23 ديسمبر، 2024 8:34 ص

سُرّ مَنْ نَظرْ!!

سُرّ مَنْ نَظرْ!!

سرّ مَن نظر!
بعينيك الواسعتين , وشفتيك الممتلئتين , ووجنتيك المتوردتين , وشعرك الطويل , الذي يسابق الدجى , ويحلم أن يطير , إلى حيث الأجيال , المحملة بالظلام الثقيل, وبكل ما فيك وما عليك
من أحلام وأوهام , وصدق وكذب , ودموع وحزن وفرح , وتنهدات شوق وألم , وما تريد أن تبثه نظراتك الحائرة , في فضاء بلا نجوم , ونهار بلا ضياء , وليل لا يريد أن يغادر محطات
السكون والنحيب!!

سرّ مَن نظر!
هل من عقل يقول , ومن صوت جديد؟
 وهل ستوقظين أهل الكهف من سباتهم الأبدي , وتذكريهم بأننا في القرن الحادي والعشرين
وبأن الدنيا تغيرت , والأرض تبدلت , والأحوال تجددت ,  وما كان لن يكون , وأهل الكهف لا بد لهم من الخروج إلى المدينة , والتجوال في شوارعها , واستنشاق الهواء المعاصر , البعيد عن المفاسد السوداء , والتفاعلات النكراء , فهل لا يزالون في صومعة الرؤى البعيدة , ذات الوجوه المعبأة بالخطايا والمآسي والذنوب , وهم في أشد حالات الغيوب!!

سرّ مَن نظر!
في الأفق البعيد , عقارب سوداء , وثعابين رقطاء , ووحوش متحفزة للإنقضاض على الحياة ,
وتحويلها إلى فرائس متمرغة بدمائها وجلودها , وعيونها المتجمدة أمام وحش بلا رحمة ,
تدفعه قوة هائجة ترفع رايات الفناء , وتحلم أن تحقق لها المجد القصير العمر على كراسي المتاهات المرعبة , في زمن يجعل الليل نهاره والنهار معصرة كبيرة  لأحيائه التي تتلعثم بالدقائق وتئن من الساعات , ولا يمكنها أن تخترق يوما واحدا من غير رقصات رعب , وأنفاس خوف وارتعاشات ذعر , وخفقات قلب لا يمكنه أن يستريح من ضاريات الإنتقام ,  وعفاريت السوء المحدقة بالبشر الذي يتنفس الهواء , ويملك يدين وقدمين تساعدانه على الحركة في الظلماء!

سرّ مَن نظر!
وهل من بصر , ومن رشد قليل , وعقل يرى ما يدور لا ما يرى من سكرات الضنى والنفور.
فالعالم يتحرك نحو البعيد , ويحشد طاقات وفيرة من أجل صياغات أرضية متوالدة , ذات فعل مؤثر في الوجود البشري القادم , الذي ستحمله على أكتافها الأجيال , وهي متلاحمة متدافعة نحو الأمام , الذي تحلم به ولا تعرف ماذا يكمن لها فيه , وما سيدور عليها وحولها من الأفاعيل والخطط المعقدة , ذات النظريات المتفوقة على العقل البشري , الذي تحول إلى ورقة بيضاء يمكن للإقتدار الفاعل في الوجود أن يكتب عليها ما يشاء ويسخرها إلى ما يشاء , وبهذا فقط تحولنا إلى مخلوقات بلا إرادة أو خيار, بل أصبحنا مخلوقات مدجنة وفقا لنظريات التبعية والخنوع , والانجرار إلى دروب الويلات المرسومة وفقا لخارطة المصادرة وتدمير المصير , وتحقيق الغايات السيئة في زمن أشد سوءا وقسوة!

سرّ مَن نظر!
القلة لا تدري ماذا تريد , بل أنها تتساقط في شباك الرغبات , ومصائد الإندفاعات وستنتهي إلى كهوف العذابات , ويتحقق لها المصير المشؤوم , لأنها لا تفهم المعلوم ولا تتورع في سلوكها , بل أنها في نزق مجنون وتفاعل شديد مهزوم , تراه نصرا وهو لا يعرف إلا الخصوم , وهكذا ترى الأيام تتحرك بإتجاهات لا تفيد أحدا ولا ترضي راغبا.
فهل سيعرف الذي يريد أن يعرف , أم أن الجهل طبيب , والخوف بعيد , والجيوب معبأة بالذهب الجديد.
والناس على بعضها تأسدت , وعلى غيرها تثعلبت , وتمرغت بذلها وعبوديتها , وأخذت تمشي على رؤوسها , بعد أن تاهت الأقدام وحسبت كل خطوة خنجر إنتقام في صدر الزمن المضام!

سرّ مَن نظر!
وتتساءل الأيام عن جيلنا المقدام , وترفع الرايات وتعلن السلام , وكلنا سهام تبارك الآثام ,  وتشتهي الآلام وتحضن الظلام , لأننا في بحرنا الدوام أسماك جزر لا تنام.
نطارد عقولنا ونفتدي بدوننا ونركض كأننا أوهام.
ما عندنا من وجع بل نملك الآثام , ونرتقي بجهدنا لساحة الأغنام.
يا عزمنا المسافر وجرحنا المثابر , ودمعنا الوفير وكلنا الضرير , وبعضنا المسافح الشرير.
هل تنتهي المآسي وتسقط الكراسي , ويظهر الصحيح وينتهي الفحيح , ونجلس كأننا بأرضنا نعيش وكلنا لبعضنا عضيد.
يا أمة لا تعرف ما يحصل بل تركض وعقلها السعير وكلها بكلها كسير , لا تملك في أرضها النصير , وتسأل بفعلها عن المصير!