“اليتيمة” هو عنوان الرواية الجديدة، الصادرة حديثا عن مكتبة كل شيء في حيفا، للأديب المقدسي جميل السلحوت، المقيم في جبل المكبر-القدس، وتقع في 260 صفحة كن الحجم المتوسط ويحمل غلافها الأول لوحة للفنان التشكيلي محمد نصرالله، وهي استكمال لما بدأه السلحوت في روايتيه السابقتين “الخاصرة الرخوة” و”المطلقة”، وفي هذه الروايات يصور بكل الجرأة والشجاعة النظرة الذكورية والدونية السلبية للمرأة، ويطرح معاناة النسوة في المجتمعات الذكورية التقليدية العربية، ويتطرق لمسألة الميراث.
تدور أحداث رواية “اليتيمة” وتتمحور حول عبير الإنسانة اليتيمة، التي توفي والدها وأخواها في حادث سير، ويرعاها جدّها أبو نعمان، وأمّها لبنى، وأخوها عزيز، وكانت متفوقة في دراستها وتعليمها، لكنها آثرت تزويج أخيها عزيز على إكمال تعليمها، وقدمت له المنحة التي حصلت عليها من مدرساتها، ولكن عزيز للأسف قصر معها، ولم يساندها ويقف معها، فوقعت ضحية لزوج يعاني من اضطرابات نفسية، وعانت في معيشتها الأمرين.
ومن خلال تسلسل الأحداث في الرواية نرى أن البطلة الرئيسية في الرواية “عبير” تقع ضحية لنفسها ولطيبتها ولأخيها الذي لم يقف إلى جانبها في محنتها، وكذلك ضحية لأمّها التي كانت تعتبر المشاكل الأسرية هي أسرار بيت ويجب أن لا يعلم بها أحد، وعلى الزوجة التسليم والقبول بالأمر الواقع، وأيضًا ضحية لجدّها الذي يرى الظلم والقهر بأمّ عينيه ولا يحرك ساكنا أو ينبس ببنت شفة.
وتحمل هذه الرواية الواقعية الإنسانية بامتياز، رسالة اجتماعية واضحة، بضرورة التمرد على الثقافة البائسة التي تعزز الأفكار النمطية تجاه المرأة، ودعوة لتغيير الكثير من الأعراف والعادات الاجتماعية البالية التي تتعلق بمسألة الزواج لمجرد الزواج.
ويغوص قارئ الرواية في نتائج الأحداث، وفي عمق الشخصيات وتفاصيلها الدقيقة، ويستمتع بأسلوب الروائي المشوق، وبكل المنعطفات والأحداث البطيئة، وبالاستطرادات والوقفات التأملية، وبسرده المبهر الذي يجعلنا نبحث عن النهايات.
ومن الناحية الجمالية تُعد الرواية الأقرب إلى التعبير الصادق عن الواقع الاجتماعي العربي المعاش، وعن النفس البشرية المنجدلة على نحو لصيق بواقعها وأسئلتها الاجتماعية ورؤاها وأبعادها العميقة.
والسلحوت يوظف ويستخدم في روايته الكثير من الأمثال الشعبية المنتشرة في مجتمعنا العربي، التي تتعلق بالزواج وحيثياته، فضلًا عن أغاني النسوة في الأعراس.
وأخيرا، رواية “اليتيمة” لجميل السلحوت بكل ما طرحته وعالجته من مظاهر وقضايا اجتماعية وهموم المرأة ومعاناتها القهرية من مفاهيم المجتمع وقوانينه الاجتماعية الجائرة، ونظرته السلبية تجاهها، تستحق كل التقدير، ويستحق كاتبها جميل السلحوت كل الاحترام، حيث سلط الأضواء بشكل عيني على قضية المرأة الجندرية وسطوة الرجل وذكورية المجتمع.