22 ديسمبر، 2024 8:57 م

سيناريو الأفغنة: الأطماع القطرية في الصومال

سيناريو الأفغنة: الأطماع القطرية في الصومال

سيناريو الأفغنة:
كان للهزائم المتتالية التي تعرض لها تنظيم داعش في سوريا والعراق في ديسمبر 2017م، وفقدانه العديد من مناطق النفوذ في موطن النشأة، الدافع الأكبر للكثير من الجماعات المتطرفة لتغيير وجهتها الجهادية إلى العديد من المناطق وخاصة أفغانستان في آسيا والصومال في إفريقيا والتي تعاني حربًا أهلية منذ عام 1991م. ولعل هذا التوجه الجديد تجاه هذه المناطق يأتي من خلال بعدين أساسيين؛ أولهما: يتمثل في البعد عن دول الطوق المواجه لتلك الجماعات. وثانيهما: يتمثل في توافر البيئة الجهادية الحاضنة لتلك التنظيمات.

داعش من رحم حركة الشباب

شكل فقدان الحكومة الصومالية لسلطتها المركزية منذ أكثر من عِقدين من الزمن، الفرصة الذهبية أمام العديد من التنظيمات المتطرفة للانتشار وتوفير الملاذات الآمنة، حيث برزت حركة الشباب الصومالية كأول تنظيم جهادي مسلح يعلن انتمائه لتنظيم القاعدة، خاصة بعد هزيمة اتحاد المحاكم الإسلامية، وهي مجموعة من المحاكم الصومالية تأسست في مواجهة زعماء الحرب – بعد سقوط نظام محمد سياد بري- وكانت تسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وبسط الأمن، وتوحدت فيما عرف بـ”اتحاد المحاكم الإسلامية” برئاسة الشيخ شريف شيخ أحمد.

إن داعش الصومال ما يزال في طور التشكيل، رغم إعلان وجوده في الصومال في أكتوبر 2015م، إلا أنه برز بشكل كبير بعد اغتيال أحمد عبدي غوداني، الزعيم الروحي لـ”حركة الشباب”، في غارة جوية أمريكية، في سبتمبر 2014م.

وكان لمقتل “غوداني” الأثر الكبير على حركة الشباب الصومالية والتي تعرضت للعديد من الانشقاقات والانقسامات الداخلية داخل الحركة، حيث أدى تصفية الحسابات الداخلية إلي تعميق الخلافات، هذا التصدع الذي شق صفوف الحركة أدى إلى مبايعة العديد من المقاتلين المنشقين تنظيم داعش وزعيمه أبو بكر البغدادي، كما أصبح تنظيم داعش يجتذب أعداداً متزايدة من المقاتلين من الخارج، كما تبايعه مجموعات مسلحة أخرى مثل جماعة “بوكوحرام” في نيجيريا.

ورغم قلة حيلة داعش في شمال شرقي الصومال، وعدم وجود بصمات له كبيرة، إلا أن ناقوس خطره المحدق بالمنطقة أثار قلقاً محلياً ودولياً، كما أن الضربات الأمريكية جاءت لإلقاء الضوء على هذا التخوف، في رسالة قوية للرد على صعود مفترض لأتباع “داعش” في الصومال، وللفت أنظار العالم إلى مدى خطورة التنظيمات المتطرفة في دول منطقة القرن الأفريقي ومنها الصومال.

وعليه أكد “عبد الفتاح نور”، وزير الدولة للإعلام في حكومة إقليم “بونتلاند”، أن مقاتلي التنظيم يتمركزون في منطقة جبلية ووعرة (جبال عيل مدو) ساعدتهم على البقاء واستمرار نشاطهم الإرهابي من هذه المنطقة، رغم الضربات العسكرية التي يتعرضون لها من الادارة المحلية والشركاء الدوليين، وإن وجود داعش في الصومال يشكل تهديداً أمنياً للمنطقة، وخاصة الصومال، إذ أن ثقله القتالي لا يقل خطورة عن الجماعات المتشددة الأخرى، كحركة الشباب، التي أربكت أمن الصومال ودول الجوار.

جاء ذلك في الوقت الذي استولى فيه عشرات المسلحين على بلدة “قندالة” الساحلية في منطقة بونتلاند الشمالية ووصفوها بأنها مقر “الخلافة الإسلامية في الصومال”، وقتلوا عدداً من المدنيين ما أدى إلى فرار أكثر من 20 ألف ساكن واحتجزوا المدينة منذ أسابيع كما اقتحموا فندقاً شعبياً في مركز “بوصاصو” التجاري في بونتلاند.

دور قطر المشبوه

ينظر أغلب المراقبين الأفارقة لشأن القارة السمراء، بكثير من التوجس والريبة للحضور القطري المكثف والمتنامي في المنطقة الأفريقية، حيث لا تكاد تخلو دولة أفريقية من تواجد قطري ظاهره الاستثمار، وباطنه زرع بذور الفوضى والفتنة وعدم الاستقرار.

وتشير تقارير إعلامية واستخباراتية إلي أن قطر تلعب دورا مشبوها في دولة مالي، علي خلفية تورط الدوحة في التنسيق مع الجماعات الإرهابية في شمال مالي ومنطقة الساحل والصحراء.

ويرجع بعض الخبراء الفرنسيين تنامي قوة وسيطرة ثلاث جماعات متطرفة هي: تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، وجماعة أنصار الدين، وحركة التوحيد و الجهاد، في شمال مالي إلي الدعم القطري المادي واللوجستي القوي لهذه الجماعات الخطرة، وعليه نددت مرشحة الرئاسة الفرنسية السابقة “مارين لوبان” صراحة بالدعم المالي الذي تقدمه قطر لهذه المجموعات المتطرفة في كافة أنحاء العالم.

كما أدان رئيس الحكومة المالية الانتقالية آنذاك “شريف شيخ أحمد”، خلال اجتماع مع دبلوماسيين أميركيين في ليبيا إن حكومة قطر تقدم الدعم المالي إلى حركة الشباب.

وعلى خلفية الوثائق كشفتها ويكيليكس في 8 يوليو 2017م ، أشارت إلى أن هناك تقارير أمريكية تثبت أن قطر ضالعة في تمويل حركة الشباب الإرهابية في الصومال، وأكدت الوثائق أن هناك العديد من الأشخاص المتورطين في التمويل المشبوه، بهذه الحركة التي ارتبطت قديما بالقاعدة وحديثا بداعش.

يأتي على رأس هؤلاء القطري “عبدالرحمن بن عمير النعيمي” والذي يرتبط بزعيم حركة الشباب “حسن عويس”، ووفق التقرير فإن “النعيمي” مول الحركة بــ 250 ألف دولار، كما أعلنت السفيرة الأميركية السابقة في الأمم المتحدة “سوزان رايس” كانت قد طلبت في 2009م من تركيا الضغط على قطر لوقف تمويل حركة الشباب. وأوضحت “رايس” وفق الوثيقة بأن التمويل القطري كان يتم عبر تحويل الأموال إلي الصومال عن طريق إريتريا.

المقاطعة العربية وحصار قطر

بعد إعلان المقاطعة العربية لقطر في 5 يونيو 2017م، دخلت أفريقيا معترك الأزمة الدبلوماسية بين التحالف العربي وقطر المتهمة بدعم الإرهاب، ما أدى إلى تزايد الجهود الدبلوماسية من جانب التحالف العربي لحشد التأييد المطلوب لسياستهما ما دفع بأهمية القارة الأفريقية في السياسة الخارجية لدول المقاطعة الخليجية ومصر في مواجهة سياسات قطر المشبوهة في دعم الإرهاب.

وتلقّت قطر صفعة قوية عندما أعلنت جيبوتي وإريتريا اصطفافهما خلف المملكة العربية السعودية وشركائها في قرار مقاطعة الدوحة، كما أن قرار جيبوتي وأسمرة يكشف أن الأموال التي صرفتها قطر لاستقطاب فواعل أفريقية من الدول والجماعات المتمردة والتنظيمات المسلحة لم يضمن لها خضوع تلك الأطراف لولائها التام، ما يعني أن تواجدها الذي سعت إلي ترسيخه في العمق الأفريقي ليس بالمتانة التي تضمن لها الاستقرار والاستمرار.

على الجانب الموريتاني، قطعت نواكشوط علاقاتها الدبلوماسية مع الدوحة، موضحة بأن القرار جاء على خلفية جرائم إمارة قطر بشأن تقويض و تمزيق العالم العربي، وأشارت الحكومة الموريتانية إلي أن قطر مسؤولة عما آلت إليه الأمور في سوريا وليبيا، كما أشارت إلي أن بيان وزارة الخارجية لخص الموقف الموريتاني استنادا للمصلحة الوطنية وأنه لا تهديد لأمن ومصالح موريتانيا الاستراتيجية أخطر من الدور القطري في دعم التنظيمات الإرهابية وتغذية التطرف العنيف في منطقة الساحل.

وتزايدت ردود الأفعال الأفريقية في مواجهة الدور القطري المشبوه، استدعت السنغال سفيرها من العاصمة القطرية الدوحة، وحذت تشاد والنيجر وحكومة شرق ليبيا وجزر القمر حذوها، كما أن المزيد من الدول الأفريقية المسلمة قطعت علاقاتها مع قطر، تضامنا مع دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، فيما اكتفت الجابون باستنكار أفعال قطر، وأعلنت جيبوتي تخفيض تمثيلها الدبلوماسي مع الدوحة، تضامنًا مع التحالف العربي لمكافحة الإرهاب.

إجمالاً، تظل الدلالة الأخرى الأكثر أهمية في أن الدول العربية والإقليمية والدولية تسعى إلى مواجهة الدور القطري المتوغل في القارة الإفريقية، خاصة في ظل التخوفات من تحول العديد من مناطق الأزمات إلى بؤر إرهابية جديدة على غرار ما نراه الآن في أفغانستان.