فاز الرئيس الفنزويلي (هوغو شافيز فرياس ) برئاسة الحكومة الفنزويلية للمرة الثالثة في الانتخابات التي جرت مؤخرا ، التي كانت نسبة المشاركة فيها اكثر من 88% ، حيث حصل شافيز على نسبة 54% ،وقد أقر منافسه ( انريكي كابريلس ) الذي حصل على نسبة 46% ، بالهزيمة ، وهنيء شافيز بالفوز .
ولان شأن العراقيين اليوم هو ما أن يشاهدوا فيلما أو صورة أو يسمعوا خبرا عن بلد أو شخصية ما، حتى يأخذهم التفكير بالمقارنة بين ما يشاهدوه أو يسمعوه ومايجري في عراقهم والشخوص القائمين بشؤونه ، ولان خصائص البلدين ( العراق وفنزويلا ) في تشابه كبير ، في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية ، فقد أخذتني المقارنة بين انتخابات البلدين والفائزين بهما .
في لمحة سريعة عن السيرة الذاتية للرئيس شافيز ، أنه من مواليد 1954 ، من أسرة متوسطة الدخل ، تأثر في بداية شبابه بالأفكار الثورية والاشتراكية مستلهما أياها من كفاح المناضل ( سيمون بوليفار ) محرر أمريكا اللاتينية من الاستعمار الاسباني . خريج الكلية العسكرية ، وللمعاناة الكبيرة والفساد والفقر الذي تشكل نسبته ما يقارب 80% من الشعب رغم القدرات الاقتصادية الكبيرة لفنزويلا ، قام عام 1992 ومجموعة من رفاقه الضباط بانقلاب عسكري ، لم يكتب له النجاح ، سجن على أثرها ((لعدم وجود المادة 4 أرهاب )) ، ونتيجة للضغوط الشعبية أطلق سراحه عام 1994 ، بعد أن أستلم السلطة حزب آخر غير ذلك الذي جرت محاولة الانقلاب على الرئيس المرشح عنه ، بعد خروجه من السجن ، شكل حركة سياسية أسماها ( الحركة التأسيسية البوليفارية الخامسة ) التي شارك بها في الانتخابات عام 1999 وفاز بنسبة اكثر من 70% . من أصوات الناخبين .
بعد تسنمه مقاليد السلطة ورغم التحديات الكبرى التي كانت تواجهه والمتمثلة بمواقفه المناهضة من سياسات أمريكا في العالم وهيمنتها على اقتصاديات دول أمريكا اللاتينية وقيامه بتأميم شركاتها النفطية العاملة في بلاده وموقفه ضد الكيان الصهيوني وطرده للسفير الصهيوني من كراكاس أثر الحرب على لبنان عام 2006 والمشاكل الحدودية مع كولومبيا وغوايانا والتحديات الداخلية بحجم الفساد والفقر والبطالة ومافيا المخدرات واللوبي الاقتصادي المهيمن على رأس المال والمرتبط بالغرب ، أجرى تعديلات دستورية واسعه وغير المسار السياسي والاقتصادي من الرأسمالية والتبعية للمعسكر الغربي الى الاشتراكية والاستقلال السياسي ، وقام بتأميم عدد من الشركات العالمية الكبرى التي كانت تستثمر في مجال النفط ، وعمل على دعم النظام الاجتماعي والصحي والتربوي ومكافحة الفقر والبطالة ، ونتيجة لتلك النجاحات والانجازات الكبيرة ووقوفه الى جانب الفقراء من أبناء شعبه ، تم انتخابه للمرة الثالثة .
من خلال ما تقدم أن فوز الرئيس شافيز جاء نتيجة انتخابات نزيهة وفي أجواء ديمقراطية سليمة ، بعيدة عن خداع الناخبين وعدم استغلال الدين بالترغيب والترهيب وعمليات التزوير واستخدام أموال الدولة ووسائل أعلامها ، والالتفاف على نتائج التصويت ، لذلك فأن منافسه ( أنريكي ) أعترف بخسارته . ولم يطعن او يشكك بنتائجها ولم يلجأ الى الاستعانة بالقوى الدولية والاقليمية ليغير النتائج لصالحه .كما الحال في الانتخابات التي جرت في العراق وما شهدته من تلاعب وتزوير وفتاوى دينية وشحن طائفي وتصفية واجتثاث وتسقيط الخصوم وتدخلات إقليمية ودولية والتفاف على نتائجها .
ويمكن أن نشير أن ما يميز الرئيس الفنزويلي شافيز عن رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي ، يكمن في نقاط عدة منها :
_ أن شافيز أستلهم المبادئ الوطنية الثورية النابعة من عمق تأريخ أمريكا اللاتينية ، وناضل من أجل تغيير الواقع داخل بلاده ، بينما نوري المالكي تبنى الافكار الثيوقراطية الطائفية ، التي جاءت من خارج حدود العراق وبعيدة عن واقع وطبيعة المجتمع العراقي . وأرتمى بأحضان أعداء العراق لسنين طويله ، وجاء خلف دبابة المحتل وعمل وفق أجنداته .
_ أن شافيز أستخدم السلطة كوسيلة وأستغل العوائد الاقتصادية للنهوض بواقع فنزويلا السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، أما نوري المالكي فأنه أتخذ من السلطة غاية لتحقيق مآربه الشخصية الضيقة، الامر الذي أدى الى أنتشار الفساد والمحسوبية وتبديد الثروات الهائلة .
_ أن شافيز جاء وفق أرادة الشعب الفنزويلي بانتخابات صحيحة ، وبذلك فأنه يستمد قوته وأرادته الصلبة من الشعب ، الامر الذي جعل القرار السياسي الفنزويلي مستقلا بعيدا عن الضغوط الخارجية ، أما المالكي وكما هو معروف فأنه أستلم السلطة بالالتفاف نتيجة التوافقات الايرانية الامريكية ويعتمد في سلطته فيما يقدمه لهاتين الدولتين من امتيازات وعقود نفطية على حساب العراق وشعبه ، الامر الذي ولد مشاكل وأزمات سياسية داخلية ( وهو واقع المشهد السياسي العراقي ) وكبل استقلالية القرار وعرضه للإملاءات والضغوط .
لذلك وفق هذه الرؤية السياسية والمواقف المستقلة والارادة الوطنية للرئيس شافيز فلا غرابة أن تشهد فنزويلا قفزات تنموية في جميع المجالات ، بينما الموقف في العراق في تدهور وتراجع .
ولنا مقال قادم عن الحماية الشخصية لشافيز والمالكي .