبر، 2024 7:05 م

شاكر محمود عطية .. من اطباء الجيل الرائد في ريف جنوب الموصل

شاكر محمود عطية .. من اطباء الجيل الرائد في ريف جنوب الموصل

تخرج زميلنا المرحوم الدكتور شاكر محمود عطية،من كلية الطب بجامعة الموصل عام  ١٩٧٦، وبعد ان انهى تدرجه الوظيفي الطبي،اصبح مديرا للمركز الطبي في ناحية القيارة. حيث تطلع حينها،للإرتقاء بالواقع الصحي للمنطقة،والنهوض بالصحة العامة للمجتمع،الى مستوى ما كان يحلم به ، من صورة راقية لهما،  في ذهنه،فمارس مهنة الطب بأعلى معاييرها المهنية المعتمدة في هذا المجال،قبل ان يفكر في تحقيق طموحاته الشخصية،كما يفترضه حال المثل من الاطباء الشباب. لذلك كان بحق من اصحاب المواقف النبيلة، والمروءة العالية، يوم نذر نفسه جمل أحمال، يعمل ليل نهار، على معالجة المرضى من الناس، دون كلل او ملل .

احب بلده، وديرته، وناسها الطيبين، بلا حدود. فلم تنفصم عرى تواصله ابدا مع الديرة، رغم كل اغراءات المدينة يوم ذاك، لاستقطاب طبيب نابه مثله. فظل يجدل ضفائر الوصل مع قريته الحبيبة،التي طالما استنبت كينونة حضوره الابدي،بمرابعها الجميلة، واستوطنت ايحاءات فضاءاتها الساحرة عواطفه الجياشة، كلما أطل معنا على مضاربها من سفوح هضبة سن المشراق .
فكم تغنى بها ايقونة حب شجية، تلقفتها نوارس دجلة الحائمة قبالته، ترتيلة عشق ابدي لأوكارها الآمنة، في شعاب تلك السفوح الازلية. لكن يد المنون عاجلته، فنكثت ما جدله من ضفائر وصل، كان يحلم ان تدوم.. بعد ان اختطفته فجأة في كانون الثاني من العام ١٩٨٧ ، وهو الذي كان يحط في القرية مبكراً في عطلة نهاية الأسبوع، وقبل يوم  كل عيد، ليلتقينا جميعا في أمسيات جميلة، كانت حالمة، ورائعة يوم ذاك .

كان قدره في الحياة ان يحمل العلم والمعرفة، رسالة عصرية للأجيال اللاحقة، فبعد ان دخل كلية طب الموصل، وتخرج منها طبيبا وجراحا، وظف تحصيله الأكاديمي، ومهنته الطبية، لخدمة المرضى، والإهتمام بصحة الأطفال، ورعاية الأم، وفقا لأعلى المعايير الصحية، من واقع حسه انه يخدم اهله. فانعكس ذلك الاهتمام المخلص إيجابا، على الصحة العامة للأسرة والمجتمع، بعد ان قضى على امراض متوطنة، كانت متفشية بين الناس، ونجح في نشر الوعي الصحي الوقائي بينهم .

لم يتخلف يوماً عن مناسبة اجتماعية، او عيادة مريض، او زيارة صديق ، او اداء وجب إجتماعي، فكان حاضرا في كل محفل، سباقا في اداء الواجب، يشارك الجميع افراحهم وأتراحهم، بحس صادق، ووجدان دافئ. فكان وجوده في وسطه بهذا المعنى، يحمل دلالات رمزية، تجسدت بدوره المتميز، في ترسيخ العلاقات الانسانية، وتعزيز أواصر التواصل الاجتماعي بين الجميع، في موروث مجتمع ريفي زاخر بالألفة، شعر انه بدأ يتآكل بتداعيات الحداثة، وصخب العصرنة الجارف للتو، كأنه مثله يستعد للرحيل، فكان حريصا على المحافظة عليه، باستلهامه، واستنهاض تقاليده، بديمومة حضوره الفاعل في أجوائه .

رحل على عجل، وهو لما يزل في ريعان الشباب، وفي ذهنه الكثير من التطلعات الوامضة، فكان غيابه المفاجيء موحشا. لكنه ظل حاضرا في الوجدان، بكينونة تقترب من المحسوس، بتجليات ما تركه وراءه من مآثر خالدة، وبصمات متوهجة، تحسب له بعرفان ، كلما استحضرته الذاكرة..