23 ديسمبر، 2024 4:11 م

سيف يمزق غمده 14

سيف يمزق غمده 14

بموازاة النجاح الذي حققته سلسلة مقالاتي “دماء لن تجف” التي ما زلت اواصل نشرها، على الصحف والمواقع الالكترونية، وسأصدرها في “موسوعة” من أجزاء عدة، عن الشهداء الأبرار.. ضحايا الطاغية المقبور صدام حسين وحزبه “البعث” المنحل، أنشر سلسلة مقالات أخرى، بعنوان “سيف يمزق غمده” عن ضحاياه، الذين إختصمهم بعد ان دالت له الدنيا، خلال السنوات التالية على إنقلاب 1968؛ إذ تنكر صدام لرفاقه، متنصلا من مواثيق الرجولة؛ فنكل بمن لا يستجيب لتطلعاته نحو التفرد.. أزاحهم عن طريقه، ومحى ذكرهم، مهووسا بشهوة السلطة، التي جرّت على العراقيين.. إعتقالاتٍ وحروباً وحصاراً وإرهاباً وجوعاً وكوارثَ ومآسيَ وتخلفاً ودماراً وتبديداً للثرواتِ والكرامةِ.
(14)
عدنان خيرالله
عرف الفريق أول الطيار.. الركن عدنان خيرالله، بدماثة الاخلاق، مترفعا عن سلوكيات أقربائه، من حاشية الطاغية المقبور صدام حسين، الذين أطلق يدهم يعيثون فسادا… بل يقتلون أبناء الشعب، من دون حساب! أولئك الذين أسماهم الامام الشهيد محمد باقر الصدر: “أعوان الظلمة”.
قدم الفريق الراحل عدنان خيرالله، إنموذجا بفروسية أخلاق العسكر، متحليا بالعطف على الضعيف، إذا هضم حقه، والشدة على القوي.. هاضمه.. وتلك صفات تكشف دناءة الجبان الذي “إذا تولى لا يعف”!
شهد الشعب العراقي بمحبة عدنان، وإقترحه العسكريون على الدول العظمى بديلا عن شخصية صدام الهوجاء، عقب توقف حرب ايران؛ فسارع للتخلص منه.
وهذا ما تأكد من خلال مجموعة من عسكريين، ألقت أجهزة استخبارات الطاغية، القبض عليهم، وهم يعدون لمحاولة إنقلابية، عازمين على تنصيب الفريق خيرالله رئيسا للجمهورية، أكدوا ان ذلك يجري من دون علمه.
ولأن صدام يؤمن بترك فراغ سياسي من حوله؛ لا يبقي أي صالح للحكم بديلا عنه؛ عاجل بتصفيته، بعد ان كان آخر الكبار.. وهو منهج حكم يشكل إمتدادا لفكرة المسافات الآمنة التي تحيط اسرائيل حدودها بها.
زملاؤه في السلك العسكري، يتذكرون بطولاته الانسانية بإكبار، وعامة الشعب يستحضر فرادته الاخلاقية بالترحم عليه؛ فأم صديقي تشعل شموعا ليلة مقتله، من كل عام، لأنها قابلته إبان حرب صدام على ايران، طالبة ان ينقل ولدها من الجبهة الى بغداد؛ فبعث اليه يخيره:
–          أنقلك لمقر الانضباط العسكري في بغداد؟ كلا؛ ذول تكارتة ما يعيش وياهم إشروكي؛ سيلتفون عليك ويرجعونك للجبهة.. إذن أنقلك للقوة الجوية؛ فمنتسبوها طيارون ومهندسو طائرات.. لطفاء.
أما الروائي الكبير علي خيون، وكان سكرتيرا اعلاميا لخيرالله، فيحكي لأحد الاصدقاء، كيف صاغ معه بيان الموقف العسكري أثناء هجوم على ايران، والهليكوبتر تنتظره لإيصاله للإذاعة والتلفزيون؛ كي يبث، وإذا بعدنان يجري طالبا من الطيار النزول، بعد ان ارتفع امتارا، وبيده “لفة – سندويج”:
–          لم ارك تأكل.
وزير دفاع اثناء الهجوم يتنبه لمن أكل ومن لم يأكل، وهم على الجبهة.. أي رجل هذا!؟ وهل يمكث طويلا مع طاغية “سادي – يتلذذ بتعذيب شعبه”!؟
يقال انه غالبا ما يقوم تصرفات صدام.. داخل الاسرة.. يفحمه في مواقف عائلية، مثبتا صحة موقفه وتهافت شخصية صدام المتسرعة؛ ما يحز عميقا في نفسه، ويضمرها متربصا سانحة لينتهز القدر مطية ايقاع به.
وله مقولة لا يجروء إبن أنثى على قولها بوجه صدام: “لا أقبل ان يقتل احد ظلما” موقفا قرارا مسبقا.. قبل 2 آب 1990، بغزو دولة الكويت الشقيقة، تأنى على أثره الطاغية، بدهاء ريثما إغتاله وغزا أشقاءنا، وقد تبع عدنان في الاحجام عن تلك الفظاعة 150 ضابطا، أعدمهم صدام ليلة زحف لواء الحرس.. سيء الصيت، على دولة الكويت الشقيقة..
إشتعل فتيل الخلاف بين صدام وعدنان، بسبب تطفل حسين كامل، على الجيش، واصداره اوامر مرعبة؛ من دون الرجوع الى وزير الدفاع عدنان خيرالله؛ أدت الى مجازر وكوارث، يؤازره صدام مستهترا بارواح القادة العسكريين ذوي الخبرة المتراكمة والولاء المطلق لمهنة العسكرية والوطن؛ لأنهم يعترضون على اوامر حسين التي ينتج عنها استشهاد العشرات هباء، فيحرق المعترضين والمتذمرين بطريقة فائقة البشاعة، وعدنان يتلظى مكتفيا بان ينهره فيعترض صدام ويحتد عدنان بوجهه موضحا له فظاعة تطفل حسين على العمليات العسكرية فائقة المهنية؛ فيصر صدام على دعم حسين متسببا بمقتل قادة عسكريين اكفاء وجنود… من دون جدوى.
بدأت تفاصيل مقتله منذ يوم 3 ايار 1989، وهو يتولى سياقة السيارة التي يستقلها صدام في رحلة عائلية الى مصيف سرسنك، في عيد الفطر، يومها طلب منه صدام العودة، من الموصل الى بغداد، بطائرة مروحية؛ لسبب واهٍ إفتعله، فشعر بأن في الامر مكيدة، وتراءت له المنية، واقفا.. يضع قدما في بوابة الطائرة، واخرى على الدرج، مدة عشر دقائق.. صامت يتفكر، شاعرا بدنو النهاية؛ فحزم امره ونفذ ما اراد منه صدام، وهو يتوجس خيفة، من طائرة تفحصها حسين كامل قبل ان يأذن له صدام بقيادتها هو شخصيا، وليس بصحبة طياره الخاص، وفعلا إنفجرت الطائرة، ظهرا، بقنبلة موقوتة.. زنة كيلوغرام من الـ “تي ان تي” ربطت تحت مقعد الطيار باربع عُقد، محيط كل عقدة 25 سم وقطرها 3 سنتمترات.
أشاعوا أن عاصفة فاجأته، لكن الانواء الجوية تسجل صفاء الجو، وما زالت الوثائق مخزونة لمن يريد الاطلاع على الحقيقة، ناهيك عن كونه “سانتيرس – ماجستير طيران من روسيا” وابسط المعالجات، هو الارتفاع فوق مستوى العاصفة، لعبورها.
تاريخ صدام حسين، مع آفة السلطة، قائم على المكائد الدامية وازهاق ارواح المنصفين، حتى لو كانوا من اقرب المخلصين لله والعراق والحق والخير، فهو ربيب حسين كامل وامثاله.. وبمثل هكذا انحيازات؛ دمر العراق.