كل الدلالات تشير الى ذلك ، قد يراني الناس أشتّ من الجمع أو أخرّص ، ولكن العرب طال سباتهم كثيرا ، وأصبح زائدا عن الحد ، غير مقبول التصديق ، وهذا اراه اوضح الاشارات ، أوغل العدو باذلالهم وسيد عليهم ارذالهم لمّا تمكن منهم ، بل وتسيّد القسم الاخر من السفلة والجزارين والجهلة والفاسقين دون معونة من عدو ، الا من خور العرب انفسهم وتخاذلهم بل واستخذائهم لحد لايقبله من له شعرة من كبر ، او ذرة من عقل .
وصلوا المرحلة التي لا مرحلة بعدها من الانحطاط فما بقي الا النهوض ، لم يبق لديهم شيء يخسرونه لا في مصر ومن وراءها السودان والشمال ، ولا في العراق ومن دونه كل المشرق ، ولا في الجزائر ومن حولها كل المغرب ، ولا حتى في الجزيرة مهبط الوحي ومبعث النبوة التي صارت مزقا وسخرية وأمعنوا فيها واثخنوا الجراح .
دويلات مصنوعة مسلطة لتؤدي دورا لا حول لشعوبها فيه ولاقوة ، يغرقون مغرريهم بالمال واللهو ومتع الحياة فيخدرونهم عن قضاياهم المصيرية ومستقبل اولادهم والاجيال التي مسخت لصالح المتربصين بالامة من حولها ليهدروا فلسطين والقدس والكرامة ، ثم ولاشك الدور قادم على الحرمين ، فكل الدويلات الخليجية المصطنعة دخلت في النموذج الاماراتي ، ولا ينتظر الامير المراهق في الدولة الحقيقية الكبيرة الا ان يصبح حاكما مطلقا بعد موت من يستحي قليلا من الناس والله ، ليحاول بعدها ان يتحكم ايضا بالبلد الثاني الحقيقي من بلدانها ، الذي يعمل فيه تمزيقا الان بحجة محاربة الذين هم “فعلا” صنيعة ايران ، لتنطلق يده على الجزيرة كلها .
تشرد الشباب العربي في الافاق بهذا الشكل الصارخ المخزي وتقلبهم بين ايدي الناس ليتحكموا بهم كما يشتهون في بلاد الغرب ، فأنت عد الى اهلك وانت ابق بشروط ، وانتِ اتركي زوجك وانت اترك اولادك وانت لارعاية لك ، والاخر يُقتل فيعفى عن قاتله لان الاخير من اهل الدار ، والاخر يبدل دينه ليعيش وغيره يخشى الذهاب للصلاة لئلا يطرد او يقتل غيلة او جهارا تحت انظار (البوليس) .
عشرات الالاف من تلك الحالات مما لا يمكن ان يقبل وان يدوم الى الابد ولا ان يستمر اكثر ، فهو وضع شاذ لاتقبله فطرة النفس ولا جبلة الانسانية ، طرد العربي واستهجانه وتمزيق جوازه والقاءه في الطرقات لانه لا كرامة له ولا سند من دولته ولانظامه الذي يخضع في الاساس للعمالة او للسفالة ، أمر لايمكن ان يدوم للابد ، ولايمكن ان يستمر اكثر ، بل سيكون النهوض من هذا الجيل باذن الله ، نعم هذا الجيل لاتستغربوا أبدا .
لا تيأسوا ،، رغم حجم الاسفاف المبالغ فيه الذي وضعونا فيه ووضعنا انفسنا فيه ، والتركيز على الشباب للهجرة والتشرد في الأصقاع وعلى الجيل الصاعد ليتحول الى “بنات” نفسيا وفيزيائيا ، وكل الاهمال الابوي والتطبيل وراء التطبيع والتبرؤ من الدين والانسلاخ منه ، والضخ باتجاه اهانة وتحقير الفقهاء ونتاجاتهم بحجة تنقية التراث ، والتجرؤ على العلماء العاملين بحجة كل يؤخذ منه ويرد ، والتطاول على رجال الدين بالتعميم المقصود والموجه على انهم سبب التخلف وان العلمانية والتطور اوله نبذ الدين ، “القانون المضلل” الذي جعلوا شباب بل ورجال العرب الناضجين بل والمثقفين يسيرون وراءه بعمى ، وسوّقوه للعرب فقط ، وصدقه العرب فقط ، فلم يصدقه الباكستانيون الذين صاروا دولة نووية بالاسلام ، ولا الماليزيون الذين اصبحوا دولة الكترونية بالاسلام ، ولا الاتراك الذين عادوا دولة صناعية على يد الاسلام بعد ان حطمها العسكر والعلمانية وسحقوها لقرن وجعلوها مسخا وتابعا واضحوكة . العرب سينتبهون بل وانتبهوا باذن الله ولن يثبطهم نموذج المطبلين المغرر بهم هنا وهناك والذين نراهم بيننا يحاولون النيل منا كل حين ، فهذا يروج لهذه الدويلة المنخرطة في الذل وذاك لتلك التي تتاجر بالدماء والاراضي ، والاخر لقائد مسخ والرابع لزعيم ذليل في ركب اسياده . يطبلون بجهل او بغفوة او بتمويل مدفوع ، ومحاولة التفريق بين العربي من هذه الديانة او تلك ، كلهم لن يوقفوا نهضة العرب القادمة ، العرب بكل طوائفهم ومشاربهم .
من هذا الجيل نعم سياتي النهوض ولا تعجبوا ، الجيل الذي تظنون فيه الاسفاف والتخنث والرقص واللعب ، فيهم ملايين ليسوا كذلك ، فيهم ملايين يعدهم الانترنت والاطلاع على حرية العالم وتحرره وتقدمه اعدادا عكس مانخافه وننقم منه ، حتى من تخنثوا ومن تسكعوا ستنتهي ملذاتهم ويصحون ويساهمون ويلتحقون بالركب وينهضون باذن الله . لقد نهض العرب فكريا وادبيا نهضة كبيرة في منتصف القرن الماضي شعّت على ارجاء بلدانهم والعالم ، بعد انحدار كبير في هذا الجانب وإيغال المستعمرين فيهم ، وتدارك المتربصون ذلك وبداوا بالالتفاف عليها سياسيا برجال تغلغلوا وحكموا وحطموها رويدا رويدا ، ليصلوا بالعرب الى عصر الاسفاف الفني والادبي بعد العصر الاصيل من الابداع في الجانبين .
هذه المرة عرف العر ب اللعبة ، وسينهضون سياسيا بالقضاء على الماجورين وتملك زمام امورهم في السياسة أولا ، وما الادب والفن عن مبدعيهم ببعيد ولن ينضب معين عقل العربي ووجدانه .
ولقد حاول العرب النهوض فعلا في ثورات متفرقة آتت اكلها الى حين في بداية هذا القرن ، ولكنهم التفوا عليها مجددا بعد ان صدمتهم واختل توازنهم لسنوات ، التفوا بحج كثيرة وعادوا بالعسكر او الدكتاتوريين او انظمة مسخة ، وسلطوا ادواتهم من دويلات الخليج بالاموال وكل سبيل للقضاء عليها فنجحوا للاسف ، نعم في مصر والسودان وليبيا ، وانقذوا صاحبهم في سوريا وخدعوا العراقيين والجزائريين بانظمة ترقيعية لامتصاص الهيجان ، ويوازنون الامر في اليمن ولبنان ، وهكذا عندما تهدا الصومال تشتعل موريتانيا وعندما تهدا هذه يشعلون تلك . ولكن هذا ليس دليل القضاء على العرب نهائيا بل هو بداية نهضتهم باذن الله ، فما بعد الهدم الشامل الا اعادة البناء حيث لا شيء بقي للهدم . وسيعيد العرب الكرة ، كرة نزع المأجورين التابعين المتسلطين عليهم جبرا لا اختيارا لأغراض باتت واضحة لا تحتاج الى تنوير ، بل اننا في نهاية عصر التنوير وبداية عصر النهوض باذن الله ،وليس ذلك عن همة العربي ببعيد “وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ”.