18 ديسمبر، 2024 8:11 م

سينوغرافيا الممثل المسرحي

سينوغرافيا الممثل المسرحي

من الطبيعي ان يكون للممثل رأي خاص به كمتلقي لكن هذا الرأي لن يكون ذا قيمة فنية على مستوى اداءه التمثيلي لانه رأي من الخارج اولا ومن ثم ليس ذا علاقة مباشرة بتمثيله هو كمهنة بشكل عام ولا توجد علاقة مباشرة يمكن الإفادة منها في اداءه للشخصية المراد تمثيلها بشكل خاص, لأن ماقبل قراءة نص المسرحية بل وما قبل التفاهم مع المخرج حول خطته لإخراجها, يكون من الصعب على الممثل ان يقوم باتخاذ أي خطوة غير قراءة النص والاستماع او قراءة ملاحظات تبين خطة الاخراج المقترحة لهذا النص, بالتالي من غير المعقول ان يكون للممثل رأي في تكوين فكرة عن شخصية يراد منه تمثيلها بدون أي وضوح في الرؤية ما عدا استناده الى خياله هو لوحده, فهذا لا يعني الا ان الممثل اتخذ له دورا كمؤلف اولا ثم مخرجا لهذا النص المسرحي.

ان ما يذهب اليه ستانسلافسكي من ادعاء بأهمية تفرد الممثل بفنه واعداده له ليس اكثر من تناقض وقع فيه هو بنفسه حينما اتفق مع جريج في اولوية ان يكون الممثل عنصرا فنيا وليس قطبا يوازي المخرج, فما يقترحه في كتابه اعداد الممثل عاد لينفيه في كتابه فن المسرح, مما يدل على تخبطه؟, لا ابدا, انما يدل على كونه يدون يومياته وافكاره الغير مثبتة بالتجارب الكافية لتكون سياقا يعتمده غيره ليثبت جدارته من بين جميع الاطروحات الفنية في فن التمثيل في عصره, ولعل ابرزها التي تناقضه تماما, مايرخولد, بالتالي ليس من المنطق اتخاذ ما يقوله ستانسلافسكي بيانا لاتجاه فني اكثر منه اراء فنان مسرحي تتغير بتغير تجاربه التي يقيمها هو شخصيا, فليس من المعقول ان يكون لتجربته في غرفة النوم في محاولة تقمص شخصية عطيل أي دخل بوجود الزبدة والشيكولاته بنفس الحدث, تلك التجارب الشخصية على مافيها من خيال روائي غير جدير بأن يكون رواية والا لاتخذت لها طريقا منافسا بين الروايات العالمية, ليس اكثر من محاولة لتدوين تاريخ شخصي, بتجارب شخصية, لأن عمل الممثل مع نفسه يبقى مع نفسه, وخاصا به هو لا يصلح لغيره, لاختلافه عن ممثل اخر, يتضح ذلك في كتاب إعداد الممثل لستانسلافسكي في الفصل الأول منه وتحت عنوان الامتحان الأول الصفحة 20 يقول ( وتعمدت ان اذهب لفراشي مبكرا لكن عيني وقعت على قطعة من الشكولاته فأذبتها في شيء من الزبدة وحصلت على سائل بني اللون كان من السهل ان أغطي به وجهي لأبدوا كالمغربي وعندما وقفت امام مرآتي لم تمض برهة حتى اعجبت ببريق اسناني ولم البث ان تعلمت كيف احرك عيناي حتى يظهر بياضها ولكي استغل هذا المكياج الى غاية مااستطيع كان علي ان ارتدي ثيابي وما كدت البسها حتى اغرتني الرغبة بالتمثيل ولكني لم اخترع شيئا جديدا وانما اعدت ما صنعت بالامس وبهذا بدا لي ان تمثيلي لم يسر الى غايته ومع ذلك ادركت انني ربحت شيئا من فكرتي عما ينبغي لعطيل ان يكون ), وستانسلافسكي لا يعير هذا الاختلاف اهمية على صعيد الممثلين اكثر منه تركيزا على كون الاختلاف والتنافس ما بين المؤلف والمخرج في مقابل الممثل فهو ينافس المؤلف اشد منافسة قد لا يكون تيشخوف ووفاقه تقريبا معه الا لكونه موجودا على قيد الحياة وصديق له, ان هنالك منافسه للمؤلف من قبل ستانسلافسكي لايمكن معها فهم كيف يريد من ناحية ان يكون الممثل متقمصا وكيف يكون هذا التقمص ممكنا في حالة ادخال الممثل تلك المعلومات الغريبة عن النص والتي تصنف كأبعاد للشخصية, فعلى صعيد الابعاد الشخصية التي عمل عليها ستانسلافسكي ليتضح له شكل شخصية عطيل فقد استخدم الشوكلاته ليؤكد ان عطيل افريقي وليس مغربي, ولانه اسود البشرة فأن لابد وان تكون اسنانه بيضاء, وبياض عينيه واضح ايضا كوضوح اسنانه, ولن يعرف قارىء كتاب اعداد الممثل من اين جاء ستانسلافسكي بهذه الصورة التقريبية التي يقترح ان يظهر بها كشخصية عطيل لأنه لم يذكر ابعاده هو, ففي حالة وجود ابعاد لشخصية عطيل ماذا عن ابعاد شخصية ستانسلافسكي ليتم التوافق بينهما على اساس ما يقترحه طريقا وحيدا لا غيره في فن التمثيل أي تقمص الشخصية.

ان ما يعول عليه ستانسلافسكي هو التأكيد على انفراد الممثل برؤية خاصة به للشخصية ليؤكد تفرده الفني, مع ان هذا المنحى يؤذي تكامل العرض المسرحي الذي لمسه شخصيا حينما عمل مخرجا مسرحيا, فكل ما يركز عليه هو اتخاذ الممثل للقرارات السينوغرافية في بناءه الشخصية ومع هذا يعود ليقول ان العمل على الدور من الداخل للخارج هو اساس فنه التمثيلي, فما حدث معه امام المرآة في محاولة تصوير شخصية عطيل لنفسه هو باختصار اعتبار نفسه كمتلقي تقبل هذه الشخصية مما انعكس هذا الرضى على اداءه كممثل بدون أي فكرة عن فاعلية هذا الاتجاه في عمل الممثل في اداء الشخصية المسرحية, هو من اتخذ القرار وهو من صفق لنفسه اخيرا, ويدعوا الممثلين الى اتباع هذه الخطوة مبدئيا, ومن ثم يعود ليسرد في كتابه اعداد الممثل ذاته, كيف ان تفرد الممثل بعمله ليس هو الطريق الصحيح, ولن نفهم كيف يتناقض الا لو اعتبرنا هذا الكتاب لا يهدف الى اعداد الممثل كما هو عنوانه بل يسرد قصة ممثل ستختلف نظرتنا اليها لو قورنت بباقي قصص الممثلين على اختلاف تجاربهم ونتائج ما توصلوا اليه منفردين في محاولة تمثيلهم لشخصية عطيل على سبيل المثال, ومع قليل من الانتباه سنلاحظ كيف ان محاولة تصويره لشخصية عطيل منفردا فيها اقصاء غير مجدي لادوار كل من النص ونص العرض والسينوغرافيا خصوصا, فهو يعتقد ان على الممثل ان يرى عطيل لوحده منعزلا عن أي محيط مسرحي, والا لكان هنالك دورا سينوغرافيا اقل بكثير مما افترضه ستانسلافسكي للممثل.