تتجه أنظار العراقيون صوب تكريت، ويتابعون قنوات التلفاز وصفحات الفيس بوك؛ علهم يحصلون على صورة حديثة، تروي بطولات أبناءهم، وتلاحم مكونات شعبهم، وصور البطولة تتلقفها القنوات وصفحات التواصل، وكأن قلب العراق بدأ يدق بإيقاع واحد، ويصمت الإعلام المحلي المشوه، وتعج قنوات العرب بالمسلسلات التركية، وعواصف الثلوج في أمريكا، وطلاق الفنانات بفضائح جنسية.
كشفت الحوادث والمعارك، عن جريمة كبرى بحق العراقيين، وأنهم دفعوا ثمن الإنتهازية والإهتمام المفبرك بالطائفية.
أخطأ بعض الساسة بحق شعبهم، وإستخدموا ورقة الطائفية سلاح؛ لإشعال ركام أنقاض فتاوى تاريخية منحرفة، وسمحوا بحرق البلاد بأيادي همجية، معتقدين أن عُرى الديمقراطية تُدام بالصراخ والشتم، وقد نجحوا بها إنتخابياً، وإستطاعوا إقصاء الخصوم وإدامة الحركة التطرفية.
تنطوي الأزمة المركبة عن تعابير لثقافة جاهلية، تستخدم القوة والغلبة والنهب، لإنتزاع الحق أو التجاوز عليه، حتى فهموا أن الديمقراطية لوحة تأطر بالدماء، وأرتد طيف منهم للإنهزام من حق التبادل السلمي، والعودة الى السلطة القهرية، التي لا تعطي دور للتعايش وتبادل السلطة.
تهديد واضح المعالم للنسيج المجتمعي، وتفتيت للمنظومة القيمية، تطحنها علاقات وتفكير متبنياتها تقوم على القهرية، وإنهاء لحالة الطوعية والإنتمائية الوطنية، وتشييع للتصورات الفرعية، وجعلها أساس لعلاقات محلية وأقليمية وعالمية، التي توظف العرقية والمناطقية والطائفية، وديمومة بقاء أشخاص كسلاسل في رقاب فئات مجتمعية، وهذا السياسي من هذه الجهة يرفع، والأخر يكبس، وفي الوسط شعب يطحن؟!
سؤال نطرحه على طاولة الساسة: ما الذي يدفع ابن العمارة والبصرة والناصرية والسماوة، والديوانية والكوت والنجف وكربلاء والحلة وبغداد؛ أن يستشهد في الرمادي أو صلاح الدين، وينتظر إنطلاق الحملة على الموصل؟! ويرسم بدماءه مشروع الدولة والوطن، وهو يحتضن أبناء المدن التي تبعد مئات الكيلومترات عن دياره، ولو كان الحشد الشعبي مثل طمع الساسة، وفوضى تصريحاتهم؛ لما قدموا أنفسهم دون مقابل مادي، ولا إنحياز لقول طائفي؟!
ينمو التطرف والتشدد والتشنج والتأزيم، في حالات أستثنائية غير طبيعية، وقد يجد أصداء وتأثيرات لا تصمد أكثر من وقت محنة تمر بها الأمم، ولا تؤسس الى بناء دولة ولا مجتمعاً مدنياً متعايشاً، وتعطي مكاسب محدودة شخصية؛ بخسائر بعيدة كارثية، ولا سلاح إلاّ الوسطية والإعتدال لدحر الفوضى والتطرف، وما كان للشعب العراقي الذي يتمنى السلام ان يشهر السلاح؛ لولا ضرورة أدركتها المصلحة الوطنية، وفتوى مرجعية لأغراض سلمية.
فشل العرب في أنتاج سلطة مدنية، وركنوا العقول بإستخدام السلاح لحل المشكلات السياسية، فكيف لمن يعبر أفراحه وأحزانه بالرصاص؟!
عجز بعض الساسة، عن إعطاء صورة واقعية، رسمتها أنامل مقاتل يعلمنا معنى الوطن، ويقدم الدروس المجانية، التي تنحني لها رؤوس الشرفاء إجلالاً، وأجمل وأغلى(سيلفي) في العالم، لبطل يصور نفسه وهو معفر بالدماء مفتخراً، بينما يتنابز ساسة ويتاجرون بتضحياتهم، والحقيقة تقول: أن أصوات الصراخ تنبح على قوافل السائرون الى معركة الشرف، وهم يستنكفون عن المشاركة في تحديد مصير وطن.