18 ديسمبر، 2024 11:08 م

لم يكن ثمة خيار من اجراء هذه المحاولة في معرفة السيكولوجية التي تختفي خلف التطرّف بعد ان منُينا بخسائر كبيرة نتيجة انتشاره و اكتوينا كثيرا بناره في الشرق الأوسط ودفعنا ثمنا باهضا تمثل في خسارة الانسان وتخريب الارض وانتشار الفساد والجهل .
وبطبيعة الحال لست مختصا في السيكولوجيا ولكن هي قراءة متواضعة ربما استطيع وصفها بأنها استقصائية تراكمت وتكونت نتيجة اللقاء او الحديث او المتابعة للفكر المتطرف .
واجزم ان وراء سيكولوجيا التطرّف عالم كبير لأولئك اصحاب النظر الناقد والفكر الفاحص والاختصاص في هذا العلم.
ويمكن تلخيص المميزات النفسية التي يحملها المتطرفون في :

– الميل نحو تضخيم الامور والأفكار حول الفكرة او الشخص الذي يتمحور حوله التطرّف وحينئذ تغيب الموضوعية في التفكير وتنشل لدى المتطرفين القدرة على النقد والتمييز ، وبدون هذا التضخيم لا تكون الفكرة مغرية للاقتناع بها وحملها اذ تكون فكرة عادية لا تحمل بريقا وعادة ما يساهم المتطرفون في رفد تلك الافكار المضخمة عبر الاختلاق وتزيينها بمساحيق التجميل لتكون جميلة بارزة ومتميزة.
– كما يعمل التطرّف على منح الفرد المتطرف قوة واندفاعا وحماسا شديدا عبر خلق اوهام حول الفكرة او الشخص الذي يًُتطرف له اذ يشير غوستاف لوبون في كتابه سيكولوجية الجماهير الى ان تلك الاوهام هي ما تحرك الجماهير غالبا وان الافكار العقلانية قد لا تجد صداها لدى الجماهير في احيان كثيرة اذ تغيب المحاكمات العقلانية وتستشري تلك الاوهام بقوة صانعة قوة واندفاعا وحماسا مذهل يجعل منها قوة كاسحة لا يقف دونها منعة او سد.
– وتعمل جماعات التطرّف على صناعة عامل
التحدي دائما الامر الذي يساهم في اطالة عمر الفكرة التي يتمحور حولها التطرّف
فبدون تحدٍ تموت الحماسة والاندفاع خلف تلك الفكرة ويبدأ مناصروها بالانسحاب منها وتركها لتموت
وبدون تحدٍ خارجي تبرز التحديات الداخلية وتبدأ عملية التسرطن (موت الخلية وانقساماتها غير المبررة) اذ تبدأ الانقسامات والتشرذمات التي تعصف بجماعات التطرّف وتخلق جواً محموما من التنافس بين أفراد كانوا يمثلون جماعة واحدة فيما سبق.
– ومع التطرّف يتنامى الشعور المتعاظم بامتلاك الحقيقة دون الغير فالتطرف يولد نوعا من التمحور الشديد حول الذات بحيث يصبح كل ما عدا الافكار التي يحملها ذلك المتطرف خطأ ينبغي معالجته وحينئذ يشعر ان عليه تغيير فكر الاخر بأي اُسلوب كان متوسلا بالمقبول وغير المقبول منها لكي يعتنق الاخر فكرته
– ونتيجة للرغبة العارمة في اعتناق الاخر الفكرة التي يحملها والمحاولات التي لا تكف عن إقناع الاخر والتي عادة ما تصطدم بمجتمع بطيء التقبل شديد الميل نحو البقاء على الافكار التي يحملها تظهر الميول الى العنف وتبرز في مستويات متفاوتة أشدها القتل واخفها الايذاء باليد او بالكلمات النابية
وحين يدب الخلاف مع فئة تختلف مع الفكرة المتطرفة او الشخص الذي يُتطرف له تجد ان المتطرف لا يتورع عن استخدام كل الأساليب وتجده لا يترك مناسبة او دون مناسبة التقريع واللوم والتخوين والشتم للفئة التي يختلف معها
فالعدوانية سمة بارزة لدى المتطرفين اذ لا تكاد تجدهم في مجتمع حتى تجد هذا السلوك المشين مقرونا بهم ويشكل النازيون والسلفيون والشيوعيون (في الخمسينيات) أمثلة بارزة في العصر الحالي حول السلوك العدواني والتهجمي للمتطرفين.
– ولعل ابرز سمات المتطرفين هي غياب الوعي وبروز اللاوعي ليتحكم في اكثر تفاصيل سلوكياتهم وتعاملاتهم اذ بنظرة فاحصة تجد غشاءا سميكا يمثل لجام عن رؤية الحقيقة يوضع على عقل وبصر أولئك المتطرفين يجعلهم يَرَوْن الحقيقة من زاوية واحدة وجانب واحد ونافذة واحدة هي تلك التي حددتها لهم الفكرة التي يتطرفون لها.
– وفي العادة فأن التطرّف يقترن مع الجهل ويتفوق كثيرا مع الجهل المركب اذ ان الجهل يوفر بنية تحتية ملائمة لتبني التطرّف
وبصراحة وكما قلت فأن سيكولوجية التطرّف بحاجة الى دراسات اكثر وأعمق وان هذه المقالة ليست سوى رذاذة من عالم كبير غائم و مسود بفعل تيارات التطرّف
ولعلي أوفق في المدى القريب لتأليف كتيب حول الموضوع