22 ديسمبر، 2024 7:53 م

شارع المعز لدين الله الفاطمي في القاهرة – قباب تضوع برائحة الأثر وسحنة التاريخ

شارع المعز لدين الله الفاطمي في القاهرة – قباب تضوع برائحة الأثر وسحنة التاريخ

خطوات معدودة  تفصلك بين زمنين، تعود بك القهقرى صوب تخوم الحضارة الفاطمية المكتنزة بالجمال وحسن التخطيط، تنقلك تلك الخطوات الى تفاصيل حياة مليئة بالحرف الشعبية الأخاذة التي لازالت تنتعش وتتنفس الديمومة تحت خيمة التاريخ، تقودك خطواتك ايضا الى مساجد عامرة بالباحات تستطيع ان تحصي اعدادها الستة ما ان تتفحص قبابها النادرة، تضوع منها رائحة الأثر وسحنة السنوات الغابرة، الممتدة نحو مدينة تأتلق، كلّما ارتمت بتلافيف الزمن الآت، قبابها المتناثرة هنا وهناك توحي بدخول عصر خال من التكنلوجيا الحديثة حتى يخال اليك  انك تعتمر طاقية إخفاء متقنة تنقلك برشاقة فائقة الى مدينة عامرة كأنها بنيت للتو، وليس اكثر من الف سنة خلت، ترتفع بناياتها على جانبي شارع أنيق حمل اسم الخليفة الفاطمي المعز لدين الله الذي حكم مصر للفترة من (953_975) للميلاد، تمتد تلك المشاهد بين بابين رئيستين هما باب الفتوح وباب زويلة، بنيتا بطريقة محصنّة لإتقاء هجمات الطامعين بإطاحة هذا الرمز الذي يعدّ عنفوان الدولة الفاطمية ورمزها الحضاري المنيع .
سنتناول هذا الشارع الأثري المهم بطريقة مغايرة لما تناوله الآخرون، بعد أن مرّ  بإنتكاسة خدمية نهشت الكثير من معالمه الجمالية بعد ثورة (25 كانون الثاني 2011) في مصر، إذ افسدت السيارات المارة على طريقه المعبد بالحجر الكثير من روعته ونضارته، تلك السيارات المحملة بالبضائع خسفت أغلب أركانه وأصبحت عبئا ثقيلا عليه فضلا عن تكدس الباعة الجائلين على طول أرصفته التي هجرتها المجاميع السياحية بعد الأحداث .
محلات الأنتيكات القديمة تنتشر هي الأخرى بين بناياته الأثرية المتراصة، خلال تجوالنا رصدنا أوان نادرة من النحاس تعود صناعتها الى اكثر من مائة عام، كذلك توجد هناك بعض الخناجر والسيوف القديمة التي حملت ريازة فريدة لاتجدها الاّ بين حواضر المدن التاريخية المهمة .
الفوانيس والمطارق هي الأخرى تتواجد بكثافة بين تلك المحلات وقد علّقت على جدران محالهم بطريقة أنيقةلايستطيع المرء ان يقاوم منظرها دون ان يذهب اليها للتمعن في سباكتها الرائعة حيث تغفوا على تلك القطع النحاسية الكثير من الدلالات الأثرية والشعبية المستمدتان من ذلك العصر الذي ظلّ يرنّ في أذن التاريخ .
المقاهي الشعبية المتوزعة بين اكتار هذا الشارع هي الأخرى تعدّ من كنوزه المعروفة والشهيرة، يرتادها أغلب الأدباء والمثقفين في انحاء العالم لما تتمتع به من جلسات وارائك اثرية، تمنح المرتاد شهوة الكتابة والتأمل في عمق تلك الحضارة التي تتراءى لك من حيث تجلس وتطلّ على مشاهد ذلك الشارع المفرط بالتراث والأناقة .
أشهرها مقهى ( ام كلثوم )  الذي انتصب تمثالها الفارع امام بابها القديم، كذلك تجد بعض مقتنيات تلك المطربة الكبيرة كوكب الشرق (كما يحلو ان يطلق عليها في هذه المقهى) مثل النظارة التي كانت ترتديها اثناء حفلاتها واللقاءات الرسمية، او تجد بعضا من مناديلها المعروفة التي كانت تمسك بها أثناء ادائها وصلاتها الغنائية العذبة، أما شرائط الغناء تصدح طوال الوقت بأجمل اغنياتها التي تركت في نفوس العاشقين الوله والهيام وذكرى لاتنسى من الليالي الجميلة التي كان الناس في كل ارجاء المعمورة في الوطن العربي ينتظرون فيها تلك الآهات المؤثرة من حنجرة لم يستطع الغناء العربي الإتيان بنظيرها حتى هذه الساعة .
أما مقهى الحرافيش الذائعة الصيت فلها مذاق خاص عند جلّاسها، فعلى تلك الأرائك الجميلة جلس أديب مصر الخالد، صاحب جائزة نوبل الشهير نجيب محفوظ الذي كتب ثلاثيته الشهيرة وهو جالس وسط دهشة التاريخ وحاضرة مدنها الفاطمية ، (حي الحسين) الذي يعدّ شارع المعز لدين الله الفاطمي أهم طرقه الرئيسة على الإطلاق ، فلاغرابة ان نجد نكهة التراث بين سطور هذا الروائي العملاق ، ماحدا بنا الى الدخول الى عوالمه المسكونة بالجمال حالما تطأ اقدامنا ام الدنيا في قاهرة المعز .
محلات صناعة الأراكيل تنتعش هي الأخرى بين ضفاف هذا الشارع الأثير الى الزائر، الأركيلة او (الشيشة) كما هي متعارف عليها بهذا الأسم الشائع في مصر، تعدّ من مكملات المقاه الشعبية  على وجه الخصوص لما تحمله من تقاليد توراثت عبر الأجيال ، حتى تجد ان الرجال والنساء يقبلون على تدخينها وتعميرها على حدّ سواء، كما تتوافر بشكل لافت انواع متعددة من النكهات التي يفضلها المدخنون من جميع انواع الفواكه التي تشتهر في مصر ومن اهمها طعم ( المنجه)، ( الفراولة)،(الكانتلوب) والعنب الفاخر فضلا عن انواع اخرى حسب الرغبة .