جدلية اللغة والسيميولوجيا في السينما:
(جرعة من الثقافة السينمائية الجلية المختصرة في مقالة واحدة مبسطة وممتعة):
*ماذا قال جودار الفرنسي (مؤيد الفلسطينيين)عن الربيع العربي بفيلمه التجريبي اللافت الأخير”صورة الكتاب او كتاب الصورة”؟:
*”كنت ساؤمن به لو كان ثورة حقيقية، لكنه لم يكن حقا كذلك”!
*ملخص لافت لأهم سمات أفلام “غودار وترفو وتاركوفسكي وبازوليني وأنطونيوني وبيرتلوتشي وبونويل”…
*في العام 1951، تأسست مجلة “كراسات السينما”، والتي ضمت العديد من الأفلام المهمة، مثل أندريه بازين، جاك ريفيت، أريك رومير، ترفو وجودار. (124)
*تأثرت الموجة الجديدة بحركة الواقعية الايطالية، التي بداها كل من روسيلليني ودي سيكا وآخرون، حيث كانو يذهبون الى الشارع، ويستخدمون ممثلين غير معروفين وغير محترفين.(125)
*أول فيلم لحركة ” الموجة الجديدة”، كان من توقيع المخرج روجر فاديم، سنة 1956، والمعنون ب “وخلق الله المرأة”، حيث كتب نصه ومن كان من بطولة “برجيت باردو” ذات ال22 سنة.(126)
*”على آخر نفس”: هو آخر عمل روائي لافت لجان لوك غودار (1960)، بطل القصة شاب، يحاول التحرر من القيود الاجتماعية، التي ألجمت طموحه وحركاته نحو التحرر، حيث يتعرف على فتاة امريكية لديها نفس هذه الهواجس الداخلية، وتعيش تقريبا بنفس اسلوب حياته، لذا فقد نشأت علاقة بينهما يصعب تفسيرها، وتحس كمشاهد ان الفيلم لا يحمل أي رسالة اجتماعية، او أخلاقية، كذلك يبدو وكأنه يفتقد لأي عمق، حيث انها تقوم في النهاية بخيانته بلا سبب واضح، وجمع غودار هنا ما بين عناصر “الاختزال والانجاز والارتجال”، كما أنه نسف فكرة الخط الروائي التقليدي، ومنع المشاهد من الاستسلام للحبكة القصصية، والانقياد لها والاندماج بالحدث، ودفعه قسرا للتأمل والمشاركة الذهنية لفك رموز ما يشاهده على الشاشة.
*ومن اهم الأفلام الروائية الطويلة ايضا، هو فيلم 400 ضربة للمخرج ترفو، حيث شارك في مهرجان كان 1959، وحصل على جائزة احسن مخرج، حيث استند المخرج لأحداث من طفولته.(127)
*قام جودار باختصار بتثوير شكل الفيلم السينمائي، وحرره من القيود والمسلمات في لغة السينما، وذلك من خلال اعادة كتابة قواعد السرد والصوت والصمت والتناسخ، كما تحدى الأساليب التقليدية الدارجة، في انتاج السينما الروائية وتوزيعها وعرضها الهوليوودية، وحاول استبدالها باستحداث نوع جديد من السينما.(131)
*تقنية جودار: تكمن جلية في آخر افلام هذه الموجة، بفيلمه “وداعا للغة”، الذي انتج بالعام 2014.(128)
*الجندي الصغير: انعكاس الفكر للحرية:\يتناول فيلم الجندي الصغير لجودار، قصة تمرد جندي فرنسي، وذهابه لسويسرا، وتكليف اليمين المتطرف له، باغتيال صحفي سويسري متعاطف مع الثورة الجزائرية، حيث يلتقي أخيرا بفيرونيكا ويقع بحبها، وهي التي تعمل لصالح جبهة التحرير، التي تقبض لاحقا على برونو بعد أن قرر السفر الى البرازيل برفقة فيرونيكا، ويتم تعذيبه من قبل الثوار ثم يجد طريقا للهرب، بعد ان عقد صفقة مع الفرنسيين، لتسهيل هروبه، ثم ليكتشف ان فيرونيكا تعمل لصالح الجبهة، وهنا تقع هي تحت طائلة التعذيب، لتلقى مصرعها، تحت أيدي جلاديها.(133)
*يحفل هذا الفيلم بفكر جودار الفلسفي، ويساريته الطافحة، وفيه انتاج بارع لنص حافل بالمعضلات المطروحة، وبلا حلول ظاهرة.(133)
*حيث يمكنك ان تجد وجودية جودار، بوجود سارترية متعددة، كما ستجد عبثية جودار، برؤى عبثية ألبير كامي، ايضا ستجد نسوية “سيمون دي بوفوار”، كل هذه المفاهيم عكستها المومس “نانا”، الشخصية الرئيسية في العمل، في مغامراتها وصلاتها، بداية من المتجر الذي كانت تعمل فيه، وحلم حياتها يحفر في اعماقها، من اجل أن تصبح ممثلة، ليحيد هذا الحلم، او يجبرها على المشي على طرق الشوك، وتواصل مغامرتها الحياتية، من عملها كبائعة، الى عملها كمومس، تبيع جسدها لكل من يدفع، حيث خبرت مختلف المواقف الانسانية… انه فيلم يعري المجتمع، ويفضحه، من خلال تسليط الضؤ على الفرويدية، لذا جاء المونتاج جافا وعنيفا وحادا بشكل مذهل، كما ان كل شيء آخر كان خشنا وجافا في هذا الفيلم…(134-135)
*ليس هناك أكثر اصابة في العمى، من هؤلاء الذين لا يريدون ان يروا!
*أما فيلم “بيير المجنون” لجودار، فهو فيلم غريب، فقد نقل للمشاهد لقطات صادمة، تسخر وتدين كل شيء: الفن والسياسة والمجتمع والحياة، لتأتي نهاية الفيلم صادمة ومدهشة وغير متوقعة تماما، وهذا أثناء قيام “فرديناد غريفون” بقتل صديقته ” ماريان”، التي شاركته مغامراته، مع اخيها المزعوم، ليلحق بها بعد أن يفجر نفسه بمادة الديناميت…
*بالاجمال لقد امتلكت افلام غودار: البعد المفاهيمي، الجمال التصويري والحقيقة الوثائقية الصادمة…وبالتالي لم يكن مفاجئا اتشار تأثيره بين المخرجين عبر العالم، حيث مثل مدرسة فريدة في الاخراج السينمائي.(136)
*ماذا قال جودار عن الربيع العربي بفيلمه التجريبي اللافت الأخير”صورة الكتاب او كتاب الصورة” (لا ليفر دوماج)، والذي حقق جائزة السعفة الذهبية الخاصة في كان 2018 (وهو انتاج فرنسي/سويسري مشترك)؟:
*”كنت ساؤمن به لو كان ثورة حقيقية، لكنه لم يكن حقا كذلك”! رؤيا تحذيرية للعالم البائس تضج بالصور في نهاية العقد الثاني للقرن الحادي والعشرين:
*الفيلم هو تجربة فلسفية ادراكية فريدة من نوعها، انه بمثابة صدمة سينمائية لازمة لاحداث الصدى المطلوب بوعي المشاهد، وهو يمزج هنا ببراعة مشاهد لافتة من جملة افلام سينمائية ذات بصمات خالدة، مثل فرتيغو لهيتشكوك، وسالو لبازوليني ، والنهر لرينوار، والفيل لفاس فان سانت وغيرها، ويخلطها بشكل معبر مع مشاهد من مظاهرات الربيع العربي، ثم ينتقل ببراعة لمقاطع مصورة من فظائع عصابة داعش الارهابية “المشبوهة”، ويتخللها تعليق صوتي مؤثر لجودار نفسه، والفيلم يخلو تماما من الممثلين، حيث يستعيض جودار عنهم، بخضم ضخم متنوع من الصور الصادمة…معبرا عن ادانته المطلقة للحروب التي تحدث الدمار الهائل في النفوس والمرافق والأبنية وتقتل البشر وتدمر الحجر، مختارا بعناية مشاهد كارثية للقصف والتفجير والانفجارات والهلاك، طارحا مواضيع جدلية مثل الدين والسياسة والطائفية والكراهية، كما بهواجس النازية والفاشية ومخاوف التسلح النووي القائم، ثم ينتقل بسلاسة لقصص الثورات وجدواها وتبعاتها وممويلها وادواتها، منحازا تاريخيا للثورة الصادقة الحقيقية، ولكنه مشككا بجدوى الربيع العربي الخائب، ولا يبرأ غودار ساحة الغرب اللئيم الاستعماري (ولا عملائه العرب الأثرياء من التواطؤ والتمويل السخي )، ومشيرا باصبع الاتهام لتسببه المقصود بالفوض “الخلاقة وغير الخلاقة”، مشيرا لعدم الفهم المزمن للعالم العربي والبعد الاستشراقي المشبوه…منتقلا الى لقطات للوحات رسامين غربيين مرموقين لنساء الشرق الجميلات…ومدى الافتتان بأجسادهن الممتلئة (ما يسمى الحريم)، ويستهل غودار فيلمه الأخير هذا بلقطة معبرة ليد بشرية ترفع باستفزاز “السبابة والابهام”، تاركا الغموض سيد الموقف: فهل المقصود الوعيد والتهديد، ام الانذار، أم التريث والتأمل…او ربما يشير لطريق الخلاص او اللامبالاة والعذاب وصيحات الانذار؟! (هذه الفقرة بكاملها هي اضافة “نوعية” من كاتب المقال، مشتقة ومعدلة ومعادة الصياغة باختصار من تقارير مهرجان كان المنشورة بصحيفة القدس العربي اللندنية)…
*كان المخرج الكبير بازوليني يقول: “إنني لا أخطئ الوجوه”..!
*يعد النقاد آخر فيلم لبازوليني قبل اغتياله “سالو” من اكثر الأفلام تطرفا في تاريخ السينما، ومثلثها الأزلي المتمثل في السياسي والعسكري ورجل الدين، حيث يتحدث بتركيز شديد وصراحة متناهية عن دوران الانسان في فلك السلطة.
*ان السينما تقوم بنسخ الواقع صوتا وصورة، ما الذي تفعله اذا بنسخها للواقع غير التعبيرعن الواقع بالواقع.(76)
*قال برتولوشي معلقا على فيلمه “1900” المنتج بالعام 1976، فيما معناه بأنه مغتبط لأنه حصل على ملايين الدولارات، من بعض المنتجين الحمقى في هوليوود، لكي يصنع اكبر “علم احمر” عرفته السينما في تاريخها، مع حرصه الدائم على الجمالية، وتجديد التقنية، حيث معظم قضاياه المطروحة سياسية-فكرية، يجيد ببراعة تخبئتها وراء القصص الاجتماعية، أو يتناولها احيانا دون مواراتها، لذا يمكن وصف سينما برتولوشي بالسينما الراهنة والمعاصرة جدا، التي تعبر عن الوعي الثقافي الاوروبي.(117)
*يضيف “فرانسيس فورد كوبولا وماتن سكورسيزي وستيفن سبيلبيرغ”، كلهم اخبروني بأن فيلم “الممتثل” (عن رواية ألبرتومورافيا)، كان هو المؤثر الأول لديهم، فما الذي وجدوه ملهما في الفيلم؟ بناؤه المركب او المعقد، ام الاسترجاع (الفلاش باك)؟(119)
*على غرار فيلمه المثير للجدل “التانغو الأخير في باريس” (1972)، يخرج بيرتولوشي مكبوتات جنسية عميقة من الماضي، ساعيا لتلطيف الحاضر والمستقبل، حيث يرفع من مكانة الجسد الى اعلى مراتبها، ليغضب الجسد عن كل شيء، عن الاستهلاكية الرأسمالية، عن الخطابات المضادة لحرية الجسد، عن حفريات الذات المضطربة والخانقة من الجسد.(120) …(وقد اعترفت الممثلة ماريا شنايدر مؤخرا قبل وفاتها بأن “مارلون براندو وبرتلوشي” قد تآمرا عليها في لقطة الاغتصاب الشهيرة في الفيلم، حيث ادعت أن الاغتصاب بالزبدة كان حقيقيا ومؤلما ومهينا)!
*فالرؤيا “الفوكونية” تتجلى في بصريات بيرتولوشي دائما، خاصة رؤية فوكو حول بيولوجيا الجسد، وثلاثية “الذاتوية والمعرفة والسلطة”، حيث يفزعنا هذا المخرج عن ديناميكية ذواتنا، التي تفعل ما تريده لكي تشعر بالخلاص: خلاص الجسد، خلاص الحب، خلاص الخلاص…
*واخيرا فبرتولوتشي يعد اسطورة تحرر الجسد من كل شيء، والدفاع عنه، بأشكال ما بعد حداثية فوضوية متحررة من كل القيود.(121)…كما يتحاشى في أغلب افلامه الانزلاق صوب البروباغندا السياسية، بقدر ما ينحاز الى التأمل في الأحداث والشخوص، واجواء خاصة تعبر عن مواقف بليغة، تلتزم بالمشهديات الجمالية والمجاميع الضخمة.(113)
*هناك العديد من المشاهد الشعرية في فيلم “الصحراء الحمراء” لأنتنيوني، مثل مشهد أزهار البنفسج في المقدمة، او كمشاهد الحلم بعد تنقية الألوان، لتذكرنا بالشواطىء الرملية الاستوائية.(89)…كما أن أفلامه تدمج ما بين “الواقعية البنيوية والجديدة والاسطورية”.(92)
*أبدع بيرجمان في فيلمه الشاعري الكلاسيكي “عين الشيطان” عبر التصوير الثابت بلقطات بعيدة وقريبة جدا، لم نشعر كمشاهدين بحركة الكاميرا فيها، لتظهر كلوحات سينمائية، تتماثل احيانا مع اعمال شابلن وميزوجوشي، ثم كمثال لقطات عديدة لفيلم “روما مدينة مفتوحة”، الذي كان يمثل ايضا الواقعية الجديدة…(96)
*يتمثل موجز السينما الشعرية في عدة نقاط هامة هي: الالهام الاسلوبي، واللغوي، والذاتي الحر الغير مباشر، ولن ننسى تضمين الذرائع الشخصية بشكل رمزي.(98)
*خصائص أفلام انتونيوني:
كرس هذا المخرج قدراته على اظهار ما يسمى “الشكلية الاخبارية”، بتعميق بصماته الاخراجية، المتمثلة في اللقطات الطويلة، وضعف ترابط المشاهد، وكسر ضبط السرد، ثم تصاعد الأحداث وتقطع المونتاج: كا انه لا يهتم بالحالات الانفعالية لشخصياته، ولا يحترم تغيير حالتها النفسية، وفقا للمواقف المختلفة، ومعظم افلامه تتحدث عن فقدان وخسارة والم، وجميعها تحكي عن اناس ضائعين، يهيمون على وجوههم، ويبحثون ملاذ وهوية وخلاص، ولا احد كما قال الياباني “كيراساوا” استطاع أن يصور العواطف والمشاعر الانسانية بمثل هذه الرهافة والحساسية والشعرية والشفافية التي تتسلل تحت الجلد لتحرك العواطف.(107)
*كانت حياة أنتونيوني حافلة بالانجازات والرؤى، ومفعمة بالسينما الحقيقية، وقد كلل هذا المسار، من خلال نيله اهم الجوائز العالمية، من بينها الدب الذهبي في البندقية، عن فيلم “الصحراء الحمراء”، والسعفة الذهبية ب “كان” عن فيلم “اللقطة المكبرة”، وجائزة لجنة التحكيم، واوسكار قدمته له اكاديمية الفنون عن مجمل اعماله في العام 1955، كما نال جائزة الأسد الذهبي عن مجمل اعماله، بمهرجان البندقية سنة 1993.
*”رولان بارت” هو أول من دعا الى التحليل السيميولوجي للصورة.
*ثم اخيرا: “بونويل يعزف على السينما مثلما كان باخ يعزف على آلة الارغن الموسيقية”/مقولة جودار حول سينما بونويل، وينهي المؤلف كتابه بقراءة سيميولوجية متانية لفيلم بونويل الشهير “كلب اندلسي”(1939)، الذي يعد نموذجا فريدا للسينما الفسفية/الشعرية المتطرفة.
*السيريالية كشعرية متطرفة/قراءة سيميولوجية في فيلم “كلب أندلسي” لبونويل:
*مفتتح: كان يا ما كان…شرفة ليلا…ثم رجل يقف جنب نافذة، يشحذ موسى، يتطلع الى السماء، فيرى سحابة تتحرك نحو قمر بدر، وبينما تمر السحابة عبر وجه القمر، تقطع شفرة الموسى عين امراة شابة.
*بونويل في اللقطة الاولى هنا، يؤسس لنوع جديد لرؤية الفن السينمائي، فتدمير عين فتاة جميلة ما هي الا استعارة استفزازية تدعونا لرؤية هذا الفن السينمائي الساحر بعيون جديدة!
*بعد ثمانية سنوات: شارع مقفر والدنيا تمطر.
*غرفة عادية بالدور الثالث في الشارع نفسه، امراة شابة تلبس رداء بألوان فاقعة، تجلس بمنتصف الغرفة منتبهة، وهي تقرا كتابا، حيث يتشتت انتباهها فجاة عن القراة…ثم تسير بخطو سريع نحو النافذة: الغرفة نفسها، قرب الثالثة صباحا، منذ ستة عشر عاما…في الربيع: كل شيء تغير…ثم لقطة النهاية…
*تبدو في الفيلم الدلالة هي اللادلالة، والترابط في اللاترابط، بمثابة اعادة تشكيل الوعي، وهدف القصيدة السينمائية هنا هو كشف المجهول، والبحث عن اللاوعي كوسيلة تعبير…هناك ثورة هائلة على الأشكال والمضامين القديمة، في خضم البحث عن أشكال ومضامين جديدة خلاقة.
*لقد بني سيناريو هذا الفيلم الفريد على اساس حلمين، واحد لبونويل، يتمثل بشفرة الحلاقة التي تشق عين المرأة، والثاني هو حلم صديقه دالي، الذي رأى فيه يدا يخرج من وسطها النمل، وعلى اساس هذين الحلمين، تم بناء هذه التحفة السيريالية الخالدة، وكان الهدف هو احداث صدمة عنيفة بداخل وعي المشاهد، وادخاله في متاهة الجنون!
*أخيرا فقد اكتشف الكاتب (عبد الكريم قادري) أن بعض النقاد العرب لهم نظرة سطحية جدا، وربما نظرة خاطئة لسينما الشعر، كما اني اكتشفت انهم يخلطون تماما ما بين السينما الشعرية والسينما الفلسفية، وبعضهم (من وجهة نظري النقدية) يكتب بشكل سطحي تافه واستهلاكي واخباري، عاجزا حتى احيانا عن توضيح حبكة ومغزى الأفلام التي يتحدثون عنها، بل ينغمس بعضهم بجرد أسماء واعداد وفئات العاملين والفنيين في فيلم ما بشكل لا معنى له، سوى استغفال القارىء العربي المسكين، وأشعر للأسف احيانا وكأن البعض يتحدث عن افلام لم يشاهدها ابدا على الشاشة، فهو قد يتحدث مثلا عن “المختلس” بدلا من “المتحرش” في وصفه للمعتدي في فيلم جنون لسودربيرغ، وكذلك يضع الاستيلاء على واحة الفردوس الافتراضية كبديل لاكتشاف المفاتيح الثلاثة التي تقود البطل المراهق للظفر ببيضة الفصح المخبأة في فيلم “اللاعب الجاهز اولا” لسبيلبيرغ، مستغفلا القراء المساكين، وربما ينقل احيانا ملخصه “بشكل سطحي” من صفحة الفيلم على الانترنت، متناسيا جل التفاصيل السينمائية الجوهرية، في استغفال غريب للصحيفة والقارىء العربي المسكين، كما يقوم بعضهم بعرض ملخصات مسلوقة عامة لأفلام المهرجانات، تحفل بالثناء النقدي المبالغ به والعرض البالغ التلخيص غير المفيد، ولا يلتقط احيانا الثيم الجوهرية للأفلام التي يتحدث عنها، من منطلق المجاملة والعلاقات العامة والاستسهال والاستغفال (وكلو عند العرب صابون والسلام وربما احيانا بطيخ وشمام), وهذا بالحق مؤسف تماما ومحزن، ولا يساعد في ارتقاء مستوى النقد السينمائي في العالم العربي، ولا على تمييز الغث من الثمين، ولا حتى على تطوير الصناعة السينمائية العربية!
مهند النابلسي / كاتب وباحث وناقد سينمائي /
*الخص عادة الكنب المعرفية والروايات بهذه الطريقة الموجزة (المبتكرة) التي تستند لسرد اهم الفقرات والجمل والملاحظات (من وجهة نظري النقدية والمعرفية)، ثم أذهب أحيانا لتلخيص منهجية واسلوب الكاتب بشكل لافت، كما اسلط الأضواء على أهم النقاط والتعبيرات، وباعتقادي ان هذا ملائم للكثير من القراء المثقفين المستعجلين المهتمين (في عصر الانترنت الرقمي)، واللذين لا يرغبون ربما بقضاء الساعات الطويلة لقراءة رواية او كتاب ما، ولكنهم يهتمون بالالمام بالخطوط الرئيسية ومعرفة الأحداث والخلاصة المعرفية. راجيا أن اكون قد وفقت بتحقيق هذا الهدف.
فهرنهايت451/فرانسوا تروفو1966: بل هو شيء اراد أن يقوله تروفو ولكنه لم يحسن صياغته
بلال سمير الصدّر
2014 / 3 / 14
فهرنهايت451/فرانسوا تروفو1966: بل هو شيء اراد أن يقوله تروفو ولكنه لم يحسن صياغته
حقق ترفو قبل هذا الفيلم (الجسد الناعم) الذي يتحدث وباختصار عن قصة حب تقليدية لا تقدم ولا تأخر كثيرا في فيلموجرافيا هذا المخرج السينمائية…ولكن هل لهذا اثر كبير في مسار تروفو الإخراجي؟
في الحقيقة لا نستطيع القول عن هذا الفيلم بانه كان كارثيا في فيلموجرافيا غنية متقلبة بين جيد ومتوسط وصولا إلى الرديء،ولكن إن كان علينا أن نفاضل وأن نقيم فهذا الفيلم يأتي في المستوى الثالث الأقل جودة بين افلام تروفو كلها،وتروفو نفسه تبرأ من هذا الفيلم لاحقا مثلما تبرأ بيرغمان من فيلم (كل تلك النسوة)ذات مرة.
لم يستطع ترفو الحصول على التمويل الكافي في فرنسا لهذه القصة التي كان متشجعا جدا على صياغتها في فيلم،فاضطر اللجوء الى هوليوود متغاضيا عن مشروع (بوني وكلايد ) في قرار سوف يندم عليه لاحقا وهو الفيلم الوحيد في تاريخه السينمائي الذي حققه من خلال تمويل هوليووودي…يقول تروفو في ملاحظاته:
بعد مشاهدة فهرنهايت 451 مرة ومن ثم مرة اخرى واخرى،أدركت بأني يجب أن اترك فكرة صنع الافلام باللغة الانجليزية-الفيلم ناطق باللغة الانجليزية-حتى ىاتعلم هذه اللغة…
ومع كل تلك الظروف بدا الممثل(أوسكار فارنر) الذي لعب دور جولي في فيلم تروفو السابق (جولي وجيم) متمردا على سياسات المخرج واتجاهاته في رسم الشخصية،حيث اراد فيرنر أن يكون بطل الفيلم(مونتاج) شاعريا،بينما اراد تروفو ان يكون بطله شخصية ضد البطولة نفسها،وربما لذلك كثيرا ما بدا هذا البطل في الفيلم سطحيا،وبالطبع لن يعمل ترفو مع هذا الممثل مرة اخرى…
جولي كريستي التي لعبت دور الزوجة والرفيقة التي سيتعرف عليها مونتاج اصبحت عشيقة عشيقات تروفو الكثر،كما ان الفيلم احتاج الى ميزانية ضخمة ولكنه لم يحقق أي نجاح ملحوظ سواء على المستوى النقدى او حتى على مستوى شباك التذاكر….هل هذه المقدمة قد نسفت الفيلم؟!
الفيلم برغم كل شيء متوسط المستوى مقتبس بالاساس عن قصة خيال علمي عن عالم تعتبر فيه القراءة واقتناء الكتب جريمة،و451 فهرنهايت هي درجة احتراق الورق واكبر ما في الفيام هو الكناية عن احداث معاصر ة واقتراب ثورة المثقفين التي شك الانفجار وكما هو معروف كان للسينما دور كبير فيها لأن كبار المثقفين في تلك الفترة كانوا من السينمائيين..ولا نعرف ان كان اسم البطل في الفيلم(مونتاج) عبارة عن كناية بحد ذاته..
تحولات القصة بطيئة ومليئة بالتفاصيل التي لاتخدم القصة احيانا،والتحولات في شخصية مونتاج بدت مقنعة على الاقل وكحسنة محسوبة للفيلم،علكانت على وة ان ح جةالاحتراق ايضا كانت غير مقنعة:
الكتب ممنوعة لأنها تجعل الناس غير سعداء
بحيث نكاد نجزم ان هذا الفيلم،حتى في اسلوبه الفني ليس لتروفو بالاساس
يقول مونتاج:اريد القراءة حتى اتذكر الماضي
مونتاج تحول الى ثائر ومن ثم مجرما مطلوبا،وينضم إلى فئة من القراء الخارجيين عن القانون الذين يحفظون الكتب في ذاكرتهم حتى لا يستطيع احد احراقها ولا ان يجدها…
الذي نستطيع قوله أن الفيلم ليس هفوة،بل هو شيء اراد أن يقوله تروفو ولكنه لم يحسن صياغته…
تروفو مخرج مختلف عن كل السابقين الذين تحدثنا عنهم،لأنه تنقل بين كل الانواع السينمائية تقريا من سينما الموجة الجديدة الى سينما الخيال العلمي لى سينما الجريمة والحركة…واحيانا الى افلام تبدو خالية حقهها لحب سينما امريكية وهذا موضوع الفيلم القادم لهذا المخرج.