17 نوفمبر، 2024 9:39 م
Search
Close this search box.

سيناريوهات الفوضى العالمية الجديدة

سيناريوهات الفوضى العالمية الجديدة

كتابة- البروفسور ايو كيبي ماكوتو
لا بد من التنويه، الى ان الآتي ليس ترجمة كاملة للدراسة
انما هو تلخيص للافكار الرئيسية التي وردت فيها- المترجم
كانت النهاية السلمية للحرب الباردة موضع ترحيب من قوى الغرب كافة معتقدة ان نهاية هذه الحرب كانت نتيجة تفوقهم الاقتصادي والاجتماعي والايديولوجي. هكذا بدأت الاصوات ترتفع مبشرة باقتصاد السوق والحرية الديمقراطية الليبرالية في العالم بأسره. ولعل فوكوياما هو أحد المبشرين بهذا الاتجاه بعد ان طلع بنظريته – نهاية التاريخ- التي اعلن فيها انتصار الانظمة والقيم الغربية بشكل حاسم وظهور النظام العالمي الجديد الذي بشر به جورج بوش الذي اشرف على نهاية الحرب الباردة بعد حرب التحالف الذي قادته امريكا ضد العراق.

غير ان هذا التفاؤل لم يعمر طويلاً بل أخذ يتراجع بسرعة في النصف الثاني من عام 1991 وكان السبب الرئيس في ذلك الفجوة الهائلة بين الاعتراف بضرورة اقتصاد السوق وبين الوصول الى هذا الاقتصاد بكل استحقاقاته.

هكذا تهاوى التفاؤل نتيجة الصعوبات الداخلية المتعلقة ببناء وتشغيل اقتصاد السوق، اما السبب الثاني فهو الكساد الواسع الذي تعرض له العالم بعد نهاية الحرب الامريكية على العراق، وكان من شأن هذا الكساد انه دفع الدول الصناعية الى الانكفاء على الذات ومجابهة بعضها بعضاً من منطلقات نفعية والتوقف عن تقديم المعونات للدول الفقيرة. ثم حدثت صدامات عسكرية في دول الاتحاد السوفياتي السابق ويوغسلافيا السابقة والصومال واماكن اخرى…

هكذا اكتسب مفهوم – الفوضى العالمية الجديدة- مصداقية اكثر من المفهوم الخيالي عن – نظام عالمي جديد- ففي المرحلة القصيرة منذ نهاية الحرب الباردة اختلفت نظرة المجتمعات الى صورة العالم وتحولت الى اتجاه معاكس، اي ان العالم يعاني الفوضى وليس فيه نظام.

لقد ظهرت سيناريوهات متشابهة افترضت الفوضى والاضطراب والكارثة في عالم ما بعد الحرب الباردة، الواحد تلو الآخر، وتمثلت هذه السيناريوهات المفترضة في:

* انفجار الميول القومية.

* انقسام العالم الى كتل.

* صراع الحضارات- نظرية هنتنغتون

الذين تندرج توقعاتهم في النوع الاول يخشون ان تؤدي الميول القومية الجامحة الى تصعيد الصدامات في العالم. فهناك جماعات أثنية تحاول اثبات ذاتها في آتون حروب قومية، ونحن نرى اليوم ميولاً انفصالية قوية

في مناطق مختلفة من العالم حيث اخضعت مجموعات أثنية محتلفة لسيطرة الغير بالقوة الغاشمة، وبالتالي يعتقد جماعة السيناريو الاول بأن نهاية الحرب الباردة لا تعني السلام بل بداية فوضى وحروب قومية لا نهاية لها. والحقيقة اننا نشاهد شرر المنازعات القومية حول العالم بأسره، كما نشاهد مدى تمسك الدول النامية بقوميتها وتمجيد هذه القومية والتعامل مع الدول الاخرى من منطلق المصلحة القومية، اي ان المجابهة بين عالمين انتهت بانتهاء الحرب الباردة وما سيتبع ذلك هو مجابهة بين عوالم متعددة.

اما اولئك – جماعات السيناريو الثاني- الذين يرون بأن العالم كان منقسماً الى كتلتين اقليميتين فيتوقعون الآن ظهور ثلاث قوى متجابهة، ويعتقد بأن مبادئ حرية التجارة ستذوي، وان الامم الصناعية ستلجأ الى الحماية الكمركية، والتكتل مع الدول المجاورة لها. وان الاتحاد الاوربي من جهة، واتفاقية الـ- ناقتا/ حرية التجارة في امريكا الشمالية- من جهة اخرى، هما مؤشران على هذا الاتجاه. والاستنتاج الذي توصل اليه الكثيرون من قراءة هذا الواقع، هو ان آسيا أصبحت بحاجة الى بنية او نظام اقليمي حتى تنافس اوربا وامريكا. ففي الثلاثينيات من القرن الماضي وخلال مرحلة الكساد تسابقت القوى القديمة والجديدة على اقامة الحواجز الكمركية، كما تبنت النزعات الاقليمية والقومية وهو ما دفع العالم في النهاية الى آتون الحرب العالمية الثانية وبالتالي فأن الكساد الذي تلا نهاية الحرب الباردة سينتهي بصدام بين ثلاث قوى وهي اوربا وامريكا واليابان.

السيناريو الثالث يتمثل في طروحات نظرية هنتنغتون حول – صراع الحضارات- الذي يرى منظرها: ان الحضارة الغربية حتى الآن كانت القوة المركزية في التاريخ العالمي، وان المصدر الرئيسي للمنازعات كان اقتصادياً في جانب وايديولوجياً في جانب آخر. وكان المعيار المعتمد لتقسيم الدول الى مجموعات هو الانظمة السياسية والاقتصادية ومراحل التطور الاقتصادي. لكن عندما تصل الحضارات غير الغربية الى نفس مستوى الغرب فستصبح الفروقات الثقافية عند ذلك المصدر الاول للنزاع، اي ان التجمعات القومية التي تعتمد على حضارة معينة ستصبح وحدات اقليمية رئيسية وسيتبع ذلك حتماً بين الحضارات، واهم صدام متوقع هو المجابهة بين الحضارة الغربية والحضارة غير الغربية.

وكما يقول هنتنغتون: ان الغرب في ذروة قوته يجابه غير الغربيين الذين يرغبون على نحو متزايد ولديهم الارادة والمصادر لأعادة تشكيل العالم بطريقة غير غربية. ويخشى هنتنغتون ان تقوم الحضارات غير الغربية بهجوم معاكس يكون اهم حدث في المستقبل. ومن بين السبع او الثمان حضارات في العالم نعتبر الحضارتان الاسلامية والكونفوشية على نحو خاص مناهضتين للغرب. ويقول: ان ثمة علاقة عسكرية بين الاسلام والكونفوشية، على شكل صادرات اسلحة من الصين وكوريا الشمالية الى بعض الدول الاسلامية.

هنتنغتون، على أية حال لا يقول ان الحروب بين الحضارات مرغوبة او حتمية، لكنه على قناعة بأن العوامل الحضارية ذات اهمية قصوى وان النزاع بين الحضارات وخاصة بين الغرب وبين الآخرين سيتصاعد. المهم انه رسم صورة مختلفة لعالم ما بعد نهاية الحرب الباردة واختفاء الاتحاد السوفياتي وتفرد امريكا بمركز القوة العظمى الوحيدة، وهو وضع لن يستمر بأعتقاده.

ان كافة هذه السيناريوهات خاطئة في طريقة تصويرها لعالم ما بعد ازمة الخليج 1991، ولا اعني بكلمة خاطئة ان لا وجود للظواهر والحقائق التي تضمنتها. ففي هذا العالم المتباين ثمة ما يكفي من الحقائق للأخذ بمعظم القناعات والمعتقدات. اما الخطأ الذي اعنيه فهو ان السيناريوهات اعتمدت على (10%) او (30%) على احسن تقدير من العوامل ذات العلاقة في محاولة لتوضيح الحقيقة بأسرها. فلا يجوز ان تضللنا حجج تنطوي على جزء من الحقيقة وتتعارض في بنيتها مع المنطق والتحليل السليم. وعليه، فأني سأخذ قبل كل شيء آخر، فكرة التعصب القومي.

بعد انتهاء نظام القطبين، كان من الطبيعي ان تسترد القضايا المتجذرة في التاريخ والجغرافية اهميتها السابقة، واعني بذلك، العوامل الثقافية التي تعتمد على التركيبة الاجتماعية، كالاثنية او الدين، ثم العلاقات الجغراسياسية.

والسؤال الذي يفرض نفسه هو: هل المنازعات المحلية والصدامات الاثنية الناتجة عن هذه المسائل قادرة حقاً على اشعال منازعات على نطاق عالمي وتدير نظام التعاون الدولي الراهن؟

الواقع، ان معظم المنازعات حتى الآن لم تزد عن كونها صدامات بسيطة. اما اذا وضعنا بالاعتبار حالة السيولة التي ظهرت بعد انهيار النظام الذي ساد بعد الحرب العالمية الثانية، فان ما يبعث على الدهشة هو ان العالم ما زال ينعم بالسلم وبالتالي فان مفهوم الانفجار القوي هو مغالطة محضة.

كما ان فكرة انقسام العالم الى كتل متعادية لا تستقيم مع الواقع. فلقد كان تحرك المجموعة الاوربية نحو الاتحاد محاولة للتخلص من الاثار المدمرة للحروب الماضية بين اعضائها، وكذلك، رداً على التحديات الاقتصادية من امريكا واليابان. فالمجموعة الاوربية تأمل بان يساعد اتحادها منافسة هاتين الدولتين، وهذا يعني ان وحدتها كانت تنطوي على حوافز دفاعية تجسدت في بعض اجراءات الحماية الكمركية.

اما اسيا فقد اوجدت ضغوطاً على الغرب بسبب التقدم الاقتصادي المتسارع في اقطارها وبالتالي فانها لا تحتاج الى ايجاد ميكانزيمات اقليمية للدفاع عن نفسها. فا للحرية التجارية العالمية عوامل تفيد اي دولة ذات اقتصاد قوي. واذا احطأت اسيا في فهم الخطوات الاوربية ودول امريكا الشمالية – امريكا المكسيك وكندا- واعتبرتها اجراءات اقليمية او تكتلات اقليمية، وسعت الى تشكيل كتلة آسيوية، فستفقد المنطقة – اي اسيا- حرية السوق العالمي الذي كان السبب الرئيسي في نموها الاقتصادي.

ان المقارنة الافضل بالنسبة لاسيا، لا تكون في فرض نظام قوي من القمة كما فعلت المجموعة الاوربية بل ايجاد وتشكيل مناطق اقتصادية محلية وبناء روابط تعاونية وفي نفس الوقت ايجاد هيئات استشارية. ولا شك ان التنوع والتعدد الاجتماعي والثقافي والاقتصادي في القارة الآسيوية يستدعي هذا الاسلوب.

وفيما يتعلق بالسيناريو الثالث، فأنه اذا كانت الدول ستتحالف على الاساس الحضاري كما يعتقد هنتنغتون، فهذا يستتبع تحالف كافة الدول العربية والاسلامية مع بغداد عندما تحدت امريكا. لكن الحقيقة ان دول الجوار العراقي لم يقفوا معه بل ان بعضها شاركت في التحالف الذي قادته امريكا عام 1991.

كذلك الامر عندما دعت اليابان الامبراطورية الى تحرير آسيا من الاستعمار الغربي قبل وخلال الحرب العالمية الثانية، كان المفروض ان تؤيدها معظم الدول الاسيوية والكونفوشية منها على نحو خاص وفقاً لتصنيف هنتنغتون – الحضارة الكونفوشية- لكن الحقائق في الواقع كانت عكس ذلك فقد قامت اليابان بغزو الصين، وقامت بطلب المساعدة من امريكا.

يقول هنتنغتون: ان كافة المجتمعات العربية كانت متعاطفة مع العراق اثناء ازمة الخليج 1990/ 1991، لكن كلامه هذا لا يغير من الامر شيئاً طالما ان معظم الحكومات العربية وقفت ضد بغداد.

ويعتقد هينتغتون بأننا ندخل عصراً ستكون المجابهة فيه بين الحضارات التي تشكل محاور تدور حولها العلاقات الدولية. وأنا لا اعرف كيف ان حكومات وطنية موضع ثقة شعوبها في تحقيق مصالحه القومية وحماية هذه المصالح ستحارب من اجل حضارة غير محددة طالما ان احداً لا يهدد هذه الحضارة المزعومة. ولا اعرف دولة كاثوليكية في نصف الكرة الغربي يمكن ان تتحالف مع دولة كاثوليكية في افريقيا تفصلها عنها آلاف الكيلو مترات لمحاربة دولة كنفوشية في شرق آسيا.

ان احداً، على اي حال لا يشك باهمية العامل الحضاري لكن العامل الحضاري لا يمكن ان يتحول الى سلوك عدواني على النطاق الذي يتخيله هنتنغتون.

ان العلاقات بين الامم والحضارات تنسج من التعاون والمجابهة، اما نظرية هنتنغتون فلا تأخذ من التاريخ سوى عناصر المجابهة وتنسج عناصر الخلافات لترسم منها لوحة عن مستقبل العالم، وهي نظرية تدعو للتشاؤم لكنها خاطئة مثل النظرية الماركسية التي لم تأخذ الا وجهاً واحداً من الحقيقة، وهو صراع الطبقات، وتجاهلت الاوجه الاخرى، ولذلك فشلت.

ومع ذلك، فقد يكون لهنتغتون تأثير على مجالين: الحضارة الاسلامية والكونفوشية والحضارات الاخرى غير الغربية التي يرى فيها هنتنغتون اعداء محتملين.

ان من شأن هذه النظرية أثارة مشاعر الاستقلال والمقاومة في كافة الاشخاص الذين يناهضون الغرب، فعندما يطالعون التعابير التي استعملها هنتنغتون يدركون نوعية مشاعر الغرب نحوهم وبالتالي سيؤكدون بان الغرب لن يتمكن من خداعهم مرة اخرى باصلاحاته ونظرياته المعسولة عن الاخوة العالمية وسيحاربون بصلابة لمقاومة السيطرة الغربية على العالم او التدخل في اقطارهم.

هنتنغتون يدعو الدول الغربية فيما بينها لابقاء الامم غير الغربية في مكانها. انه يدعو الى التعامل بمعيارين، فالشعوب التي تنتمي الى حضارتك هم اصدقاء، اما الذين ينتمون الى حضارة اخرى فهم اعداء. وربما يدعي الغرب بأنه يبشر بقيم ومبادئ عالمية لكنه يضع مصالحه بكل تأكيد قبل اي مبدأ او قيمة.

ان نظرية هنتنغتون ربما تؤدي الى تبني الامريكان مفاهيم خاطئة كما اخطأوا في فهم طبيعة القضية الفيتنامية والعراقية. فهنتنغتون يعتقد بأن الحضارتين الاسلامية والكونفوشية تحاولان بناء علاقة عسكرية هدفها مناهضة الغرب، اما شاهده على ذلك فهو ما تصدره الدول الكونفوشية من اسلحة لبعض الدول الاسلامية، لكن

الحقيقة ان الصادرات الكنفوشية من الاسلحة للدول الاسلامية لا تساوي اكثر من (1%) من الصادرات الامريكية التسليحية لنفس الدول.

ان انتصار الغرب – وفق اعتقاد هنتنغتون- ينبغي ان يعني هزيمة غير الغرب. واذا بدأ غير الغرب يحقق بعض الانتصارات فهذا يعني ان الغرب بدأ يخسر. انه يستعمل منطق التعارض ويعالج العلاقات الدولية وكأنها لعبة جمع ارقام، لكن عندما نطبق افكاره على المجتمع الدولي في ايامنا هذه، تفقد قوتها في الاقناع. انه يتجاهل عمق الاعتماد المتبادل بين الامم والعلاقات التي ازدادت تشابكاً على نحو غير مسبوق، ولذلك يرى ان العالم مكاناً للمجابهة والصراع، والنتيجة ان نظريته تفشل في توضيح ولا حتى نصف الحقيقة، هذا اذا جاز لنا اعتبار افكاره غير المترابطة بمثابة نظرية!!

بعد ان استعراضنا ثلاثة سيناريوهات متشائمة، هل لنا ان نتساءل الان: ما اذا كان ثمة نظام فعال في عالم ما بعد الحرب الباردة/ ازمة الخليج 1991، واذا كان ثمة نظام، فما هو هذا النظام بالضبط؟ ومن الذي يدعمه؟

الامر متروك لوقائع أيامنا القادمات…. ربما!!!؟

* المصدر – مجلة صدى البيانات Japan Echo عدد ايلول. عن موقع المجلة على شبكة المعلومات الدولية – الانترنتwww.japanecho.co.jp

* كتابةالبروفسور ايو كيبي ماكوتو ترجمة ــ وليد خالد احمد

[email protected]

أحدث المقالات