وصلني الخبر وانا في واشنطن ، شاب سعودي في الثلاثينات من عمره طلب اللجوء السياسي في شيكاغو، اثار هذا الخبر فضولي وحاولت معرفة حكاية ذلك الشاب الجداوي ، وبعد اجراء اتصالات عن طريق بعض السعوديين المقيمين في امريكا تربطهم علاقات قديمة بالشاب صاحب القضية وافق الشاب على مقابلتي بشرط عدم الاشارة الى اسمه خوفا منه كما قال على عائلته في جدة وبدون تردد وافقت على شرطه ومسايرة للخصوصية السعودية المشهورة في صحفنا ومواقعنا الاخبارية التي تستخدم كثيرا وبلا مبرر في اغلب الحالات جملة “تحتفظ الصحيفة باسمه او اسمها ” وعدته بالاحتفاظ باسمه وسأشير اليه بالحرف الاول (ش) من اسمه .
الساعة الثامنة والنصف صباح الاثنين 22 اكتوبر حضر (ش) الى الفندق حيث اقيم في شيكاغو، كان قلقا ومتوترا اخبرني انه لم ينم منذ البارحة لأنه يخشى ان يفوته موعد المحكمة التي ستحدد مصيره بعد ساعات وعندما سالته عن سبب الاصرار على قضية اللجوء واجراءاتها الطويلة والمعقدة مع انه كان بإمكانه الاقتران بفتاة امريكية ليضمن الاستقرار النفسي والقانوني ضد أي محاولات رسمية لإعادته ، فقال ان هذ الطريقة كانت متاحة امامه وسهلة الا أنه مازال يرفض الاستغلال بكل اشكاله سواء كان للأشخاص او للدين كما يمارسه عناصر “هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ” الذين يتحكمون في حياة وتصرفات المواطنين والمقيمين في المملكة باسم الدين مستغلين سلطاتهم الرسمية ، ووعدني انه سيخبرني بتفاصيل قضيته بعد انتهاء المحاكمة التي ستنعقد الساعة العاشرة صباح اليوم لأنه لا يعلم ما يقرره قاضي المحكمة الادارية التي تنظر في قضيته .
الساعة الواحدة والنصف ظهرا عاد (ش) الى فندق westin حيث اقيم بوجه آخر ومشاعر مختلفة اخبرني انه حتى هذه اللحظة لا يصدق ما حصل .. انا اصبحت حرا .. انا في امان لا يمكن للهيئة ان تصل الي ، هنا ما في مطاوعة ولا جمس ولا مداهمات ولا امتهان لكرامة الانسان ، هنا فيه عدل وقانون واحترام لحقوق الانسان ، لا اعتقال ولا جلد ولا اهانة بعد اليوم ، سالته ماذا حصل ؟ قال الحمدلله حكم القاضي لصالحي وقرر منحي حق اللجوء السياسي .
كان لقاءنا الاول على طاولة الافطار والان نلتقي على طاولة الغداء حيث داعنا على شرف المحامية للاحتفال بهذا الحكم الذي كان ينتظره منذ عام 2007 ، اخبرنا صاحبنا السعيد ان بإمكان كل واحد منا طلب الطعام الذي يريده ، وقبل ان تنصرف المحامية الى مكتبها سالتها هل هذه اول قضية انسانية تترافعين فيها قالت لا، ترافعت في عدة قضايا ولكنها الاولى لمواطن سعودي وبعد انصرافها سالت صاحبنا عن تكاليف القضية ومن سيدفعها، اخبرني (ش) ان هذه محامية مشهورة ومكتبها متخصص في القضايا المالية للشركات الا انها تتبرع بالدفاع عن اصحاب القضايا الانسانية وبلا مقابل والاغرب من ذلك انها لا تكتفي ببذل وقتها وجهدها بل انها تبذل المال اذا تطلبت اجراءات القضايا الانسانية التي تتولاها أي تكاليف مالية إضافية ، هذا الالتزام الاخلاقي والانساني الذي تتحلى به المحامية (آلن ويلر ) وهي سيدة متزوجة وأم دفعني الى تذكر واقع مكاتب المحاماة في السعودية خاصة الموجودة في جدة التي اعيش فيها واعرف احوالها جيدا.
علمت ان محامية الحكومة الامريكية بذلت مجهودا كبيرا لإقناع القاضي بعدم الحكم لصالح (ش) ويبدو حسب ما فهمت من (ش) نفسه ومن محاميته ان شهادة المتبرع اثرت الى حد كبير في قرار القاضي الذي اقتنع ان صاحب القضية سيتعرض للخطر اذا ما تم رفض طلبه واعادته الى بلده ، وبالمناسبة هذا الشاهد معارض سعودي سبق له الحصول على اللجوء منذ ما يزيد عن عقد من الزمن وهو خبير في مثل هذه القضايا وقد استعانت به المحامية لدعم موقف موكلها .
اخبرني (ش) عن تفاصيل ما تعرض له في مراكز العزيزية والسلامة في جدة ، يقول انهم ضربوه واهانوه ، قصص ومواقف كثيرة لا استطيع ذكرها كلها ولكنها في المجمل تعكس معاناته التي بدأت منذ عام 2002 مع عناصر الهيئة حيث كان يتعرض بحسب وصفه الى الشتم والاهانة في مراكز الهيئة بجدة مما دفعه الى القيام بمحاولته الاولى للهجرة وطلب اللجوء السياسي في كندا عام 2003 الا ان طلبه رفض هناك مما اضطره الى العودة الى المملكة وفي عام 2005 قامت فرقة ميدانية لهيئة العزيزية بجدة بمداهمة مطعم وكان (ش) متواجدا داخل المكان وتم اقتياده الى القسم وتناوب عناصر الهيئة على ضربه داخل القسم ، وفي عام 2007 داهمت مجموعة من عناصر الهيئة تستخدم سيارة جمس كالعادة احد محلاة الحلاقة وقت الصلاة وكان (ش) داخل المحل ولم يخرج لأداء الصلاة كما تريد الهيئة ، قام عناصر الهيئة عقب مداهمة المحل باقتياده الى هيئة حي السلامة وكما يقول انه تعرض للإهانة والشتم ثم سلمه المركز لإدارة المباحث العامة التي حققت معه وطلبت منه كتابة تعهد بعدم التطاول اللفظي على ولاة الامر ثم اعادته الى نفس المكان الذي استلمته منه وهي هيئة السلامة وفي مركز الهيئة يقول (ش) ان موظفي الهيئة هناك جلدوه 40جلدة .
يقول (ش) انه اختار امريكا حتى لا يكون مصيره كمصير حمزة كشغري الذي لم يحسن التصرف والاختيار ربما لقلة خبرته وحداثة سنه وتوجه ناحية الشرق المحكوم بنفس الثقافة المسيطرة في بلادنا، ولو توجه كشغري ناحية الغرب لتنعم بحياة العدالة والحرية التي يفتقدها في وضعه الحالي ، ويؤكد محدثي على انه مواطن ليبرالي وليس ضد الدين ولكنه ضد وجود سلطة تراقبه وتحاكمه باسم الدين ، وكما فهمت من كلامه ان موقفه ليس سياسيا بالأساس ولكنه يحمل صاحب القرار السياسي في المملكة مسؤولية تصرفات عناصر الهيئة لانهم يعملون ويمارسون تسلطهم باسم الدولة التي منحتهم كل الصلاحيات ووفرت لهم الدعم بكل اشكاله ليتحولوا الى جهاز لقمع الحريات .