18 ديسمبر، 2024 7:16 م

سَاسَةُ الغَرْبِ وَ التَّمَلُّقِ لِحُكَّامِ آلِ سُعُوْد/1

سَاسَةُ الغَرْبِ وَ التَّمَلُّقِ لِحُكَّامِ آلِ سُعُوْد/1

(التَّنَازُلُ عَنّْ القِيَمِ لِتَحقِيْقِ المَصَالِح)
الغاية تبرر الوسيلة، مبدأ أَرساهُ (نيقولاي مكيافلّي) (1469- 1527(، و اصبح هذا المبدأ، العمود الفقري لسياسة دول الغرب، بصورة عامة. و هذا المبدأ الحاكم في سياسة الدول الغربية، جعلها تتخلى عن القيم المدنية، التي كافحت من اجل تحقيقها، الشعوب الغربية لعقود بل لقرون من الزمن. بدءً من القرون الوسطى ، و حتى قيام الثّورة الفرنسية في عام 1789م.

فالثورة الفرنسيّةجسّدت، تطلُّعات نضال الشَّعب الفرنسي، في تأسيس نظام جمهوري، يحقق في المجتمع العدالة و الحرية و المساواة، و حقّ ابداء الرأي، و التداول السلمي للسلطة، و احترام حقوق الانسان، و اقرار مبدأ الشفافية في التعامل بين الحكومة و الشعب، و غيرها من الحقوق المدنية. و اقتبست بقيّة الشعوب الأوربية، مبادئ الثورة الفرنسية، لتجعلها عنواناً لنهضتها في تأسيس مجتمع مدني، يسوده النظام و القانون.

هذه النقلة التاريخية التي حققتها الثورة الفرنسية، أَوّقدت جذوة اجراء اصلاحات، في بقية الأَنظمة السياسية في اوربا و أمريكا. و بذلك انتقل الغرب الى أَعلى درجات السلّم الحضاري، و الرقي البشري في مجال إقامة الأَنظمة الديمقراطيّة. و لأجل أَنّْ يكون السياسي الغربي، قريباً من تطلعات شعبه، أَصبحَ لزاماً عليه، التَّحدث أمام شعبه باستمرار، مؤكداً تمسكه بالقيم الديمقراطية، و مبادئ حقوق الانسان. و إِنَّ أَيَّ سياسي غربي، يحيد عن

المسار الدِّيمقراطي، و يتلكّأ في تطبيق مبادئ حقوق الانسان، فإِنَّه لا محالة سيُرفض من قبل أَبناء شعبه.

حتّى أَنَّ الحملات الاستعمارية، التي كانت تقوم بها، بريطانيا العظمى في القرن الثامن عشر و التاسع عشر، و النّصف الأَوَّل من القرن العشرين. فكانت تلك الحملات تُشنّ، تحت ذريعة (تحرير الشعوب). فمثلاً كان أَوَّل خطاب وجهه (الجنرال فردريك ستانلي مود)، للشَّعب العراقي في 11 آذار 1917 من بغداد، حيث قال: (إن جيوشنا لم تدخل مدنكم و أَراضيكم، بمنزلة قاهرين أَو أَعداء، بلّْ مُحررين). وفي ذلك رسالة الى العراقيين (لخداعهم)، مثلما هي رسالة للشعب البريطاني و للغرب، بأَنَّ بريطانيا تحمل أَهدافاً انسانيّة، عند احتلالها للعراق.

وعلى نفس هذه الخطى، سارت أَمريكا عند احتلالها للعراق في عام 2003. فأَصدرتّ الإدارة السياسيّة الأمريكيّة، قانوناً اسمته قانون (تحرير العراق)، الذي صادق عليه الكونكرس الأمريكي، في عام 1998. و لم تَغبّْ عن ذهنية المستعمر الأَمريكي، فكرة وضع غطاء قانوني لاحتلال العراق. كما لم تَغبّْ عن تلك الذهنية، تضمين هذا القانون مادة، يُذّْكَرُ فيها التمسك باشاعة الديمقراطية، و حماية حقوق الانسان. فقد وردَ في المادة الثانية من القسم الخامس، من قانون تحرير العراق، مواصفات المجموعة التي تحكم العراق، فذكرت مايلي:

(أَن تكون متمسكة بالقيم الدّيمقراطية، و باحترام حقوق الإنسان، و بالعلاقات السلمية مع جيران العراق، و بالحفاظ على وحدة أَراضي العراق..).

هذه المراجعة التّاريخية، إِذا ما أَضفنا إِليّها مبدأ آخر، يتبنّاه السَّاسة الغرب، و يُصرحُ به السَّاسةُ الأمريكيّون، على وجه الخصوص، بأَنّْ ( لايوجد لأَمريكا أَعداء على الدوام، و لا أَصدقاء على الدوام، لكنّْ يوجد لأَمريكا مصالح على الدوام). هذه الرؤية نجدها تتكامل، في المطابقة مع المبدأ المكيافلي (الغاية تبرر الوسيلة).

و المفارقة الملفتة للنظر، أَنَّ ساسة المعسّكر الغربي، نجدهم عملياً، يتنازلون عن تلك القيم، عندما يتعاملون مع حليفهم الهرم، نظام آل سعود. فلهذا

النظام، سجل أَسود في مجال الحريات الشخصية، و المعايير الديمقراطية، و حقوق الانسان. فهو نظام له هندسة حكم خاصّْة، لا يشابهها أَيُّ نظامٍ دكتاتوري في العالم. فهو النظام الوحيد في العالم، الذي يختزل إِرادة أَكثر من عشرين مليون مواطن من شعب نجد و الحجاز، في شخص الملك. و هو النظام الوحيد في العالم، الذي يسجل كل مساحة البلاد، أَرضاً و جوّاً و بحراً، بإِسم جدّ العائلة الحاكمة، و كأَنَّها مُمتلكاتٌ خاصة بالعائلة.

و من غيّْر الخافِ على المطّْلعين، بأَنَّ لنظام آل سعود سجلاً مشحوناً، بالظلم و التَّعسف، ضدّ أَصحاب الرأي، من المثقفين و السّياسيّين، و دُعاة احترام الحريات، و حقوق الانسان. و نظام آل سعود، يضطهد المرأة و يهضم حقوقها، بشكل جاهلي مُقّْرف. و نتيجة لتعالي أَصوات الجماهير المطالبة، بنيّْل حريّاتها الأَساسيّة، و خروجهم الى الشوارع للمطالبة بحقوقهم، تَشِنُّ السلطات السعوديّة في كلّ مرّة، حملات قمعية ضدهم، و كان منها اعتقال الشيخ نمر النمر، و الحكم عليه بالاعدام.

(…. و بحسب (هيومان رايتس ووتش)، يواجه المعتقلون في السعودية، بما في ذلك الأطفال، انتهاكات لحقوقهم في إجراءات التقاضي السليمة و المحاكمات العادلة، و يتعرضون للاحتجاز التعسفي و التعذيب و سوء المعاملة. و كثيراً ما يُصدر القُضاة السعوديون، أَحكامًا بآلاف الجلدات. و يمكن للقضاة إصدار أوامر بالاحتجاز و الاعتقال، تشمل الأطفال، بناءً على تقديراتهم الشخصية.)(انتهى). (المصدر/ نون سبوت).

و كانت الجمعيّة العامّة، للأُمم المتّحدة، قدّْ انتخبت السعوديّة، إلى جانب الصين و روسيا و كوبا في منتصف نوفمبر 2014، لعضوية مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإِنسان، رغم امتلاكها لأَسوأ السجلات على الإطلاق، في مجال حماية حقوق الإِنسان. لكن السلطات السعوديّة، رفضت ذلك. في خطوة منها، لمنع أي انتقاد، توجه لها منظمات حقوق الإِنسان، و شخصيات عالمية مهتمّة في هذا المجال.

قال (علي اليامي/ مدير مركز الديمقراطية وحقوق الانسان): (ان لقرار الملك السعودي (عبد الله)، بمعاقبة كل من يقاتل خارج البلاد، انما هو امتداد لمرسوم ملكي سابق، يجرّم أَيّْ انتقاد للمُفتي أَو للأُمراء، أَو لهيئة كبار العلماء.

موضحاً أَنَّ قانون التجريم الجديد، موجهاً ضد الاصلاحيين و النشطاء، المطالبين بدولة قانونية، و عدالة اجتماعية، و احترام لحقّ الاقلية، و المساواة بين أَبناء الشعب، ليس إلاّ.)(انتهى)(قناة العالم).

و أكثر من ذلك، فقدّْ أَصبح نظام آل سعود، بحكم التركيبة الخاصّة به، و تبنيّه لعقيدة دينيّة، تمتاز بالتَّطرف و الغلوّ، من أول المنتجين لعناصر الارهاب. فالعالم يتذكّر أَنَّ أَحداث (11سبتمبر 2001)، التي عرف العالم، بأَنَّها أَوَّلُ عملية إِرهابية نوعيّة منظّمة، تم تنفيذها من قبل مجموعة إِرهابيّة، كان عدد السعودين فيها (15) شخصاً، من أصل (19) شخصاً نفذّوا العمليّة. كما أَنَّ نظام آل سعود، يعتبر مصدراً رئيساً، من مصادر تمويل الارهاب في العالم.

(أَصدرت وزارة الخارجية الأمريكية (في اوائل شهر حزيران 2014)، تقريراً ذكرت فيه، أَن التبرعات الخاصة من دول الخليج، ظلّت المصدر الرئيس لتمويل الجماعات الإِرهابية، و كشفت الوثائق أَنَّ الدَّعم الشرعي لهذه الحركات، يتكون من (7) أَشكال، أَهمّها الدعم المالي، عن طريق الصدقات، و التّبرعات و الزكاة، بعد إِثارة العاطفة و الحماسة لدى (البعض من) المسلمين، يَسبقه في ذلك، دعم شرعي لتحسين صورة القتال المسلح، و التجنيد و الدَّعوة له. وضمت الوثائق أسماء (28) شخصيّة سعوديّة داعمة لما يسمى (بالجهاد.)(انتهى). (موقع عراق القانون).

في الحَلَقة الثانية من هذا الموضوع، إِنّْ شاءَ اللهُ تعالى، سأَفتتح المقال بوثيقة جديدة، تُثبت تورُّط ملك آل سعود الجديد (سلمان بن عبد العزيز)، بتمويل الإِرهاب العالمي، منّذ الثمانينيّات من القرن الماضي. كما سأُغطي بالوثائق أَيضاً، التَّصريحات و البيانات الّتي قدّمها بعض السّاسة الغربيين، بمناسبة موت ملك آل سعود (عبد الله بن عبد العزيز)، و تولي أَخيه (سلمان بن عبد العزيز)، مقاليد أُمور شعب الحجاز و الجزيرة، ضاربين بعرض الحائط، القيم الدّيمقراطية، الّتي لا ينْفكّون عن المناداة بها ليّل نهار، بينما يغضّون الطّرف عنها كليّاً، عندما يتعاملون من سلطة آل سعود. و الله تعالى من وراء القصّد.