18 ديسمبر، 2024 9:35 م

سيناريو داعش سيتكرر في السعودية

سيناريو داعش سيتكرر في السعودية

إذا كانت الوعود الأنتخابية مجرد سلم للوصول الى السلطة فأن مخاطبة عقول الناخبين لا يصطدم بحجر أو فراغ ، بمعنى إن المرشحين عادة ما يتناغمون في برامجهم الأنتخابية مع تطلعات ورؤى وآمال حقيقية موجودة لدى الناخبين ، وذلك لتغيير بعض المسارات ، أو تقديم بدائل عنها ، أو تعطيلها بالمرة ، حتى وأن تم إفتراض إن حسابات الحقل لا تشبه حسابات البيدر . المقصود بهذا المدخل هو الوعود التي أطلقها الرئيس المنتخب دونالد ترامب إبان حملته الدعائية السابقة للأنتخابات الأميركية التي جرت في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني 2016 . ونخص بالذكر منها ما يتعلق بمستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية . صحيح بأن الرئيس المنتخب ترامب قادم من خارج الطبقة السياسية ، وليست لديه خبرات كافية في هذا المجال ، وكان مضطلعا منذ الصبى بأمور المال وإدارة مؤسساته الأقتصادية الضخمة ، لكنه أستطاع في حملته الأنتخابية السابقة من الوصول الى ضمير الأمة الصامت ، وتكلم بصراحة متناهية بلغة التيار الشعبي ، وأستنطق حالة القلق والغضب لدى ناخبيه من جراء السياسات الحكومية السابقة بقيادة الحزب الديمقراطي ، سواء ما يخص الشؤون الداخلية أو الخارجية منها . ومن جملة ما كان يعتقد به ترامب إن الحماية التي تقدمها أميركا للدول الأخرى ينبغي أن لا تكون بالمجان ، مثلا الولايات المتحدة لا تحصل على شيء مقابل ضمان الأمن وتقديم الحماية العسكرية لدول حلف شمال الأطلسي (الناتو) ، ولذا عليهم أن يدفعوا أو يتفكك الحلف ، وعلى نفس الشاكلة يتهم ترامب السعودية بعدم تقديم المساهمات المتحققة والثمن العادل في كلفة الدفاع الأميركي ، وبالتالي فإن أميركا هي الخاسر الأكبر في المعادلة . ويشبّه ترامب السعودية بالبقرة الحلوب ، التي عليها أن تقدم الذهب والدولارات بحسب الطلب الاميركي ، مطالباً أقطاب النظام السعودي بدفع ثلاثة أرباع ثروتهم لقاء الحماية التي تقدمها القوات الامريكية لهم داخلياً وخارجياً .
نلاحظ هنا كيف إن لغة المال تسيطر على الخطاب الأميركي الذي يتبناه ترامب كصدى لأصوات شعبوية صادقة ، وأعتماده على حسابات الربح والخسارة في تقييمه للعلاقات الخارجية مع الدول . أن واحدا من أهم أهداف السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط هو الهيمنة على النفط وباقي الثروات فيه ، بأساليب مختلفة ، ولكل مرحلة أسلوبها الخاص في (الحلب) . ومما ساعد الولايات المتحدة على نجاح تلك الخطط هو ضعف الأرادة العربية وعدم القدرة على إدارة شؤونها والدفاع عن نفسها بشكل مستقل . وكلنا يتذكر الموقف الأميركي من الغزو العراقي للكويت في الثاني من 2 أغسطس/ آب 1990 ، وكيف أن سفيرة الولايات المتحدة في بغداد أبريل غلاسبي أعربت قبل ذلك عن القلق الأميركي المبرر إزاء النوايا العراقية عند لقائها بصدام حسين في 25 يوليو/تموز 1990 والتي كانت تعتقد إن أميركا “لم تتدخل بهذا الشأن العربي الخاص” ، حيث كان البعض يعتقد ان صدام حسين اعتبره بمثابة “ضوء اخضر” أميركي لبدء الغزو . أضف الى ذلك (أن الولايات المتحدة لم تكن لديها قوات كافية قرب الكويت تستطيع اجهاض عملية واسعة لاحتلالها بشكل كامل) حسب ما جاء بتقارير جهازي المخابرات والاستخبارت العسكرية العراقي من داخل الكويت قبيل الغزو . وبالرغم من وجود إتفاقية المساعدة المتبادلة للدفاع والإمداد بالمعدات والخدمات الدفاعية بين الكويت والولايات المتحدة منذ عام 1975 ، إلا أن الرد الأميركي عند الغزو العراقي للكويت لم يكن فوريا ، ولم تنفع الطرق الدبلوماسية من ثني إرادة الرئيس الأميركي جورج بوش الأب بدفع مباشر من قبل رئيسة وزراء بريطانيا مارغريت تاتشر من القيام بحملة عسكرية واسعة النطاق لمنع القوات العراقية من اجتياح الأراضي السعودية وتحرير الكويت ، وفعلا بدأت القوات الأميركية بالتدفق إلى السعودية منذ بداية الغزو ، لتسجل يومها أضخم تواجد أميركي في منطقة الخليج . يتضح من هذا السياق الكيفية التي تتعامل بها أميركا مع دول الخليج وطرق إستثمار نقاط الضعف لديها وذلك بحمايتها من الأخطار الخارجية وبأثمان غالية جدا قادرة هي على دفعها . وسيستمر هذا الأسلوب الأستفزازي لأستنفاذ ما تبقى من
الثروات الى أجل غير مسمى ، لكنه قد يتلون أو ويتغير بحسب طبيعة كل مرحلة وإرهاصاتها . وبالعودة الى موضوع العلاقة القادمة بين النظام السعودي وأميركا تح قيادة ترامب ووعوده التي لن تخرج عن السياقات السابقة ولكن بأسلوب جديد . وهنا يجب أن نتذكر ، وبالرغم من التطلعات الكامنة لدى خطة ترامب في مجال السياسة الدولية وأهمية الأبتعاد عن سياسة القطب الواحد والأعتماد على مبدأ الشراكة مع الدول العظمى في قيادة العالم ومعالجة أزماته ، إلا أن الموضوع يختلف هنا فيما يخص الأنظمة العربية المتهالكة ، وأن الأخطاء التي ترتكبها هذه الأنظمة بحق شعوبها لابد وأن تأتي بنتائج وخيمة لا تسلم منها تلك الأنظمة أيضا ، وبالتالي يصبحون هدفا للاسثمار الاستغلالي من قبل أطراف تمتلك القوة والتأثير بحيث لا يمكن الأستغناء عنها بشكل كامل . وبناء على ما تقدم وبسبب السياسات الخاطئة للنظام السعودي وتبنيه المستمر للمنهج التكفيري لغرض دعم الصراعات الطائفية المقيتة في العراق ماليا وعسكريا ، والسعي لأسقاط النظام الحاكم في سوريا من منطلق طائفي ، وقيادة تحالف عسكري ضد اليمن للتدخل بشؤونه الداخلية ، كل ذلك لابد وأن يأتي بنتائج معاكسة ، والمرحلة القادمة ستشهد ردود أفعال غير محسوبة ربما تصدر ، لا سيما بعد أن يتم القضاء كليا على تنظيم الدولة الأسلامية في العراق والشام (داعش) ، والأحتمال الكبير لتسلل الإرهابيين الى الأراضي السعودية بتحريض واضح من قبل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي الذي دعا في خطابه يوم الخميس 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 إلى انتفاضة في السعودية والقيام بهجمات مسلحة تستهدف قوات الأمن ومسؤولي الحكومة وأعضاء العائلة الحاكمة ووسائل الإعلام فيها . وفي ذات الوقت ومن جانب آخر فأن لدى الحوثيين الذين سيطروا على مقاليد الحكم في اليمن في سبتمبر/ ايلول 2014 ثأرا كبيرا من النظام السعودي الذي قتل وجرح وشرد الآلاف من الشعب اليمني في عاصفة الحزم وغيرها ، وكثيرا ما يهدد الحوثيون باجتياح الأراضي السعودية في حال انهيار الاقتصاد اليمني وتفاقم المجاعة ، أو لأستعادة أراض أقتطعتها السعودية من اليمن في وقت سابق ، وهي تهديدات جدية رافقتها معارك حدودية سابقة بين
الحوثيين والقوات السعودية ربما كانت تهدف الى جر السعودية للتدخل البري بعد توقف عمليات القصف الجوي في عاصفة الحزم التي إستمرت قرابة الشهر. وهنا سيحتاج النظام السعودي الى طلب الحماية الأميركية لامحال مثلما فعلت الكويت سابقا وستفعل في كل مرة ، لأنهم غير قادرين على الدفاع عن أنفسهم لوحدهم ، ولكن لكل شيء ثمن كما يعتقد ترامب الذي خاطب النظام السعودي ذات مرة قائلاً : ” لا تعتقدوا إن المجموعات الوهابية التي خلقتموها في بلدان العالم وطلبتم منها نشر الظلام والوحشية وذبح الأنسان وتدمير الحياة ستقف الى جانبكم وتحميكم ، فهؤلاء لا مكان لها في كل مكان من الارض إلا في حضنكم وتحت ظل حكمكم ، لهذا سيأتون إليكم من كل مكان وسينقلبون عليكم ويومها يقومون بأكلكم “. وفي أحد أحاديثه التلفزيونية قال ترامب : “السعودية ستكون في ورطة كبيرة قريبا بسبب داعش ، وستحتاج لمساعدتنا ، لولانا لما وجدت وما كان لها أن تبقى” . خلاصة القول : إن تطبيقات ربط الدين بالسياسة ، والتعامل مع الدول المجاورة على أساس مذهبي ، وتشجيع التطرف والأرهاب ، وغياب النظام المؤسساتي المستقل في الأدارة والحكم لدى السعوديين ، كل هذه العوامل وضعتهم في موقف لا يحسدون عليه ، وتسببت بأفعال كارثية لابد أن تعقبها ردود أفعال معاكسة ربما ستقلب الطاولة عليهم ، ويكون الثمن غاليا هذه المرة ، عندما تتحول المعارك الشرسة في عقر دارهم ، وتتجدد مشاهد القتل والدمار والتخريب وما يرافقها من عذابات الموت البطيء للأسرة الحاكمة وتبدد ثرواتهم وضياع أمجادهم الفارغة .