منذ سنوت ونحن نسمع عن سيناريوهات لضربة اسرائيلية ( معززة اميركيا ) لمنشآت ايران النووية ، وفي المقابل نسمع عن رد ايراني ماحق يسحق تل ابيب ( تل الربيع بالعربية) ، لكن لا نرى على ارض الواقع اية نشاطات حقيقية كتلك التي جرى تنفيذها بسرعة مع العراق عام 2003 ، فما هي حقيقة توازنات القوى بين الطرفين ، وما هي القطبة المخفية في العلاقات بين الاطراف ذات الصلة ؟
بداية نقول ان ميزان القوة العسكرية بين ايران وأعدائها المفترضين ( اميركا واسرائيل ) يميل بشكل مطلق للاخيرين . فايران برغم الدعاية حول تجاربها الصاروخية والتسليحية ماتزال قزما عسكريا حتى بالمقارنة مع السعودية ، وهذه حقيقة يجب التنبه لها . فالقوة الجوية الايرانية تتألف اصلا من طائرات اميركية من جيل الستينيات والسبعينيات مع بعض الطائرات الروسية من نوع ميغ 23 و29 و25 وطائرات صينية الصنع من اجيال الثمانينيات وهي طائرات ليست قادرة على خوض حرب جوية حديثة بأي مقياس من المقاييس وقدراتها العملياتية محدودة بالمدى والحمولة والامكانات الالكترونية . والدفاع الجوي الايراني ، وبرغم الدعاية عن منظومات جديدة من صنع ايراني فهو بالنسبة الى جيل الطائرات والصواريخ الحديثة الاميركية والاسرائيلية .. صفر على الشمال ، مما يعني عجز ايران عن التصدي الجدي لأية حملة جوية او صاروخية ضد اهداف ايرانية .
أما القوات البرية ،ورغم عددها الكبير نسبيا الا ان تسليحها مايزال بدائيا . فالقوات المدرعة مازالت تعتمد على ناقلات بي ام بي 1 والتسلسلات التي تلتها ودبابات تي 72 و82 بالاضافة الى الانواع الاقدم . والمدفعية الايرانية تتأاف من مدافع 130 ملم و155 ملم وغيرها ومعظمها من النوع المسحوب الذي لا يواكب الحرب الحديثة المتحركة .
أما القوة الصاروخية الايرانية والتي كثر الحديث عنها ، فانها تتبع الكم وليس النوع . فالصواريخ الايرانية هي نسخ مطورة من صواريخ الميدان الروسية القديمة والكورية الشمالية وتمتاز بثقلها نسبة لدقتها وفعاليتها ( الرأس الحربي الفاعل يتراوح من 200 كغ الى 1000 كغم ووزنها 3 – 5 اطنان وبالتالي يستوجب الامر منظومة اطلاق وتزويد معقدة وثقيلة ومكشوفة لاجهزة الاستطلاع الحديثة) فهي بذلك قادرة على التدمير المناطقي وليس النقطوي بسبب قلة دقتها اذا ما اطلقت بكثافة . وبما ان المسافة من غرب ايران الى اسرائيل تتعدى الالف كيلومتر فان عدد معين من الصواريخ يستطيع الوصول الى اسرائيل ، ولو امتلكت ايران 50 منصة اطلاق و1000 صاروخ ، فان ذلك يعني معدل اطلاق 50 الى 100 صاروخ يوميا لمدة لا تتجاوز بضعة ايام وهو عدد كافي لان يسبب توقف الحياة الطبيعية في اسرائيل لمدة اسبوع ولكن ماذا بعد ؟ فقد اتخذت اسرائيل اجراءات لمواجهة هذا التهديد : ملاجئ تحت الارض ومنظومة انذار متقدمة مع نشر منظومات باتريوت والقبة الحديدية التي يمكن ان تسقط 25 % من الصواريخ المهاجمة .
اذن التهديد الايراني لاسرائيل محدود ويتمثل فقط في الصواريخ بعيدة المدى التي يمكنها أن تلحق اضرار كبيرة باسرائيل لكن دون أن تؤدي الى تدميرها او توقف الحياة فيها ، كما ان تأثيرها محدود لفترة معينة قبل أن تتمكن القوات الاميركية من استهداف منصات الصواريخ والقضاء عليها . في نفس الوقت تمتلك اسرائيل منظومات صاروخية دقيقة التوجيه قادرة على ضرب اهداف ايرانية حيوية في العمق . كما باستطاعة اسرائيل توجيه ضربة جوية قاتلة ضد عدد من الاهداف الايراية الحيوية في العمق في وقت واحد وتكرار الضربة لمرتين على اقل تقدير بقوة 20 الى 30 طائرة مزودة بذخيرة من القنابل الاميركية القادرة على اختراق دفاعات اسمنتية بعمق 20 الى 50 متر من نوع كي جي .
وهنا يبرز سؤال : اذا كانت المعطيات تدل على عجز ايران العسكري تجاه اية عملية عسكرية اسرائيلية مدعومة اميركيا ، فلماذا لا تنفذ اسرائيل ماتريده وهي التي تنفذ ما تريده بغض النظر عن اية اعتبارات اخرى وفق قاعدة ” امن اسرائيل فوق كل الاعتبارات ” وهي التي استطاعت تطويع اوباما الذي جاء برجله الى اسرائيل ليعلن أن تحالف أميركا معها أبديا ؟
المشكلة لا تكمن في التفاصيل العسكرية التي هي بصالح اسرائيل واميركا بنسبة لا تقل عن 95 % ، أنما تكمن في الامكانات غير العسكرية التي تمتلكها ايران في المنطقة . فالايادي الايرانية قادرة على تحريك الاوضاع في العراق والسعودية ( المنطقة الشرقية ) وفي البحرين والكويت والامارات واليمن ( صعدة والحوثيين ) . فدول الخليج تعاني من وضع داخلي هش لا يتحمل الصدمات الداخلية وايران قادرة بجاليتها الكبيرة وخلاياها النائمة على قلب الاوضاع في دول الخليج التي تعيش نعيما مستمرا وغير قادرة على تحمل اية اختلالات أمنية . بالاضافة الى قرب ايران من مناطق انتاج ونقل النفط الحيوي للعالم وامتلاكها القوة العسكرية القادرة على خلق وضع مضطرب في هذه المنطقة ( من خلال قصف مناطق انتاج النفط في الكويت والمنطقة الشرقية السعودية ومناطق انتاج الغاز في المياه القطرية ومحطات تحلية المياه وانتاج الكهرباء على الساحل العربي ، واثارة الاضطرابات في المناطق التي تسكنها اغلبية شيعية في السعودية والامارات والكويت والبحرين والعراق .
هنا تكمن قوة ايران الاستراتيجية … لا في قوتها العسكرية وانما بقدرتها على التأثير في الشؤون الداخلية للدول العربية الخليجية والعراق وهو ما تخشى اميريكا من انعكاساته السلبية على مصالحها ومصالح الغرب في اية مواجهة محتملة مع ايران ، وهو ما يؤدي الى صبر الغرب على ايران وكبح جماح اسرائيل التي تريد ضرب ايران مبكرا كون اسرائيل لن تتأثر بتوابع الرد الايراني بسبب عدم وجود مصالح حيوية لها في المنطقة .
ايران تعلم ذلك ، ونعرف أن ان الضربة التي وجهت للعراق في 2003 قد أفادتها كثيرا بسبب غباء بوش والمحافظين الجدد الذين وضعوا الاعتبارات الدينية التوراتية فوق الاعتبارات الاستراتيجية ( المنطق الاستراتيجي يقول ان الضربة كان يجب أن توجه الى ايران وليس الى العراق لاعتبارات كثيرة ولكن غلبة الخطاب التوراتي على منطق ادارة بوش الابن ورعونة الاداء السياسي العراقي وقتها جعل العراق ضحية بدلا من ايران ) . لذا فهي تعزز مواقعها في العراق وسوريا ولبنان وغزة والخليج لكي تنقل اية حرب محتملة ضدها الى محيطها الاقليمي ، وبالتالي توريط القوى المهاجمة لها بحرب متعددة الاطراف ومتفرعة الاذرع لا قبل لها فيها . وضمن هذه الاعتبارات يكون العراق الجبهة الامامية للدفاع عن الداخل الايراني ، وهناك الكثير من القوى في الداخل العراقي مستعدة للدفاع عن ايران على الارض العراقية وأن يكون العراق ضحية متطوعة لاي حرب مقبلة بين ايران والغرب واسرائيل .