26 يوليو، 2025 10:50 ص

شارع الرشيد… ذاكرة تمشي على رصيف النسيان

شارع الرشيد… ذاكرة تمشي على رصيف النسيان

في زمنٍ بدأت فيه المدن تفقد ملامحها، يأتي كتاب «رحلة في ذاكرة شارع الرشيد» لسعدون مكي الجنابي، كمحاولة صادقة لاستعادة نبض العاصمة العراقية من بين ركام الإهمال والخراب. بمزيجٍ من الحنين والوثائق، يقدّم الجنابي شهادة شخصية ومجتمعية عن أحد أعرق شوارع بغداد، شارعٍ لم يكن مجرد ممر، بل كان وطناً مصغّرا يسكن الذاكرة.
يقف الصديق المؤلف، وهو من مواليد حي المربعة البغدادي ، شاهداً على تحولات المكان منذ طفولته، محولاً مشاهداته إلى سرد حيّ، يفيض بتفاصيل الحياة البغدادية الأصيلة. لا يكتب الجنابي عن شارع الرشيد كجغرافيا معمارية فحسب، بل ككائن حي، فيه تتنفس الذاكرة، وتتشابك الطوائف، وتتجاور المقاهي مع السينمات والمكتبات وأصوات الباعة وروائح الخبز وعبق التاريخ.
الكتاب الصادر بطبعته الثانية عن دار الأديب في عمّان، جاء في 310 صفحة من القطع المتوسط، مشبعاً بأكثر من 209 صورة أرشيفية نادرة، تُعيد تشكيل الوجدان البغدادي بأدوات البصر والبصيرة. ومن بين معالمه الموثقة: بناية أورزدي باك، جامع الحيدرخانة، مقهى الزهاوي، مكتبة مكنزي، وسينما الوطني، وغيرها من رموز الحياة الثقافية والاقتصادية التي صنعت هوية المكان.
أكثر ما يميز الكتاب هو صدقه؛ فهو ليس تحقيقاً صحفياً ولا دراسة أكاديمية تقليدية، بل كتابة نابضة تستند إلى تجربة حيّة. والكاتب، الذي عاش في شارع الرشيد لأكثر من خمسين عاما، لم يكن مجرد راوٍ، بل مشارك في التفاصيل اليومية؛ من الطفولة في الأزقة، إلى التأمل في انكسارات الحاضر.
هذا الكتاب ليس فقط وثيقة حضارية، بل شهادة حب، ودفتر عتب موجّه إلى من تركوا قلب بغداد ينزف دون ترميم… وكأن شارع الرشيد لم يكن يوما، نبضَ عاصمةٍ ووجدان أمة.
“رحلة في ذاكرة شارع الرشيد” كتابٌ تعيشه، لأنه يتكئ على ما تبقى في القلب من بغداد… المدينة التي ما تزال تبحث عن وجهها في المرآة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات