19 ديسمبر، 2024 2:19 ص

شئ عن كليّة الفيلولوجيا بجامعة موسكو

شئ عن كليّة الفيلولوجيا بجامعة موسكو

عندما وصلنا الى جامعة موسكو في ستينيات القرن العشرين أدهشتنا تسميات بعض الكليّات الموجودة فيها , اذ لم تكن ابدا تتناسب او تنسجم مع تسميات الكليّات في جامعة بغداد , ففي كليّتنا , التي كنّا ندرس فيها , وهي كليّة الفيلولوجيا ( وكنّا نسميها كلية الاداب) , لم يكن هناك غير قسم اللغة الروسية وآدابها , وقسم اللغات الاوربية وآدابها , أما الاقسام الكثيرة الاخرى في العلوم الانسانية , الموجودة في كلية الاداب بجامعة بغداد , فلم تكن موجودة فيها بتاتا , وانما كانت تلك الاقسام كليّات مستقلة وقائمة بذاتها تماما , وهكذا وجدنا في جامعة موسكو كليّة الجغرافيا , وكليّة التاريخ , وكليّة الفلسفة , وكليّة علم النفس , ومعهد اللغات الشرقية , أما الاقسام الخاصة بالعلوم البحتة, الموجودة في كليّة العلوم بجامعة بغداد , فلم تكن موجودة ايضا , وانما كانت موجودة هناك ايضا كليّات مستقلة وقائمة بحد ذاتها , وهي – كليّة الكيمياء وكليّة الفيزياء وكليّة الجيولوجيا , وكليّة البايولوجيا .
الحديث عن انطباعاتنا عند وصولنا الى جامعة موسكو طويل ومتشعب طبعا , ولا يمكن اختصاره بكلمات او سطور , بل هو موضوع يستحق الدراسة التفصيلية الواسعة , اذ انه يعني ( فيما يعني ) الوصول الى استنتاجات جذرية عميقة مقارنة مع بنية التعليم العالي العراقي , وكل هذا خارج اطار الامكانيات الواقعية المتاحة آنذاك في بلدنا وحتى الوقت الحاضر( والامكانيات هذه اصبحت أسوأ الان في الوطن الجريح) , ولكننا نكتب هذه السطور انطلاقا من مفهوم – ( فذكّر ان نفعت الذكرى) ليس الا .
كليّة الفيلولوجيا , التي التحقنا بها عام 1960 كانت واقعيا كليّة تدرس اللغة الروسية وآدابها قبل كل شئ , وبعض اللغات الاوروبية وآدابها مثل الانكليزية والفرنسية والالمانية , اي انها كليّة خاصة لدراسة اللغات وآدابها . كنّا – نحن الطلبة العراقيين جميعا – ندرس في – ( الفرع الروسي ) , هكذا كانوا يسمونه (رسميّا وشعبيّا) , ويحتوي هذا الفرع على العديد من الاقسام العلمية المستقلة تماما بعضها عن البعض الآخر , فهناك قسم اللغة الروسية المعاصرة , وقسم تاريخ اللغة الروسية , وقسم علم اللغة , وقسم علم الادب , وقسم الابداع الشعبي الشفاهي ( الفلكلور) , وقسم الادب الروسي القديم , وقسم الادب الروسي في القرن الثامن عشر , وقسم الادب الروسي في القرن التاسع عشر , وقسم الادب الروسي في القرن العشرين , وقسم آداب شعوب الاتحاد السوفيتي , وكل هذه الاقسام العلمية المتكاملة بكل معنى الكلمة كانت ضمن ( الفرع !) الروسي في كليّة الفيلولوجيا, اذ يوجد رئيس قسم بدرجة بروفيسور , ومقرر قسم بدرجة استاذ مساعد في الاقل , ومجموعة كبيرة من التدريسيين المتخصصين ( الاختصاص الدقيق حصرا) في ذلك المجال , وكلهم بدرجات علمية رفيعة , وتوجد غرفة واسعة نسبيا لكل قسم مع مكتبة متخصصة , وكنّا نتجنب الدخول الى تلك الغرف , اذ توجد فيها دائما مجموعة ليست قليلة من التدريسيين والموظفين , وكانت دائما تشبه خلايا النحل كما قال لنا أحد الطلبة الروس مرّة وهو يحذرنا من الدخول الى تلك الاقسام قائلا – الافضل انتظار الاستاذ في الممر , والتحدث معه هناك , اذ لا يمكن القيام بذلك عندما تكونون داخل القسم …
لا توجد للطلبة قاعة دائمية , وكنّا نتنقل من قاعة الى اخرى حسب الجدول . كان عدد طلبة الفرع الروسي في تلك السنة الدراسية ( 1960/1961) اكثر من مئة طالب , وكنّا موزعين على شعب صغيرة ( من 6 الى 10 طلبة في الشعبة ) , ولكن كانت توجد محاضرات عامة للجميع , ويلقيها علينا بروفيسور متخصص عادة , اما الدروس التطبيقية , فتكون في الشعبة الصغيرة , ويقوم بها تدريسيون شباب بدرجة مدرس او استاذ مساعد بالاساس , وكان يوجد لكل شعبة تدريسي تربوي مشرف على الشعبة , يتابع طلبة تلك الشعبة ومسيرتهم الدراسية بالاساس , وتكون علاقته بهم بشكل عام جيدة .
جدول دروسنا كان يتوزع بين مواد اللغة الروسية وتاريخ الادب الروسي وتاريخ الادب الاجنبي , وكانت لدينا في الصف الاول مادة- مدخل في علم اللغة ومادة – مدخل في علم الادب ( والتي تصبح في الصف الخامس علم اللغة او نظرية الادب حسب تخصص الطالب) , وكانت لدى الطلبة الروس عدة مواد سياسية مثل تاريخ الحزب الشيوعي السوفيتي والفلسفة الماركسية ..الخ , الا اننا , الطلبة الاجانب كنّا معفيّين من دراستها . في كل هذه المواد كانت لدينا محاضرات عامة يلقيها بروفيسور متخصص , وهكذا كان يتغيّر البروفيسور حسب الاختصاص الدقيق , فيلقي المحاضرة متخصص بالادب الروسي في القرن الثامن عشر مثلا , ويأتي آخر متخصص بالادب الروسي في القرن التاسع عشر , وكذلك الحال بالنسبة للغة الروسية , فهذا متخصص بعلم الجملة , وآخر بعلم المفردات , وهكذا بالنسبة للادب الاجنبي ( الاوربي فقط , اذ ان الاداب الشرقية يدرسونها في معهد اللغات الشرقية) , ويتم من الصف الثاني فصاعدا تقسيم الطلبة الى متخصصين بعلم اللغة او بعلم الادب , وحسب اختيار الطلبة انفسهم , حيث يبدأ الطلبة بكتابة بحوثهم الخاصة حسب هذا التقسيم وباشراف استاذ مشرف , وفي الصف الخامس , يجب كتابة بحث التخرّج حسب ذلك الاختيار , ومناقشته امام اللجنة العلمية , ويتفرّغ الطالب كليّا لكتابة بحث التخرج في الفصل الثاني من الصف الخامس , ويخضع البحث لضوابط علمية دقيقة وصارمة .
هذه صورة مختصرة جدا جدا للدراسات الاولية في كليّة الفيلولوجيا بجامعة موسكو في ستينيات القرن العشرين كما عشناها …

 

 

أحدث المقالات

أحدث المقالات