23 ديسمبر، 2024 3:24 ص

شائعات.. خالد جبر نموذجا

شائعات.. خالد جبر نموذجا

كنت طفلا صغيرا عندما سجلت حلقة خاصة في احد برامج الأطفال المهمة والهادفة , وهو برنامج (( المرسم الصغير )) والذي كان يبث صباح كل يوم جمعة من على شاشة تلفزيون العراق التي كنا نسميها بالقناة الاولى ان ذاك , أتذكر جيدا تلك الحلقة التي سجلت في مطلع تسعينات القرن المنصرم , حينها كنت متشوقا جدا لرؤية ذلك الرسام الذي طالما اثار اهتمامي كطفل صغير مع بقية اخوتي الاطفال بفرشاته والوانه الخشبية والوان الـ(باستيل) التي كانت تنثر في صباح كل يوم من على شاشة تلفاز العراق.. كان يحاول دائما الفنان خالد جبر معد ومقدم برنامج المرسم الصغير من خلال برنامجه لم شمل اطفال العراق جميعا من اجل ان يتعلموا رسم شجرة او بيت او زهرة جميلة , فكان يسعى جاهدا ليهرب بنا كاطفال الى عالم الفرشاة والالوان الجميلة بعيدا عن رائحة البارود وازيز الرصاص التي كانت تملئ الصورة ايام الحرب العراقية الايرانية , الخال الصغير كان يراقب بي شدة اهتمامي وانجذابي لذلك البرنامج في كل حلقة تعرض اسوة بغيري من الاطفال فلم يكن لنا متنفس غيره !! ونتيجة لتواجد تلك العوامل استطعت ان اشارك في ذلك البرنامج , عندما بادر الخال بالاتصال بخالد جبر ليعرب الاخير عن استعداده التام لاستقبالي و خوض الحلقة برفقتي , ولم ينسى جبر ان يشترط عليه اولا ان اسعى لتقديم عدة نماذج من لوحات ورسومات خاصة بي كنوع من انواع الأختبار المعنوي الخاصة بقدراتي الفنية قبل النطق بالموافقة على اجراء الحلقة , وبالفعل تمت الموافقة بعد ان حققت له رغبته برفده بعدد من لوحات الاطفال التي اطلع علىيها باهتمام بالغ فتعرف على ماامتلكه من مواهب يجدها هو فعالة او يمكن تطويرها .. وبالفعل هي ايام حتى استقلينا سيارتنا الشخصية نوع ( برازيلي) حمراء اللون متجهين بها الى موقع التصوير الكائن في الصالحية – مبنى الأذاعة والتلفزيون سابقا ( شبكة الاعلام العراقي حاليا) , دخلت ذلك الاستوديو العملاق وكانت هي المرة الاولى التي اتشرف بدخولي اليه في حياتي حيث كنت طائرا من الفرح بتحقيق ذلك الانجاز في عمرا لم يتجاوز السبع سنين ..التقيت بذلك الفنان والذي كان مشغولا جدا بالتحضير للحلقة ذاتها حيث كانت الحلقات تسجل بشكل حلقات مدفوعة (بوار) أي انها تصور وتسجل في يوم الجمعة لتبث بالجمعة التي تليها .. وقبل الشروع بالتسجيل احسست بمقدار مايمتلكه ذلك الفنان من شعور عالي بالمسؤولية الناجم من الخوف على عمله واصراره على انجاز الحلقة باعلى درجات النجاح والمتابعة , فكان يحاول ان يتفقدنا حتى اللحظات الاخيرة قبل التصوير للاطمئنان عن رسوماتنا وعن جاهزيتنا التامة للتصوير تحسبا منه في حالة وقوع أي طارى اثناء جريان التصوير بالرغم من انها تسجيل مسبق .. احسست انا شخصيا وبذلك العمر الصغير بمايمتلكه ذلك الفنان عن غيره من الفنانيين , فدارت كاميرة التصوير ودار معها خالد جبر بمكرفونه القديم الابيض اللون على طاولتنا المستديرة والتي كنا قد تقاسمنها مع عدد من الاطفال ذلك الجيل والذي اتمنى ان يكونوا هم اليوم بخير وامان , حتى وصل الدور ليتحدث معي بذلك الصوت الهادئ العذب المرهف الاحساس النابع من حب واصالة هذه الارض فكانت كلماته تدوي في اذناي لغاية كتابة هذه السطور أي بعد ثلاث وعشرون عاما من ذلك التاريخ , فبدء بشرح رسوماتنا وتبادل الاسئلة معنا بروح الابوة الخالصة , كان يعلمنا كيف نرسم الوجوه بانواعها المختلفة بسرعة فائقة فكان يعلمنا ويقول هكذا نرسم وجه الشخص الفرحان؟ ووجه الشخص الغاضب ؟ ووجه الشخص الحزين ؟ ولكنه بالحقيقة نسي واخفق معنا ! نعم فانه لم يعلمنا كيف نستطيع ان نرسم الوجوه الكاذبة !! نعم .. نعم ايها العم خالد لقد نسيت ان تعلمنا رسم الوجوه السوداء الكاذبة !! تلك الوجوه التي شاعت مؤخرا في مواقع التواصل الاجتماعي بان الفنان خالد جبر يرقد في الفراش وان البعض من زملائه يحاولون جمع بعض الاموال من اجل انقاذ حياته وانه يقوم ببيع لوحاته ليستطيع سد فاتورة علاجه !! انهم بحق كذابون .. وعلى الفور قام جبر بتكذيب الخبر فور سماعه في كل من (( وكالة السومرية نيوز)) وكذلك في (( جريدة الصباح الشبه رسمية )) واكد بانه يتمتع بصحة جيدة وحالة مادية جيدة وان زمرة من ضعاف النفوس هم من قاموا باشاعة هذا الخبر مستغلين اسم هذا الفنان الكبير للحصول على اغراضهم الهابطة والدنيئة ..وخالد جبر هو فنان ورسام عراقي عرف و أشتهر ببرنامجه (( المرسم الصغير)) والذي كان من اعداده وتقديمه على مدة عقود من السنين ولايزال يعرض من على شبكة الاعلام العراقي , حيث عرف بعمله الدؤوب ومواظبته المستمرة على العمل وفي شتى الظروف من خلال عرض حلقات برنامجه بستمرار , والمرسم الصغير اشتهر عربيا بالاضافة لنجاحه دوليا حيث كانت ولاتزال حلقات البرنامج تختص بتعليم ورفع قدرة الصغار بفنون كثيرة كان اهمها الرسم واستخدام الفرشاة والالوان , وخالد جبر عضو نقابة الصحفيين العراقيين وعضو نقابة التشكليين العراقيين , عرف بمساعدته للاخرين وهو محبوب من جميع الاطراف الفنية والجميع يعرفه كان صغيرا ام كبيرا فهو من الأسماء اللامعة في سماء الفن العراقي.. ان ظاهرة اطلاق الشائعات على الفنانيين العراقيين وخصوصا السلبية منها بات اليوم في العراق ظاهرة بدئت واتسعت بشكل كبير في ظل الظروف الراهنة التي يعيشها العراق , فلعدة مرات سابقة قرئنا وسمعنا انباءا تحدثت عن وفات الفنانة الكبيرة (( امل طه)) والتي سوف نخصص لها مقال خاص يعنى بها في الايام القادمة , فعند سماعي ذلك الخبر باشرت شخصيا بالاتصال هاتفيا للتاكد من مصداقيته حيث تم الرد عليه من احدى المرافقات التي اكدت لي ان أمل طه لاتزال على قيد الحياة وانها ترقد في مستشفى ابن الرشد ببغداد لتلقي العلاج اللازم , ان اطلاق الشائعات والاكاذيب بات اليوم ظاهرة اخرى تضاف على بنية العراق الاجتماعية المترهلة فتنوع الفضائيات وتعدد الاذاعات والوكلات الاخبارية والصحف والمجلات بشكل لايمكن احصائها والتعرف على الجهات التي تقف ورائها اضافة الى انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا الفيس بوك الذي أتاح بدوره الجميع حرية ايصال الخبر او الاكذوبة الى الاف وملايين المتابعين الذين مع الاسف لم يعتمدوا المصدر الخاص لك خبر يتلقوه الا من ندر , والمصيبة الاعظم فان البعض من المراقبين وحتى الصحفيين والاعلاميين يحاولون المساهمة في نشر وتعميم الخبر قبل التاكد منه والتبين من مصادره !! ان مسئلة محاربة الشائعات المضللة لابد ان يتم وفق ندوات ومؤتمرات تخصص لهذا الغرض وخصوصا بمايتعلق بمواقع التواصل الاجتماعي المباحة بشكل كبير للمستخدمين السيئين مع وجود (( الهكر)) الذي يتفاخر بنفسه وسط جموع الناس بانه يحمل هذه الصفة المنبوذة , والهكر انسان متمرس جيد في استخدام انظمة الحاسوب والكمبيوتر والذي عادة مايستطيع اختراق كل المبادئ الاسلامية والحياء الانساني نتيجة سرقته مفاتيح دخول المواقع الشخصية الخاصة والعامة لاغراض معينة او للحصول على الاموال نتيجة ابتزاز اصحابها وتهيديهم بصورهم العائلية او ماشابه ذلك بواسطة برامج انتجت لهذا الغرض موجودة في اسواق الكمبيوتر بيسر وسهولة , والهكر هو صناعة غربية دخيلة على مجتمعنا العراقي دخلت الى بلادنا برفقة عجلة الدبابة الامريكية وهو من الامراض التي ابتلينا بها ولم نستطع ايقافها او حتى صناعة ثقافة مضادة لها ليومنا هذا ..