إرفع من أرفف الوطن العربي كتاباً عنوانه (السودان) .. وغُضّ البصر عن الصفحة الأولى متجاهلاً إياها، قافزاً عليها الى صفحة او صفحات تليها.! .. فلم تعد السودان الشقيقة هى ذاتها المصنّفَة المرسومة في الأذهان (أكبر دولة عربية مساحةً للجيل الفخور الغيور) بالوطن الكبير من الخليج الى المحيط.!
السودان التي ظلت لعقود بجروح إسمها (الجنوب) ولم يُضمّدها السلاح شمالا ولاجنوباً .. آلمتني صباح اليوم القراءة عنها خبراً (تعرضت أجزاء واسعة من السودان للدمار من جراء الأمطار الغزيرة والسيول التى اجتاحت المدن، بما فيها العاصمة الخرطوم).!
ثم ولم يكتف الخبر صياغته بالمداد والقلم، بل وتواصلت رؤووس أقلامها أصنامها:
Ø وحاصرت المياه العاصمة الخرطوم وباتت مهددة لأمدرمان.!
Ø الخسائر الأولية تشير إلى تدمير ما يزيد على 1000 منزل.!
Ø غمرت السيول 12 ألف فدان من المساحات الزراعية.!
Ø أتلفت الأمطار عشرات الآلآف من الثوم والبصل والذرة والفول وغيرها.!
ومن المؤكد أن هذه الأقلام لن تكتف بهذا القدر من الرؤوس بل وستأتي بالنفوق، نفوق آلاف رؤوس الماشية، مما يعني القضاء على الثروة الحيوانية في البراري والثروة السمكية في البحار، ويعني الإتلاف في المحاصيل الزراعية، والإعاقات في حركة النقل الجوي والبري والملاحة البحرية، ثم يعني ويعني.!
ومن المؤكد انه خبر آلم من قرأه من داخل السودان وخارجها، سواء من كان قد رأى السودان وأحبها من الداخل، أومن سمع وقرأ عنها من الخارج ولم يزرها، لأن السودان محبّبةٌ من الداخل والخارج للسودانيين ولغير السودانيين.
ثم وأثلج صدري ما قرأته مساءا اليوم عن صدى الحركات المتمردة، أنها قررت وقف عملياتها ضد الحكومة السودانية تفاعلا مع الكارثة الإنسانية التي خلّفتها السيول والفيضانات التي ضربت ولايات السودان شمالا وجنوبا.
هنا يجب ان اشكر (مالك عقار)، ترى إن كنتم تعرفون مالك عقار من هو.؟ ..
إنه قائد ما يسمى قوات الجيش الشعبي المتردة على الحكومة بالخرطوم .. الصوت الذي سُمع من جنوب كردفان وجبال النوبة والنيل الأزرق منذ الإنفصال، وانزعجت منه الخرطوم الكثير، إذ أصدر هذا العناد الذي قيل عنه الكثير أوامره لقواته بوقف العمليات العسكرية تمردا، والتوجه إلى مساعدة المواطنين النازحين والمتأثرين من السيول تطوّعاً.!
لكن لماذا يا مالك عقار وقف التمرد فقط من نهاية أغسطس إلى نهاية سبتمبر .؟
وهل يعني بعد سبتمبر العودة إلى النزيف الجنوبي الشمالي للسودان الشقيقة.؟
ان السودان الشقيقة محيطة بالاتجاهات الاربعة من الخارج بكل المآسي الموروثة للربيع والعربي، ولكنها ولله الحمد لازالت بالف خير من الداخل .. والسر في ذلك ان الدم السوداني لم يتقبّل التحريض والتشنّج على بعضهم البعض، الخرطوم الجارة للقاهرة وبنغازي وتونس ومالي وغيرها الملتهبة بحمم البراكين، لازالت في مأمن من تلك الّلهب التي لم تخترق الحدود السودانية شمالا ولا جنوبا، لان السودانيين مهما اختلفوا فيما بينهم من الداخل، جعلوا السودان للخارج سودانا واحدة.
إن الكوارث والازمات توحد السواعد المزيلة للكوارث والمحيطة بالسواعد، نريد ان نلغي سياسة الجحود ونكران الجميل عن السودان وعن جيران السودان، كلها لا بعضها .. أليست السودان في افريقيا العرب.؟ .. فالخرطوم جارة بنغازي والقاهرة وتونس ومالي وغيرها.؟!
نريد ان نلغي سياسة الجحود ونكران الجميل من تلك العواصم كلها، لأنها بلدانٌ منذ قرون كانت تنتج إمّا النفط والغاز للطاقة، او القمح والفول والذرة للأكل، او الماء العذب للرىّ والشراب، فمن اين اتت ما اتتها من السلع في الآونة الأخيرة.؟ انها سلع مستوردة ودخيلة لم تكن من خصوبة أراضيها ولا طباع راعيها.!
نحن نعلم ان شعوب تلك المناطق شعوب متسامحة، شعوب اوفياء، شعوب منتجة بعرق الجبين، شعوب مخلصة فدائية لتراب الوطن، وعدائية مفترسة في وجوه أعداء الوطن .. فلتتكاتف تلك الشعوب معاً بسواعدها (الأصيلة الّلادخيلة)، السوداني بالّليبي، والمصري بالتونسي والموريتاني بالجزائري..
لإيقاظ تلك الروح النائمة، طالما هى نائمة ولم تغادر الجسد.