23 ديسمبر، 2024 11:08 ص

سيناريو الدراما العراقية

سيناريو الدراما العراقية

تعاني الدراما العراقية اليوم من ضعف كبير في السيناريو ، ولاسيما في النص الحواري ، الذي يقوله الممثل وأقصد هنا الحوارية العامية ، توظيف ( اللهجة العراقية ) التي تبدو في معظم المسلسلات على اختلاف كتابها أشبه ما تكون بلعبة ( بيت أبو بيوت ) التي كنا نلعبها عندما كنا أطفالاً !! فالحديث غالباً ما يتسم بطابع البرودة والتصنع والطفولية ؛ مما يجعل المتلقي يشعر بأن هذا الممثل ( يمثل )!! من خلال حديثه ؛ لدرجة أن الممثل لا يستطيع تقمص الدور المرسوم له . كما يفتقر الحوار إلى وحدة الإحساس ؛ بمعنى أن يندمج الممثل مع ما يقول ؛ لكي يستطيع المشاهد أن يقتنع بأصالة الحوار وعمقه ، لكن بدلاً من ذلك نشاهد الكثير من الصنعة في الحوار الملفوظ ،  حتى أننا كثيراً ما نشاهد تطعيم الحوار بكلمات غير مستعملة في اللهجة العراقية في حياتنا اليومية ، إذ قلما يتحدث بها العراقي ، وغالباً ما تكون هذه الكلمات فصيحة مثل ( المعلم مندهش من مستوى ابنك ) بدلاً من معجب أو ( إحمل هذا الشي بحذر ) بدلاً من ( شيل ) أو( على كيفك ) ويبدو أن كاتب السيناريو اليوم ضمن محاولة فاشلة ، وغير مدروسة يجنح إلى ذلك ؛ لكي يجعل من اللهجة العراقية جسراً لدول أخرى من خلال استبدال بعض الكلمات بكلمات أوضح وأفصح !! ويترك المشاهد الفعلي المحلي مستاءً متعجباً من جديد ما يسمعه ، والغريب في الأمر في الدراما العراقية أن الجميع يتحدث بمستوًى فكري واحد وغالباً ما نجدهم يمتلكون ثقافة عالية جداً!! وهذا ما نراه معكوساً في الحوار مع أن كاتب السيناريو يجب عليه أن يوزع الشخصيات ، ومستوى حديثها بحسب مهنها وطريقة تفكيرها وعيشها وطبائعها ؛ فالجاهل لا ينطق بلسان المثقف والصغير ليس كالمسن ، وهذا ما لا نجده مع الأسف في الدراما العراقية اليوم ؛ مما يجعل شخصية الكاتب تطفو فوق سطح النص ، وهذا ما لا يشترط فيه ، بل عليه أن يذوب ويتلاشى ويختفي تماماً وراء شخصياته . إن اللهجة التي نسمعها اليوم في الدراما العراقية هي ليست اللهجة العراقية المتداولة التي نتحدثها يومياً!! بل أن بعض مفرداتها يأتي بها كاتب السيناريو من عندياته ومعجماته العجيبة ، فضلاً عن اتسام نطقها بالبطء الشديد والبرودة والثقل في تلفظها ، مع العلم أن العراقي يتسم بسرعة لهجته نسبياً ضمن كلامه اليومي ، إن هذا التباطؤ في الحديث المتبادل بين شخصيات المسلسل يوحي لنا وبشدة ، بأن الممثل وكأنه طالب مدرسة يستظهر الكلام الذي قرأه ليلاً أمام مدرسه صباحاً ، كما أن البطء في الكلام يوحي لنا أيضاً برغبة خفية لتمطيط هذا المسلسل ؛ لكي يكون مفصلاً على مدى الحلقات المطلوب عددها ، بل هنالك وهذا ما نستشعره أيضاً حوارات محشوة لا فائدة منها في دفع الحدث أو التعريف بقضية ما. إن النسيج الحواري غالباً ما يكون في الدراما العراقية اليوم مائعاً غير مسبوك ، فلا يشد المشاهد إليه بالمتابعة ؛ لما سيتلوه من كلام ومما يزيد الطين بلة برودة أداء الممثل . إن ثقافة كاتب السيناريو ليست مهمة بقدر أهمية الاحتكاك بفئات مجتمعه ومراقبة طريقة كلامهم والكلمات التي يستعملها الأفراد فضلاً عن الابتعاد تماماً عن الثيمات التي باتت مستهلكة من كثرة تكرارها ومعاودتها. هي دعوة مخلصة لانتشال الدراما العراقية من أخطائها.