ضمن نشاطاتها الثقافية لعام 2011 أستضافت الجمعية العربية للثقافة في كارديف في مقاطعة ويلز في بريطانيا، الشاعرة المبدعة ومطربة الشعر شادية حامد. وكان اللقاء الحميم بين شادية وجمهورها في المركز الفني الثقافي العالمي في كارديف يوم السبت المصادف التاسع عشر من تشرين الثاني. وفي مثل هذه الأيام تزهو المدينة العاصمة لويلز بأحتفالات الشتاء فتنار طرقاتها وتغنّي الجموع في الساحات العامة..وهكذا كان الخيار للجالية العربية في المدينة أن تلتقي جموعها بالشاعرة المطربة شادية حامد والتي سافرت من حيفا حتى ويلز لتلتقي جمهورها الأمين.
وقد رحّب الدكتور عامر هشام الصفّار رئيس الجمعية العربية للثقافة بضيفة كارديف قائلا:
“وهنا نلتقي مرة أخرى، في رحاب الكلمة-الفعل، والشعر-الحكمة..غناء الروح في سماء التجليّ والسمّو..هنا في كارديف..مدينتنا التي نحب ونسكن..تمنحنا الدفء والأمان..فلا يبخل عليها الطيبون..
وضيفتنا في جمعية الثقافة العربية..شحرور أرضنا الطاهرة فلسطين..سيدتنا الفاضلة شادية حامد..شاعرة تغني شعرا..من حيفا وحتى كارديف.. لتأخذ في مداها معاناة أنسان هذا الزمان فتتفجر عندها طاقات الحروف أبداعا تغنّي الروح به..وتطرب..فتستبشر الحبيبات بلقاء الأحبة..
نيابة عن جمعيتنا الثقافية في كارديف أرحب بمقدم الشاعرة شادية حامد..أبنة حيفا وفلسطين..من قراها أقتبست أنوار القصيد، ومن معاناة وألم أنسانها صاغت قلائد التواصل..”
وبادر الأستاذ الدكتور عبد الرضا عليّ الناقد الأدبي ومستشار جمعية الثقافة في كارديف بتقديم الشاعرة شادية حامد لجمهورها من وجهة نظر النقد الأدبي. ففصّل في قراءات شعرية حول المكنون الأبداعي والصور الشعرية لما تكتبه شادية حامد ومنذ سنوات ليست بالقصيرة. ومما ذكره الدكتور عليّ أن ” دراسة العربيّة ِ وفنونِها لا تصنعُ ملهِما ً، وإن كانت تطوّرُ استعدادَه الفطري، وتقوّيه وتحصّنَهُ، لأنَّ الموهبة َ طبعٌ في الموهوب، أو فطرة ٌ فيه لا تلبث ُ أنْ تظهرَ بمرور السنين، وإن أختارَ حقلا ًصرفا ً في تحصيله العلمي، وهذا ما رأيناه في العديد من المبدعين، وهو عينه الذي نراهُ اليوم في شادية حامد،فهي وإن كانت قد حصلت على ماجستير إدارة تمريض،فهي شاعرة ٌموهوبة تكتبُ قصيدة الشطرين والتفعيلةِ، والنصِّ المفتوح بأقتدار واضح لا شكَّ فيه. لكنّها تتميّز ُ تميّزا ًجليّاً في قصيدة الشطرينِ: مضمونا ً وشكلا ً.
ففي المضمونِ تكونُ عواطف نصوصِها،وأخيلتِها،وموضوعاتِها على نحو ٍ شفّافٍ لا غموضَ فيها، ولا تعقيدات ، وإن ظهرَ في بعضها شيئٌ من الغلو المستحبّ.وفي الشكلِ تحرصُ على أن تكون َ سيّدةَ الحرف الجميلِ الذي يشدّه الإيقاعُ المختارُ شدّاً موسيقيّاً رقيقا ًينسابُ انسياباً، وهي تفعلُ ذلك أيضاً في قصائدِ التفعيلة ،وإن كان بدرجة ٍ أقل مثل قصيدة ” أمطرني ” التي تنحو فيها منحى الشواعرِ الرومانسيّات ِ الحالماتِ المعذّبات،كما في قولها:
أمطرني،أغرقني عطرا
قلّدني من سحرِكَ شعرا
واجعلني قارورةَ عشق ٍ
أو دِنّا ً مملوءا ً خمرا
بعثرني ألوانا ً شتّى
فأنا في لوحاتِكَ أحيا!
ومع أنّ شادية حامد شاعرة ٌمقتدرةٌ، فإنّها تمتلكُ موهبة ً أخرى تتمثّلُ في عذوبةِ صوتِها الشادي حين تنشدُ بعض القصائد المغنّاة شدواً.
ها هي الشادية تصل الى ناصية الشعربقصيدتها (لآليء) بعد أن أدمنت قرع بابه بأخلاص ودربة وتأثّر. فقد كشفت قصيدتها هذه أنها تمكنت من العبور الى الضفة الأخرى من النهر على نحو من فراسة العوم المدرّب الذي أثبت نجاحه في تلافي مخاطر الأمواج حين تثيرها فلسفة النص وتقنيته وأيقاعه”.
وبعد ذلك ألقت السيدة شادية حامد بعضا من قصائدها فكانت منها تلك التي فصّل فيها الناقد عبد الرضا عليّ والمقصود بها قصيدة اللآليء والمهداة الى الشاعر المغربي الكبير محمد بنطلحة (مؤسس بيت الشعر المغربي) والذي أرسل تحياته الى أمسية الجمعية هاتفيا ومباشرة من مغرب العروبة وثقافتها:
طَوَيتُ همومَ نفســــي وانشغــالي
وجئتــُــــك كي أنعَّمَ بالوِصـــــالِ
فيا بيضـــــاءَ يا داري وشمســي
ويـــــا نهـــــراً تدفقَ بالـــــزلالِ
ويا أهــــلاً أجــــابوا من أتــاهُم
وما تــــركوه يُلحِــــف بالسؤالِ
فلــــي منكم خــــلالٌ كـــرّمتني
وحبــّـكُم طبــاعٌ من خِصـــالي
ولـــي فيــكُم رمـوزٌ أَدهشتنـــي
بما شعّـتْ وضاءتْ من ليـــــالِ
فـــذا ” القنديلُ في ريحٍ” تدلــّى
وتلك “سدومُ” غابتْ في المحالِ
وظلّت “غيـــمةٌ” تتلو “نشيـداً”
تُنَظَّم بالــــــزمردِ والـلآلـــــي
كأن رخــــامَها قد جاء سهـــواً
من الإغريقِ يُحمَــــلُ بالرجال
وأفاضت الشاعرة الشادية بجميل الكلام حول مدينتها الطيبة حيفا فقالت:
على أطلال المدينة
في حيفا القديمة
إلتقيت …والحنينُ
والدمعة ُ الحزينة
صدفه هنا التقينا
على عتبهِ الديار
نتلمس الجدار
فساءَلَنا المسار
أين هي البوابة
أين آثار الدار
أين العَقد القديم
وما بها الأسوار
ألم يستند البابُ
إلى هذه الأحجار
بالله يا أحجار
ردي…أجيبينا
توسلتُ والحنينُ
والدمعةُ الحزينة
أين ركن جدي
وجدتي صفيه ؟
وسجاده الصلاة
والمسبحة اليسرية
وإبريق الوضوء
والفرشة …والعلية
لله درك يا عين
أما زلت
تذكرينَ ؟
ساءلها الحنين
والدمعة الحزينة
واستمرت الأمسية لما يقرب من ساعتين زمانا حيث أستمتع الجمهور وعلى مدى نصف ساعة بالعذب من صوت شادية حامد غناءا وطربا، وأن لم تكن هناك آلة موسيقية مصاحبة. فمن المعروف أن شاعرتنا تغني الأغاني الوطنية المشهورة لفيروز، كما تغني قصائد كوكب الشرق أم كلثوم وقصائد أسمهان وليلى مراد..
وفي ختام أمسية الشعر والطرب أبى الدكتور عبد الرضا عليّ الاّ أن يشارك الحضور في تحيتهم للشاعرة الضيف شادية حامد، فكان أن نظم أبياتا بديعة جاء فيها:
لأهلي حيثُما كانوا أ ُغنّي أ ُخفِّفُ عنهمُ عَنَتَا ً، وعنّي
أغنّي للورى والناس ِ طُـُـرّا ً أديفُ القلبَ في شجوي و لحني
وللعشاق ِ أهديهمْ سماعا ً صفيّا ً بالدعاءِ، وبالتمنّي
أغنّي للحزين ِ ، وللمُعنّى وللرشأ ِ المنغّم ِ، والأغنّ ِ
وللأحرار ِ في شجَني ثناءٌ ويحظى الثائرونَ بحُسن ِ ظنّي
فإنْ صبَّ الطغاة ُ عليَّ غيظا ً وإنْ قلَبوا غدا ً ظهرَ المجنّ ِ
سيبقى فيكمُ لحني شجيّا ً وقِيثاري لكمْ عزفا ً يُثنّي
وقد وعد الدكتور عامر هشام جمهور الثقافة في مدينة كارديف بالمزيد من نشاطات الفكر والأدب والفن في جدول الفعاليات للعام المقبل.
لقطات:
*عرض الفنان أمير حسن عبد الأمير من كارديف خلال الأمسية بعضا من لوحاته التي ألقت على المكان بهجة وفرحا.
*كانت هناك مداخلة مهمة للأستاذ المحامي صباح عريس حول رسائل متبادلة بينه وكوكب الشرق أم كلثوم وذلك قبل ما يزيد على 40 عاما عندما أقترح عريس أضافة أبيات قصيد نظمها هو لقصيدة أبراهيم ناجي مما أقترح أن تغنّيه أم كلثوم.
* أقام الدكتور حارث آل أبراهيم عميد المجتمع العراقي في ويلز مأدبة عشاء على شرف الشاعرة شادية حامد التي أعربت عن جزيل شكرها لجمهورها في عاصمة ويلز وهو يحيطها تقديرا ومحبة.