السؤال المهم الذي يطرح نفسه .. لماذا اسرائيل اجتاحت لبنان في عام 2006 بينما ما يحدث اليوم مجرد مناوشات منضبطة وفق شروط قواعد الاشتباك بالرغم من استمرارها لمدة أشهر .. الجواب ان اسرائيل في حرب عام 2006 لم تكن موجه ضد حزب الله وانما قامت بتدمير البنى التحتية للبنان وضرب مطار بيروت والمؤسسات الدولة الرسمية، وكذلك طرابلس المنطقة التي لا علاقة لها بحزب الله، وذلك لاضعاف الدولة اللبنانية لكي يهيمن حزب الله على المؤسسات السيادية للدولة ويكون صاحب القرار في لبنان وهذا ما تم فعلاً .. بينما اليوم تتعالى الاصوات على احتمال نشوب حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله، وكما معروف في السياسة لا يوجد صديق دائم ولا عدو دائم ولو افترضنا انقلبت المعادلة وتأزم الموقف كيف سيكون السيناريو او المشهد القادم في لبنان وتبعيات ذلك على دول المنطقة .. أي لو قامت اسرائيل بالهجوم على جنوب لبنان كيف سيكون سيناريو الحرب .. حيث من البديهي في البداية سيكون تدخل دبلوماسي اقليمي ودولي لعدم توسع نطاق الحرب وفي هذة الحالة سوف تنفرد اسرائيل بحزب الله واكيد ستكون الكفة لصالح اسرائيل نظراً لقدراتها العسكرية من جهة ودعم امريكي لا محدود لاسرائيل من جهة اخرى سواء دعم مباشر او لوجستي لكي يؤدي ذلك الى تفوق اسرائيلي في تلك المواجهة .. وفي هذة الحالة اكيد القوى الاخرى التي تحركها ايران لن تقف مكتوفي الايدي فسوف يكون المشهد من ناحية الجبهة السورية وفق احتمالين اما ان تشارك تلك الميليشيات في الحرب وتفتح جبهة الجولان ويحشر بشار الاسد وجيشه في المعركة وهذا احتمال بعيد، واما ان يقوم الاسد بمساعدة القوات الروسية المتواجدة في سوريا من كبح جماح تلك الميليشيات وتحديد تحركاتها أو تتركها تلاقي مصيرها في مجابهة مفتوحة مع اسرائيل بعيداً عن تدخل الجيش السوري والروسي .. وفي هذة الحالة وفق هذا السيناريو اكيد لن تسكت الميليشيات العراقية وسوف تدخل المعركة ويتسع نطاق الحرب من خلال ارسال تعزيزات للميليشيات في سوريا أو من خلال ضرب المصالح والقواعد الامريكية في العراق وبذلك سوف لن تسكت امريكا عن ذلك وسوف يكون رد فعلها حسب مدى قوة وفاعلية وتأثير تلك الضربات، مما يعني ان معالجة تدخل الميليشيات العراقية سيكون من حصة القوات الامريكية وهذا ما نبهت عليه السفيرة الامريكية الجديدة المعينة في العراق من خلال تلميحها باستخدام القوة في كبح جماح تلك الميليشيات في حال عدم قدرة الدولة على التحكم فيها، بمعنى رفع يد امريكا عن الدعم للحكومة العراقية والقيام بمعالجة تلك الميليشيات عسكريا وفق ما اشارت اليه السفيرة الاميركية. او الاحتمال الاخر ابتعاد تلك الميليشيات عن المجابهة مع الامريكان في الداخل العراقي والذهاب لمساندة الجبهة السورية لارباك جبهة الهجوم على لبنان .. وهذا السيناريو يجرنا الى تدخل الحوثيين في اليمن بالرغم من عدم وجود حدود قريبة لهم من اسرائيل فأن مهامهم ستكون فاعلة اكثر عند تكثيف تعرضهم للسفن التجارية في البحر الاحمر، ووفق هذا السيناريو سوف يكون ردع الحوثيين من حصة بريطانيا .. مما يعني من خلال هذه المشاهد سوف تشتعل المنطقة لو قامت اسرائيل بالهجوم على لبنان واكيد ليس من السهولة ان يمرر هذا السيناريو من دون مفاجئات وامريكا مقبلة على انتخابات مصيرية يسعى من خلالها الحزب الديمقراطي والرئيس بايدن الى الفوز بولاية ثانية .. ولكن يبقى السؤال الذي يشكل مفتاح الربط بين تلك الجبهات المشتعله .. اين موقع ايران من هذا السيناريو وماذا سيكون موقفها، اكيد سوف تدخل الحرب من خلال جبهة الاعلام والتهريج والمهاترات واكيد سوف تنأى بنفسها بالابتعاد عن هذة المحرقة واذا اقتضى الامر سوف تتخلى أو تساوم على اتباعها من الميليشات لكي لا تمسها شرارة الحرب خصوصاً بعد تشكيل القيادة الجديدة ورسائل الغزل التي بُعثت الى امريكا من قبل بعض المرشحين لاعادة العلاقات معها وكذلك البالونات التي طُيّرت بشأن ايقاف تخصيب اليورانيوم وكل ذلك لاعلام امريكا والغرب بان ايران الامس ليس ايران اليوم وسوف ترحب امريكا وإسرائيل بذلك وسوف يمدح الرئيس بايدن ايران ويكون قد حقق تحييد ايران لكي يقترب من الفوز في الانتخابات الامريكية .. وبعدها سوف يصيح الديك وتسكت شهرزاد عن الكلام المباح ويستدل الستار عن هذا السيناريو او الفلم الهندي او الحلم الذي سوف يصحوا من بعده الجميع، لان لا حرب موسعة على لبنان ولا يمكن دخول الميليشيات الاخرى اكثر من ما مرسوم لها في زاوية التهريج الاعلامي لانه بات واضحاً ان امريكا والغرب يريدون بقاء ايران متماسكة ويريدون من حرسها الثوري وميليشياتها الولائية ان يكون دورهم حماية النظام الايراني من الشعب الذي يغلي من سلوك نظام الملالي الدموي، لان ذلك النظام هو من قدم خدمة كبرى لامريكا في المنطقة، ولكن اذا أرادوا رفع الغبش المعكر لاجنداتهم في المنطقة ليس امامهم سوى تحجيم تلك الميليشيات من خلال ضربات هزيلة للتخويف لا اكثر .. بمعنى حتى لو قامت الحرب على الجبهة اللبنانية فأن ذلك لا يعدو سوى مسرحية جديدة من اهم فصولها تبيض وجهه المتخاذلين والمهزومين والمهرجين الذين يدّعون النصر وهم غارقين في الوحل بعدما تركوا ابناء غزة يلاقوا مصيرهم بلا ذنب، ولابد من سيناريو جديد لاخراجهم من ذلك الوحل، والا كيف يعقل انهاء تلك الميليشيات وأمريكا هي التي جعلت حزب الله يهيمن على لبنان وهي التي تسترت على امداد الصواريخ والسلاح الايراني عبر الاراضي العراقية والسورية الى حزب الله، وهي التي حمت النظام المجرم في سوريا وحرّفت مسار ثورة الشعب السوري عن تحقيق اهدافها بإسقاط نظام بشار، وهي التي سلمت المليشيات الموالية لايران الحكم في العراق، وهي التي صنعت الحوثيين ومكنتهم من الهيمنة على اليمن وأوقفت عملية تحرير الحديدة في الساعات الاخيرة .. وأخيراً هي التي منحت إيران فرصة التوغل في دول المنطقة وفرض رؤية طائفية بقوة القمع والارهاب وتكريس سلطة الامر الواقع بعدما انتهت الحقبة الإسرائيلية وفشلها في اخضاع العرب بعد ثلاث حروب فاشلة، لتحل محلها الحقبة الإيرانية كأكبر قوة فاعلة في الشرق الاوسط بعد احتلال اربعة عواصم عربية كانت تشكل خطر على اسرائيل وعملت على تحطيم جيوشها وابدالها بميليشيات مهامها تفتيت دول المنطقة .. لذلك هل يعقل ان امريكا تريد انهاء ايران او انهاء اذرعها في المنطقة، وتزيح الهم عن قلوب العرب ليحققوا استقلال سياسي واقتصادي دون منغصات ويشكلوا قوة فاعلة تتصدى للاجندات الاستعمارية في الشرق الاوسط والعالم، بمعنى هل يعقل ان تجني على نفسها براقش كما يقول المثل العربي .