18 ديسمبر، 2024 7:59 م

شئ عن بليخانوف والادب الروسي

شئ عن بليخانوف والادب الروسي

قال لي احد اصدقائي القدامى قبل ايام قليلة ( وهو كان واقعيا يلومني تقريبا !!!) , انه لم يجد اسم المفكر الروسي الكبير بليخانوف في مقالاتي بشكل عام عن الادب الروسي طوال كل هذه السنوات التي أنشر فيها هذه المقالات , وسألني متعجبا , عن السبب , الذي جعلني (أتجاهل بليخانوف !!!) , وهو الاسم اللامع والمهم في تاريخ الادب الروسي . فوجئت أنا بدوري عند سماع سؤال صديقي القديم , وسألته ( متعجّبا ايضا !!!) – ومن أكون أنا , كي يكون لي موقف (التجاهل!) تجاه مفكّر شهير في تاريخ الفكر الروسي مثل بليخانوف؟ ضحك هذا الصديق وقال , ان جوابك يعني , انك تحاول ان تتهرب فعلا من الجواب الدقيق عن سؤالي المحدد والحاسم , وهذا دليل ملموس و اكيد يبيّن انك تتجاهل بليخانوف حقا , وانك – ببساطة وصراحة – لا تريد الاقرار او الاعتراف بذلك , اذ كيف يمكن الكتابة عن الادب الروسي دون التوقف عند بليخانوف او الاشارة الى آرائه حول هذا الادب , او الاستشهاد باقواله , التي جاءت في العديد من مؤلفاته حول الادب الروسي واعلامه , وخصوصا , في مجال النقد الادبي ؟ .
لم أكن مستعدا في الواقع– لا نفسيا ولا فكريا – لمناقشة صديقي وتفسيره لجوابي السريع حول هذا الموضوع , ولم أرغب بتذكيره , انني اكتب عن مختلف جوانب الادب الروسي طوال حياتي باعتباري قد درست هذا الادب ( في عقر داره !) و اصبحت متخصصا به وعاشقا له ايضا, وانني عملت بعد انهاء دراستي لمدة اكثر من ثلاثين سنة في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد , اي ضمن اختصاصي العام والدقيق , وساهمت مع زملائي الآخرين بتدريس هذا الاختصاص للشباب العراقي في تلك الجامعة , و اضطررت ان اقول لصديقي فقط , ان نظرته الى الادب الروسي ( وتلك هي المصيبة !) ترتبط بالسياسة قبل كل شئ , وليس بالادب الروسي ومظاهره واعلامه , وان هذه النظرة العراقية ( والعربية طبعا ) تنعكس في آراء الكثيرين من زملائي العراقيين و العرب ايضا , وان هذه النظرة (الضيّقة والمحدودة جدا) قد أضرّت واقعيا بالادب الروسي في عالمنا العربي بشكل عام , لانها ( اي هذه النظرة ) قد حوّلت هذا الادب الانساني العملاق الى ظاهرة سياسية ليس الا , والظواهر السياسية – كما هو معروف – غير دائمية , بل مؤقتة دائما , وذكرت له ايضا , اننا عانينا كثيرا من ( تسييس ) الادب الروسي في العراق ( سواء في الاوساط الرسمية للدولة آنذاك , او في الاوساط الشعبية ايضا ) اثناء عملنا بالقسم المذكور في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي بشكل خاص . لم يتفق صديقي مع تلك الآراء التي قلتها له, بل واحتج على كلامي هذا , وذكّرني , باني كتبت مقالات عديدة عن لينين وستالين وخروشوف وعلاقتهم بالادب الروسي وتفاعلهم مع اعلامه ومكانتهم في مسيرته , ولكنني لم اكتب بتاتا عن علاقة بليخانوف بهذا الادب , ولهذا قال لي , انه (استنتج !) تجاهلي للمفكر بليخانوف بشكل متعمد , وان هذا موقف واضح لكل من يتابع تلك المقالات عن الادب الروسي . شرحت لصديقي , ان كتاباتي عن لينين وستالين وخروشوف ارتبطت بموقعهم الرسمي في حكم الاتحاد السوفيتي وانعكاس هذا الموقع على مسيرة الادب الروسي , وان هذه ظاهرة طبيعية في البلدان ذات الحزب الواحد الحاكم , والذي لا يسمح بتاتا للرأي الآخر ان يتعايش ويتفاعل في ذلك المجتمع , وانني تكلمت في مقالاتي هناك عن وقائع محددة في تاريخ الادب الروسي ومصائر اعلامه , ولهذا , فان بليخانوف لا يدخل ضمن هذه الفئة , التي حكمت روسيا, او كانت في رأس السلطة هناك, وحاولت ان اوضح لصديقي , ان هذا المفكّر الروسي الكبير قد برز في مجال الفلسفة الماركسية وعلاقتها المتبادلة مع علم التاريخ وعلم الاقتصاد بالاساس , وان كتاباته عن النقد الادبي الروسي كانت مرتبطة بالذات مع اهتماماته تلك , وتوقفت طويلا عند معرفة بعض الفئات العربية اليسارية لبليخانوف نتيجة ترجمة بعض ( ونؤكّد على كلمة بعض ) نتاجاته الفكرية الى اللغة العربية في اواسط القرن العشرين , وحاولت ان ابيّن له ( ولو بشكل غير مباشر ) ان رأيه حول مقالاتي في الادب الروسي جاء نتيجة لتلك المعرفة الجزئية لبليخانوف عند ذلك القارئ العربي المرتبط بالسياسة – اولا واخيرا – ليس الا , وحدثته في النهاية عن اقوال احد اساتذتي الروس حول بليخانوف , وخلاصتها , ان قيمة هذا المفكر الروسي تكمن في انه ( طوّع ) النظرية الماركسية حسب متطلبات الواقع الروسي , وان نظرته لم تكن ( نظريّة مجردة او جامدة ليس الا ! ) وانما كانت حيوية و ترتبط بواقع المجتمع الروسي ومستوى تطوره بصدق , ولهذا حاز على احترام الجميع , بما فيهم المضادين له فكريا .
صمت صديقي قليلا , ثم قال لي , انك ألقيت عليّ محاضرة باكملها عن بليخانوف , واود ان اشكرك عليها . ضحكنا معا , واخبرته, ان هناك مثل روسي طريف يقول – الصديق القديم افضل من صديقين جديدين …