بارق الحاج حنطةأودع أحد أصدقائي، من الضباط، سجنا عسكريا، لم يعرف لماذا؟ ولا يعرف اين يقع هذا السجن الذي نجا منه بأكثر من معجزة، لكنه حين خرج قص علينا مشهدا رآه، يتلخص بزيارة صدام كامل، الى السجن، وجرجرته اللواء بارق الحاج حنطة، الى الباحة المحاطة بزنازين القادة والامراء والـ… كلهم ماتوا في ما بعد.
بادر حنطة للهجوم على كامل، يذكره بانه هو الذي صد ايران والانتفاضة عنهم، بلغة حادة، كاي لواء يتحدث بكبرياء الى نقيب.. وفق علاقة عسكرية بدأت منتظمة حسب السياقات المنهارة منذ جره صدام من زنزانته.. بالبيجاما.. الى الباحة، قاصدا تركنا نتفرج عل أهانته.
لكن بارقا ظل معتدا برتبته، يتحدث من طرف كتفه مع النقيب، يوبخه، حتى كسر الموقف، بحمل فاس قريبة، ملقاة عن عمد او… اهمال، لا أظن! رأسه من أعلى الجبين، فجرى “بحرورة الصواب” وصدام كامل يجري وراءه، ضربا بالفأس، حتى تهشمت الجمجمة وسقط رافسا الفراغ الى النهاية.
تلك قصة إستشهاد بارق الحاج حنطة، برواية شاهد عيان، رأى كيف تنهار القيم العسكرية، على يد الطاغية المقبور صدام حسين، جارة البلد الى الهاوية… فالحاج حنطة يحمل شرف العسكرية العراقية بحكم عمله آمر لواء القوات الخاصة “66 البطل” والذي ذاع صيته بالشجاعة الفائقة، ابان الحرب العراقية – الايرانية، التي إشتعل فتيل شرارتها الاولى عام 1980، وهو برتبة عقيد، يهجم قبل جنوده؛ يعطيهم معنويات فائقة.
خلافه مع صدام بدأ في كانون الثاني 1991، قبل خمسة عشر يوما من الانذار النهائي الذي وجهه مجلس الامن للعراق؛ كي ينسحب من دولة الكويت الشقيقة، عندما زار الطاغية قطعات الجيش، وبعد ان ينتهي الضباط وصدام من الطعام يبدا الكلام عن خداع الامريكان أثناء الحروب، قائلا: “الكويت ارضكم لن ننسحب منها، واذا سمعتموني اقول في الراديو إنسحبوا، فاعلموا ان الامريكان قلدوا صوتي”.
لكن بعد 72 ساعة من بدء الحرب البرية، أي يوم 25 شباط 1991، طلب من الجيش الانسحاب، خالقا فوضى، ليس ابشع منها.. حسب مؤرخي الجيوش.. الا هزيمة نابليون في والترلو!
المنسحبون إنكشفوا لقصف جوي كثيف.. هدفا سهلا، تريثت قوة بارق استنادا الى ما قاله صدام، لكنه انسحب مهزوما بعد ان ابادت القوات المحررة للكويت، ثلثي جنوده! عائدا بنفسية منكسرة واعصاب منهارة، يعتكف في بيته اياما عدة، فاستدعاه الطاغية المقبور، الى القصر الجمهوري؛ يعاتبه لعدم الانسحاب، فاجابه:
– سيدي انت قبل الحرب قلت اذا طلبت منكم الانسحاب فهذا شخص يقلد صوتي؛ فلا تنسحبوا.
هذا الكلام اعتبره صدام استهزاءً، وليس إلتزاما من بارق، ناعتا اياه بالجبان، فثارت اعصاب بارق:
– كل الشعب العراقي يعرف شجاعتي ولكن ماذا تقول عن الذي يقول كلمة و يتراجع عنها؟
عندئذ اطلق صدام رصاصة واحدة من مسدسه الشخصي خلف اذنه؛ فارق الحياة على اثرها في الحال، حسب رواية واحد من حماية الطاغية، المحيطين به، أثناء اللقاء، وسواء أكانت الاولى.. التي قصها صديقي، صح، ام الثانية، ففي كلتا الحالتين، منع اهل بارق الحاج حنطة، في الكوت، من إقامة مراسم عزاء، ودفن في النجف، من دون تشييع.