إِنَّ تحليل شخصية السيد سليم الجبوري، رئيس مجلس النواب العراقي الحالي، ليس امراً مستعصياً، كما أنَّ معرفة اهداف الرجل و مقاصده، ليست غاية لا تدرك. فالسيد الجبوري الذي لا يتجاوز عمره اربعة عقود و نصف، قدّ منحته الدنيا من حظوظ النجاح، ما لم تمنحه للكثير من اقرانه.
فالسيد الجبوري قدّ حصل على فرص التعليم العالي، في زمن قدّْ شَحَّ على الكثير من العراقيين، في اعطائهم نفس الفرصة، التي اعطاها للسيد الجبوري، لأسباب لا تغيب عن العاقل اللبيّب.
تعود الخلفية الاجتماعية للسيد الجبوري، الى جذور قرويّة، تُقدّس الروح القبلية، و تُمجّد الانتماء لمرجعيّة السلطة، التي تأخذ منها الشخصيّة القرويّة، كل مصادر القوة و الهيمنة و الوجاهة الاجتماعية. هذه الجذور القرويّة صاغها النظام البائد، لتكون أَحد مرتكزات قوّته، فكانت هذه الشخصية، تَشعر بالزهو و الفوقية على غيرها، من الفئآت الاجتماعية الأخرى، التي كانت غير متوافقة مع نهج النظام الصدّامي البائد.
و بحكم العمل الوظيفي كتدريسي في جامعة النهرين، ظلّ السيد الجبوري قريباً من أَحداث التغيير السياسي، التي حصلت في العراق، بعد الاحتلال الامريكي للعراق، في عام 2003. و بسبب هويته المناطقيّة، التي تعكس انتماءه الطائفي، فتحت له الفرصة ابوابها، ليكون عضواً في لجنة صياغة الدستور العراقي في عام 2005، و عضواً في مجلس النواب العراقي في عام 2005، كمرشح عن جبهة التوافق العراقية، حيث كان ناطقها الرسمي.
و شغل السيد الجبوري في الدورة البرلمانية الأولى، منصب نائب رئيس اللجنة القانونية البرلمانية. و أصبح نائباً في مجلس النواب العراقي عام 2010، و شغل في هذه الفترة، منصب رئيس لجنة حقوق الانسان البرلمانية. و في عام 2011 اصبح نائباً للأمين العام للحزب الاسلامي، و هذه الدرجة الحزبية، ذات الهويّة (الاخوانيّة)، جعلته مقبولاً بدرجة كافية، عند اصحاب القرار، في الدوائر السياسية السعودية و الخليجية و التركية أيضاً. و بعد فوّزه بانتخابات عام 2014، كمرشح عن قائمة (ديالى هويتنا)، تسنَّم منصب رئيس البرلمان العراقي، في 14/7/2014.
ظلّت خطابات السيد الجبوري، تدور حول طروحات، (مظلوميّة السُّنّة العرب في العراق، و تهميش دورهم في المشاركة السياسية، و اضطهاد الأجهزة الأمنيَّة لهم، و غُبن حقّهم في نسبة الثميل الديمقراطي، و المطالبة بالمصالحة الوطنية)، هذه هي ذات الخطابات، التي كان ينادي بها، (المتهم طارق الهاشمي) و الارهابي (عدنان الدليمي)، و غيرهم من الموتورين طائفياً، و السائرين في ركاب المشروع الطائفي السعودي الخليجي التركي.
عندما شغل السيد الجبوري، رئاسة لجنة حقوق الانسان البرلمانية، تبنَّى موقف الدّفاع المستميت، عن الاشخاص المتهمين بقضايا جنائية تتصل بالارهاب، فاصبح العنصر الاكثر ضغطاً على السلطة التنفيذية في هذا الملف. فأخذت مقبوليَّته تزداد في الوسط السُّنّي المتطرّف، خصوصاً عند تصديه للدفاع عن مطالب المعتصمين، في المحافظات الغربيّة في خريف عام 2013.
بعد سقوط مدينة الموصل في 10/6/2014، بدأ نجم السيد اسامة النجيفي بالأُفول. و بعد فشل رئيس لجنة اغاثة النازحين، السيد صالح المطلك في السيطرة على الملف المالي لهذه القضية، و بعد سقوط محافظة الانبار في 15/5/2015، ازدادت حظوظ السيد الجبوري تصاعداً، فوجد امامه فرصة الفوز، بثقة الجمهور السُّنّي كخطوة استباقية، تُؤسس له وجوداً قويّاً في المرحلة السياسية المقبلة.
أَراد السيد الجبوري استثمار مناطق الفراغ، التي تركها له غيره، فأضاف الى مهامّه مُهمَّة جديدة، هي المناداة بمطالب جديدة، اضافة الى مطالبه السابقة. فأخذ يُطالب
بتسليح العشائر السنيّة، في المناطق الغربيّة من العراق، و مطالبته بسن قانون تشكيل الحرس الوطني. و لأجل اضفاء الجدّية على نواياه، قام السيد الجبوري، في بداية صيف هذا العام 2015، بسلسلة من الزيارات. فزار الاتحاد الاوربي و امريكا و تركيا، كما سبق له و ان زار كل من الكويت و السعودية.
في الحلقة الثانية من هذا الموضوع، سأستكمل البحث في استقراء الأَهداف التي يسعى لتحقيقها السيد سليم الجبوري، بناءً على المعطيات التي يقدمها لنا الواقع. ومن الله التوفيق.