مثلما هو معلوم لمن يتابع ملف تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام اختصارا ب( داعش) فان عاصمة خلافتهم المزعومة هي ولاية نينوى ومركزها (الموصل) على وجه التحديد والتي بسطوا نفوذهم عليها ليس بمنطق القوة الجبارة التي لا تقهر او انهم يحملون اقصى درجات الايمان واليقين لتتنزل عليهم الملائكة مرسلين وتقاتل معهم خمسة الاف مسومين .
لقد دخل المدينة على حين غرة من اهلها ومن ساحلها الايمن فئة لايتجاوزوا الخمسمائة مسلح وخرج من ساحلها الايسر ستون الفا من جيش مهلهل ومليشيات المالكي وتم تبادل الادوار خلال 72 ساعة ولو لم يكن هنالك اتفاق مسبق لتم حرق وتدمير جميع الاعتدة والاسلحة الثقيلة والمتوسطة قبل الانسحاب على اقل تقدير وعدم تركها غنائم لداعش وهذه ابسط مهمات الجيوش حتى المتخلفة منها والمهزومة!
كذلك ومن الطرف الاخر(داعش) كان الاولى بها محاصرة قادة الجيش المنهار وكبار المسؤولين وعدم فسح المجال لهم للهروب صوب اربيل ووضعهم تحت الاسر واستنطاقهم واخراج اسرارهم والتفاوض بهم!!
كذلك الريبة في توقيت تشكيل التحالف بقيادة امريكا وتحركه المتباطئ بعد مضي مدة طويلة على استمكان داعش وتمددها في بعض مدن العراق وكان بالامكان الانقضاض عليهم من اول اسبوع وكانت جميع تجمعاتهم و تحركاتهم بسيارات الدفع الرباعي مرصودة من الاقمار الصناعية العسكرية التي تغطي كل شبر من ارض العراق!
فقط هذه الاستدلالات تفضح المشروع الامريكي الايراني من لعبة داعش!!
اليوم وبعد مضي اكثر من سنتين على هذه التجربة الامريكية التي انفضحت على رؤوس الاشهاد تسارع امريكا وقبل مغادرة اوباما بيته الاسود وافعاله الكالحة في غلق هذا الملف بشكل سريع ملفت للنظر وقبل مغادرة الادارة التي اجرم خلال فترة رئاسته بحق الشرق الاوسط كأسلافه حتى لا يفتضح امرهم للعامة وخاصة الشعب الامريكي المعروف عنه البلاهة في السياسة علما ان الخاصة ومن يعمل في السياسة يعلم بتفاصيل هذه اللعبة القذرة جيدا.
امريكا اليوم لايهمها ابدا وضع العراق وما سيؤول اليه بعد ان تعقد امره واصبح كغزل العجوز التي جعلت منه انكاثا حتى يصعب الوصول لرأس الخيط .
ما يهم الادارة الامريكية اليوم هو المواطن الامريكي وكيفية الضحك عليه وتضليله وسحبه وهو ضاحكا مستبشرا متفاخرا بقيادته التي سحقت داعش وحطمت عاصمتهم واحالتها رمادا تذروه الرياح الى الصندوق لتجديد الولاية للديمقراطيين لتستمر المسرحية الدموية بعد ان تحط داعش في عواصم ومدن جديدة.
وكما دخلت امريكا العراق عام 2003 واحتلته واحالته الى فوضى ولم يكن لديها اي خطة لادارة البلاد فانها لم تتعض ولم تستحي من فعلتها الشنيعة فانها ستكرر نفس السيناريو المرعب وهذه المرة لأمور انتخابية ودعائية وكبش الفداء الذي سينحر تحت اقدام العجوز كلينتون هي للاسف اكبر محافظة سنية وحاضرة ضاربة في عمق الحضارة والتاريخ انها ( نينوى قرية النبي يونس عليه السلام !)
لقد احاط بالمدينة الجيش الدمج و المليشيات وقوات البيشمركة الكردية والحشد الشيعي وتمركز الامريكان في قاعدة القيارة وتمترس داخل المدينة من تبقى من اتباع التنظيم ومن بايعهم على جهل او طمع او تخوف واهل المدينة العزل حابسي انفاسهم مترقبين وحالهم كحال من يستجير من الرمضاء بالنار, فقد ذاقوا ذرعا من ظلم المالكي ومليشياته الذي لم يرحمهم ويرحم المدينة واذاقهم المر والتنكيل والاعتقالات والمخبر السري ومادة اربعة ارهاب المفصلة حصرا على اهل السنة , وكذلك لم ينصلح حالهم مع داعش الذين دخلوا المدينة في بادئ الامر كمنقذين مصلحين فما ان تمكنوا من المدينة حتى بان وجههم الحقيقي . فقد تدهورت جميع امور اهل المدينة وحوصرت خارجيا وداخليا وقطعوا عن العالم وتوقفت عندهم الحياة وعادت بهم القهقري الى الجهل والجوع وفتك الامراض واقامة الحدود بالشبهات وفرض وصاية على الناس في معيشتهم وسلوكهم كما تستهدفهم يوميا طائرات وراجمات التحالف التي احالت ليلهم الى رعب تعرفه من صراخ اطفالهم حتى ضاقت عليهم الدنيا بما رحبت .
لا اتوقع ان امريكا المعروفة بجبروتها وقوتها وغطرستها لديها مشروع متكامل لمدينة الموصل بعد خروج قيادات داعش تحت الحماية الامريكية!!
على الاغلب خطتها ستبدأ بالزحف البري والاسناد الجوي لتصفية الخطوط الخلفية والمتورطين معهم وسيعقبها دخول الحشد الذي جل ولاءه ايراني كما عهدناه وكانه داخل الى ارض العدو لا الى ارض عراقية عزيزة فسيعيث بها فسادا ويذبح الابرياء بحجة داعش ويفجر المساجد بحجة انها وكر لداعش وستنهب الدور والمتاجر بحجة انها غنائم تركتها داعش وستحرق الدوائر والدور لتطهيرها من رجز داعش!!
. اما الاكراد فان اي منطقة سيدخلوها ستصبح لا محالة جزء لا يتجزاء من الاقليم ليرتفع فوق مبانيها المهدمة العلم الكردي فهي فرصة ثمينة لاتعوض لبسط نفوذهم بعد ان ارهقوا من تفسير المادة 140 مع الحكومة المركزية المتعلقة برسم الحدود بعد الاحتلال .
اما ايران فان دخولها منتصرة الى الموصل بقيادة قاسم سليماني ومعاونيه هادي العامري ومهدي المهندس فيمثل لها اوج نشوتها وعظمتها تلك المدينة التي اذاق قادتها وضباطها وطياريها السم الزعاف للخميني ابان الحرب العراقية الايرانية والتي تمثل كذلك عقدة مستعصية لها منذ ان انكسر واندحر نادر شاه على حدودها .
ان تواجد ايران وبسط نفوذها في الموصل واقضيتها يمثل الخط النهائي في توسعها وابتلاعها العراق كاملا من اقصى جنوبه الى اقصى شماله كذلك يمثل انكسار الموصل نهاية التواجد السني في اكبر محافظة سنية عراقية والقضاء على حلم السنة الذي رفسوه يوما بحجة اللحمة الوطنية والقومية التي ركلتها الحكومة تحت ضغط الولاء المذهبي والتبعية الايرانية واصبح موضوع الاقليم السني من الماضي الغير مسموح به اليوم بتاتا .. كذلك ستكون ايران حاضرة وبقوة للضغط على الاكراد و مراقبة الاتراك وفتح معابر جديدة لدعم حليفها السوري ..
اما قادة السنة وجميع تنظيماتهم وتجمعاتهم الممزقة اساسا وربما بعضها مخترقةو التي تعمل خارج العراق ومعهم رؤساء العشائر الذين غادروا البلاد فسوف لن يكون لهم اي دور فيها وستتحول الموصل الى ارض محروقة وسينتج عن هذه الفوضى المدمرة مئات الآلاف من النازحين والمشردين يضافوا الى الملايين الذين ضاقت بهم الخيام ثم سيعقبها صراعات بين القوى تطحن معها الكثير.. قد يتهمني البعض بالتشائم والتطرف لكنها هي الحقيقة والتجربة المريرة قد تكررت في اكثر من مدينة…واتمنى بل ادعو الله جلت قدرته ان لا يحدث كل ما توقعته وسطرته وان يكون ما ذهبت اليه من تحليل هو كابوس لنصحى ونرى الموصل والعراق بأبهى حلة وقد تعافى مما علق به من امراض ليعود قويا شامخا للصف العربي والاسلامي بسيادة كاملة غير منقوصة والله غالب على امره