23 ديسمبر، 2024 10:25 ص

سيناريو التحرك الايراني في مواجهة امريكا

سيناريو التحرك الايراني في مواجهة امريكا

قد يستبعد البعض حصول مواجهة ايرانية – (امريكية او اسرائيلية) في المنطقة , اعتمادا على نظرية البعد التحليلي الثالث للامور , في وجود علاقات وتنسيق سري بين الطرفين على حساب دول المنطقة الاخرى . الا ان تقاطع مصالح الطرفين في بعض المناطق والظروف ( كما حصل في افغانستان وعملية ايران كونترا) لا يعني وجود اتفاقات سرية بينهما , اضافة الى ان ما آلت اليه التطورات في العلاقة بين ايران والدولتين تلغي تماما فكرة وجود اي تنسيق .
ان حصول مواجهة امريكية او اسرائيلية مع ايران لا يشير الى رغبة امريكية باحداث تغيير في نظام الحكم في ايران , فبقاء نظام ولاية الفقيه الشيعية في طهران ضرورة امريكية لابتزاز دول المنطقة وتمرير مصالحها فيها , لكن الرغبة الامريكية تكمن في الابقاء على ايران لكن تحجيم قدراتها ومنعها من ان تشكل تهديدا حقيقيا لها ولحلفائها في المنطقة .
فالقدرات العسكرية المتنامية لايران , والافكار العقائدية التي يتبناها نظامها , وطموحها بالتحول الى قوة اقليمية مؤثرة , علاوة على نجاحها في خلق اذرع لها في سوريا والعراق ولبنان , كل ذلك يمثل تهديدا جديا للمصالح الامريكية والغربية في المنطقة يجب الحد منها وتحييدها .
تعتقد الادارة الامريكية بان الضغوطات الاقتصادية والسياسية على ايران يمكن ان تنجح في تخلي طهران عن توجهاتها مثلما نجحت تلك السياسة مع كوريا الشمالية , متناسية ان ايران تمثل سلطة دينية ودنيوية تبنت شعارات معادية لامريكا واسرائيل منذ بداية ثورتها , واي تراجع لها عن تلك المباديء والشعارات سيعتبر تراجعا عن افكارها وعقائدها مما يؤثر على مكانتها الاعتبارية ويعتبر انتحارا سياسيا وفكريا لها , لذلك فايران ذاهبة الى اخر الشوط في التصعيد والتصعيد المقابل مع امريكا .
الاولويات السياسية لايران في هذه المواجهة : –
من المهم لايران جس نبض الجدية الامريكية في ترجمة ضغوطاتها على ارض الواقع , ومعرفة المدى الذي يمكن لها ان تصل في تهديداتها , من خلال مبدا الهروب الى الامام , ومحاولة التصعيد السياسي معها , ثم مراقبة ردود افعالها . ومعروف عن السياسة الايرانية انها لا تقحم نفسها بشكل مباشر في اي صراع وانما تدفع بحلفائها واذرعها في المنطقة لينوبوا عنها بهذه المهمة .
والسؤال هنا … كيف ستتصرف ايران سياسيا لجس نبض الادارة الامريكية ومعرفة السقف الذي يمكن ان تصل اليه في هذه المواجهة , وفي اي ساحة سيكون التحرك الايراني السياسي , هل في الساحة العراقية ام السورية ام اللبنانية ؟ ولتوضيح الاولويات الايرانية سياسيا دعونا نفرد النقاط التالية : –
تحاول ايران من خلال حلفائها في المنطقة الحفاظ على الاستقرار السياسي في بلدانهم في الوقت الراهن , ومنع اثارة اي توتر سياسي مع احزاب المكونات الاخرى ( السنية والكوردية والمسيحية) في العراق و لبنان , مع افتعال مشاكل شيعية شيعية لالهاء تلك المكونات الاخرى بها , وهذا ما يفسر افتعال مشكلة ترشيح وزير الداخلية بين الكتل الشيعية والتي مضى عليها اشهر دون حلول .

ارخاء الوضع الامني في المناطق السنية التي تسيطر عليها مليشيات الحشد الشعبي , وترك ثغرات امنية للتنظيمات المتطرفة تنفذ من خلالها عملياتها الارهابية في تلك المناطق , مما يؤدي الى اشغال المكون السني وتقوقع احزابه ومنعهم من مزاحمة الاطراف الشيعية في العملية السياسية في العراق .

في المقابل يجري الدفع بالاطراف الشيعية لتشريع قانون في البرلمان تدعو فيه القوات الامريكية لمغادرة العراق , ومراقبة ردود الفعل الامريكية حول هذا القرار . وهو ما كان محور نقاشات محمد جواد ظريف في زيارته الاخيرة للعراق.

اين ستكون ساحة المواجهة العسكرية : –

يعتبر حزب الله الذراع الاقوى لايران في المنطقة , والذي تبنته منذ ثمانينات القرن الماضي وانفقت عليه مليارات الدولارات وامدته بالكثير من الاسلحة حتى تحول الى دولة داخل الدولة اللبنانية , لذلك فهي ليست مستعدة لاقحامه مبكرا في اية مواجهة محتملة مع امريكا , وانما ستحافظ عليه لمراحل مقبلة من الصراع مستغلا وجوده على الحدود الاسرائيلية الشمالية .

بالمقابل ورغم مؤشرات ظهور توتر مسلح بين مليشيات الحشد والقوات الامريكية في العراق , الا ان اشعال مواجهة مسلحة ضد امريكا على الساحة العراقية ليست من مصلحة ايران حاليا . لذلك فان دفعت تطورات الاحداث لهذه المواجهة لان تحدث فان الساحة السورية (بالنسبة لايران) ستكون الساحة المرشحة لها نظرا للاسباب التالية : –

في حال اي مواجهة على الساحة العراقية فان مليشيات الحشد الشعبي ستكون في مواجهة العديد من القوات الامريكية المجهزة بكامل عتادها , دون وجود قوات عسكرية اجنبية اخرى , عكس الساحة السورية التي تتمركز فيها قوات روسية الى جانب قوات امريكية قليلة العدد وعلى وشك الرحيل , وتحكمها حكومة معادية لامريكا مما يوفر لهذه المليشيات مجال مناورة وتاثير اكثر ,عكس العراق الذي لامريكا اوراق ضغط سياسية كثيرة على حكومته .
المواجهة المسلحة مع امريكا في الساحة العراقية لن يكون في صالح الاستقرار السياسي الذي تنشده ايران في الوقت الراهن , بينما الساحة السورية غير مستقرة اساسا من الناحية السياسية .
الجوار الجغرافي لايران مع العراق يمنعها من تفضيل العراق ليكون ساحة المواجهة المحتملة , كون الخطر سيكون على حدودها , عكس سوريا التي تتوسط العراق ولبنان اللذان يعتبران عمقا ستراتيجيا لتلك المليشيات الشيعية . اضافة الى ان الجوار السوري لاسرائيل سيكسب المواجهة مع امريكا فيها بعدا اسلاميا تستطيع ايران استغلالها لصالحها عند الشعوب الاسلامية .
استنادا لما تقدم فان اية مواجهة مسلحة بين امريكا والمليشيات الشيعية في المنطقة ( ان حدثت هكذا مواجهة) فان ايران ستسحبها الى الاراضي السورية , وهذا ما يفسر امرين اولهما ما نشر قبل ايام من انتقال اعداد كبيرة من فصائل الحشد الشعبي الى داخل الاراضي السورية , وكذلك سحب القوات الامريكية من سوريا وتمركزها في العراق .