هذه الجملة الكبيرة اطلقها احد الوافدين العراقيين على الامارات، فقد تمتع بدبي وشرب، وثمل، وتوجه بسيارته خطأ الى الشارقة، التي تلتزم الاسلام في نظامها وممنوعاتها ومباحاتها، فأميرها يريد هذا ولايتساهل مع السكارى، او غيرهم، خلافا لدبي فالحياة هناك مفتوحة تماما، المهم اوقفت الشرطة صديقنا العراقي، وتأكدت انه لم يكن مواطنا وانما وافدا، حيث يقضي القانون بسجن المواطن السكران، وتسفير الوافد السكران الى بلده، وحين علم الرجل بانهم سوف يعيدونه الى العراق، وهو بعد لم يتجاوز شارعين او ثلاثة حيث تتداخل المدن هناك قال: (ولكم هذا موبلد، شارع ايسكّر ، وشارع ايسفّر)، هذه هي الدول المتحدة او المركبة، حيث تكون القوانين مختلفة ، بدستور واحد وتمثيل دبلوماسي واحد، وعلم واحد، ودفاع واحد، تكون الدولة في المركز هي مسؤولة عنه.
العراقي الذي استغرب كون ان احد الشوارع، يسكّر والآخر يسفّر، كان عليه ان لايستغرب، لانه في الامارات العربية المتحدة، التي اعطت لدستورها صفة الدائمية في تسعينيات القرن المنصرم، وهي بعد دولة قد اتحدت اتحادا مركبا من سبع امارات، ووصلت الى ماهي عليه بجهود ابنائها وسلطة مركزها الذي حفظ جميع الحقوق.
في العراق يختلف الامر تماما، مازال العراقيون يعيشون واقع الدولة المركزية القوية والمقتدرة، بما تمثله بغداد من ارث حضاري كبير، وانها عاصمة الدولة قبل اكثر من 1300 عام، وهذا مايجعل فكرة الفيدرالية صعبة، اضف الى ذلك اقليم كردستان، وسياسته التي شوهت الى حد ما فكرة الاتحاد الفيدرالي، حيث وضع السياسيون الكرد ضمن توجهاتهم المستقبلية فكرة الانفصال التي لاتقبل النقاش، ما ادى الى دعوات متكررة تصدر من هنا وهناك تطالب بهذه المحافظة او تلك دون الوعي بان الفيدرالية تختلف تماما عن الانفصال.
ليكن شارع ايسكّر وشارع ايسفّر، ولتكن القوانين مختلفة تخدم الكردي في كردستان، وتفرض على الوافد حتى وان كان من باقي محافظات العراق، وليحترم الوافد والمواطن تلك القوانين، او يعترض عليها سلميا والمطالبة بتغييرها دون اللجوء الى استخدام العنف، اول اعتراض على قوانين الدولة المركزية جاء من الانبار وجاء بداعش لتكون بديلا عن شكل الدولة المتحضر، حيث القتل وحرق
المؤسسات الثقافية وتهديم البنى التحتية، وهذا من شأنه ان ينسف فكرة الفيدرالية جملة وتفصيلا ، حيث وضعت داعش محل الفيدرالية فكرة الخلافة التي تتجه الى وضع جميع المحافظات والاقاليم والدول الاخرى تحت سلطتها.
لقد مر الانسان العراقي بالدولة المركزية منذ فجر الاسلام، وجرب غالبية انظمة الحكم، منذ الوالي الى العامل الى توزيع الامارات الى الدولة القوية، وهاهو يدفع ثمن فكرة الاتحاد حروبا واختلافات بين سياسييه، لم يكن الامر جديدا، فقد كانت الامارات بعد انهيار الدولة العباسية شاخصا بالتفكير الشعبي، لكن الممض في الامر هذه المرة السلوك الحضاري الذي مارسه العراقي ولم يتعرف على قيمته، صوته الانتخابي الذي اعطاه جزافا للطائفة والعشيرة والمكون، ولم يكن الاختيار موفقا وفق رؤية فكرية متطورة، تنتشل البلد من مامر به من سنوات عجاف دمرت اقتصاده تدميرا كاملا، ليقع فريسة سوء الاختيار وافرازاته القاتلة، حتى النائب في البرلمان العراقي لايعي خطورة دوره في هذه المرحلة، فهو مقاتل هنا، ومشاكس هناك، وعميل في جبهة اخرى، لنبقى بعيدين نوعما عن مقولة صديقنا السكران: شارع ايسكّر، وشارع ايسفّر.