23 ديسمبر، 2024 5:24 ص

سيمياء الرغبة  قراءة في ( احتفاءً بالوقت الضائع )

سيمياء الرغبة  قراءة في ( احتفاءً بالوقت الضائع )

تسجلُ البرقيات الدلالية اندفاعا واضحا في قراءة كفاءة وهيمنة الرغبة في مجموعة (احتفاء بالوقت الضائع) للشاعرة العراقية ريم قيس كبة ، الصادرة طبعتها الاولى في بغداد 1999 والثانية في تونس 2002 ، يبدو فضاء الدلالة السّيميائي للرغبة منظم ومحدد بصيغ جسدية تتغير على مستوى الخطاب كما يظهر تأثير صراع قوي بين تجليات ظهور العاطفة / الرغبة حد الانتشاء وبين ظهور احكام العقل ، هذا بجانب ما يسجله المعجم السّيميائي دورا للذات في دفع الخطاب ومسارات القراءة نحو الجزم بهيمنة تأثير (مثير ) لذائيّ  نحو التأثر بها والاستعداد للانفلات من الذات الى الرغبة ، لكن في المقابل تشعر القراءة أن الخطاب ينذر بمزاج عاطفي من النشوة يقابله احباط نفسي لا يسمح لهذه النشوة أن تستمر حتى يكبها ففي نصها (مارد) تقول: ((استشيط تباركني ربة المستحيل وانمو على نسلها قاربا او قناديل، يمنحني مارد الحب سمرته ورحيق التململ ، يسكر صمتي)) فاندفاع النص عبر علامة سيميائية محددة تمنح دلالة الرغبة عنصر التميز والاستهلال بها ( استشيط ) ثم تختم الفقرة بالتململ الذي يحاول كبح جماح تلك الرغبة ، وتعود هيمنة الرغبة تنبثق مستحوذة على الخطاب بما تملك من أدوات الجسد (( أنثاك ترجو فتاها أرى المارد السّرمدي ينادي أهيم وافتح شعري مساء من الاحتراق واخلع نعل التفاصيل أعدو بجمجمة من جسد ، شفتين تدلت عناقيد بوح ، صبايا تعطرن بالذكريات ، سلال من البرتقال تقاسم رجع الغياب )) تتمظهر أفعال الكلام للمعنى السّيميائي الدال على الرغبة في كسر القيود ويستعمل جميع المقدمات والتمهيدات والمؤشرات والقرائن في سبيل البوح لفهم قصد الشاعرة التي تقول : (( لغز جنية تنبش الرأس ، تحرق ما تبقى لأبقى اسيرة ماردها ، أو أصير موانئ يسكنها البحر … يقعي ، فلا اتريث ، لا استجير بغير الجنون )) بينما تسجل علامات دلالية أخرى لصالح معنى الرغبة مع احتفاظ بمساحة من التّستر ولجم امواج الرغبة ومقاومتها ففي نصها (تماهي) تقول : ((أحبك ألجم امواجي .. اضرم من خلف سياج الورع القبلي ، اصير شراعا لأسافر فيّ واقمع نبضي … واقاوم )) وتقدم الرغبة عطائها فهي تمنح الجسد للاخر من دون أيّ تريث ويصل الامر بها ان تركل حدود المعلن كي تتمد لتعلن جوعها وعطشها ، فنص (ثمالة ) يسجل علامات الرغبة مع بداية (( الخمرةُ من عينيك ومن عيني حليب النهد الموقود حنينا )) ويستمر في  منح الجسد حتى يصل الى (( امتد على زغب الارض ترابا ، يعلن جوع مدائنه … وتوقا اشرب عينيك )) بيد أن النص وكما في اغلب نصوص المجموعة يعود الى نقطة ثنائية  الرغبة و الحدود ( القيود) فينتصر الواقع بعقلانيته فتصحو الذات الراغبة من احلام الرغبة فتقول : (( اصحو : انثاك مكبلة وفتاي بلا شفتين )) وتظهر تجليات العلامات السيميائية للرغبة حد الانتشاء ، ويمنح سيطرتها على الزمن فالبداية رغبة ، والنهاية رغبة ، وبينهما شلال مترع من العاطفة الهستيرية ، وذلك ما يقدمه نص ( الفنارات تحزم اوردتها ) فتقول : (( يبتدئ كل شيء بقبلة ، كل شيء ينتهي بقبلة ، ما بينهما شلال مترع )) فتهب الرغبة الجسد جمرة ملتهبة فيبوح الخطاب برغبة هستيرية تصل الى اقصى حالات الانتشاء تقول : (( يمنحني الليل وشاحه القرمزي فأشده حول  خصري وأرقص ارقص ارقص ، انا انثى الليل والليل فتاي المهووس يعري الفردوس من حصاته ، يطلق عصفور البوح)) وتسجل الرغبة خصوصية للذات في هوسها ، انما تعمم الوصف للآخر فتقول : (( وتستفيض هطولا وتقطف الوقت عربدة )) وتعمم هستيريتها الذاتية على جميع جنسها وكأنه حلم تبحث عنه كلّ النساء ((ليل ، ستبحث النساء عن وشاحه القرمزي فلا يلف خصورهن سوى خواء ونثار احلام وعقارب سكون )) تصل الرغبة حد التوحد و الفناء في الاخر ، فتنتقل الذات من فضائها الى فضاءات حركة الذروة في الرغبة وتحمل الذات على الشعور بثقل جسدها الى درجة تتحول كائن له القدرة على الدخول تحت قميص الاخر فيتوحد معه فتقول : (( ماذا لو ادخل تحت قميصك أجلس في الزاوية اليسرى أتنفس منك وازرع بين الاضلاع قصيدة)) ، أخيرا فان الخطاب عموما يحمل معان ودلالات وعلامات لغوية مباشرة واخرى غير  مباشرة تفهم من خلال القراءة والاستنتاج والتأويل ، لكن في مجال التحليل السيميائي للخطاب العاطفي والذي منه (الرغبة) فأنه يتداخل مع التحليل النفسي ويتحول الموضوعي الى تحليل ذاتي والى قراءة تنبع من اللغة وعلاماتها الى تحليل المضمون ، ويكثر في هذا الخطاب الذي يطفح بالرغبة انه في الاغلب يكون مشفرا ، وذلك مايمكن ملاحظته في عموم مجموعة ( احتفاءً بالوقت الضائع) فهي مجموعة شعرية تشكل فضاءً مفتوحا على قراءات جديدة لما تحمل من شعرية بصوتٍ انثوي عراقي ، يدل على ذات مبدعة اجتازت تعاليها على النص الشعري فهيمنة العاطفة على النصوص مذعنة للرغبة