23 ديسمبر، 2024 5:38 ص

سيف يمزق غمده – ٥

سيف يمزق غمده – ٥

بموازاة النجاح الذي حققته سلسلة مقالاتي “دماء لن تجف” التي ما زلت اواصل نشرها، على الصحف والمواقع الالكترونية، وسأصدرها في “موسوعة” من أجزاء عدة، عن الشهداء الأبرار.. ضحايا الطاغية المقبور صدام حسين وحزبه “البعث” المنحل، أنشر سلسلة مقالات أخرى، بعنوان “سيف يمزق غمده” عن ضحايا، ليسوا شهداء؛ إنما شركاؤه، الذين إختصمهم بعد ان دالت له الدنيا، خلال السنوات التالية على إنقلاب 1968. تنكر صدام لرفاقه، متنصلا من مواثيق الرجولة؛ فنكل بمن لا يستجيب لتطلعاته نحو التفرد.. أزاحهم عن طريقه، ومحى ذكرهم، مهووسا بشهوة السلطة، التي جرت على العراقيين.. إعتقالاتٍ وحروباً وحصاراً وإرهاباً وجوعاً وكوارثَ ومآسيَ وتخلفاً ودماراً وتبديداً للثرواتِ والكرامةِ.

(5)
 
حردان التكريتي
يعتد الضابط الطيار حردان عبد الغفار التكرتي، برفعة أصله.. منسول أبا عن جد.. أرستقراطي صحيح النسب، إستفزه إستفحال شأن “الهتلي.. المكطم” كما كان تحلو له تسمية صدام حسين.. جاء به البكر، كي يهين أعداءه؛ فإنقلب السحر على الساحر، بإستحاة الطاغية المقبور، الى وحش ذي علاقات مريبة مع المحيط العالمي، صعب التعامل، مع رفاق “النضال” حتى من كان منهم أعلى منه درجة حزبية ووظيفة.. وهؤلاء يلجأ لتصفيتهم جسديا بطريقة لا تردد فيها ولا مراجعة للذات.. قتل متوال، بلا رحمة، ريثما دال العراق له.. وحده من دون البعثية الآخرين.
طوف الرئيس الاسبق.. أحمد حسن البكر، وتفرغ صدام للتخلص من نظرائه الاقوياء، مبقيا على الضعفاء قاعدة يرتقيها في تدعيم أركان طغيانه، قابضا صولجان السلطة.. فردا لا شريك له في العراق.. فـ”الذئب مجموع الخراف المهضومة”.
وحردان.. قائد سلاح الجو، ونائب رئيس مجلس قيادة الثورة، ولد في “تكريت” العام 1925 لتحق بالكلية العسكرية في 14/ 9/ 1946 وتخرج في 1/ 7/ 1949 والتحق بلواء 73 آلي الفرقة الاولى بتاريخ 20/ 7/ 1949.. ضابطا طيارا بارزا في ثورات 14 تموز 1958 والشواف و17 تموز 1968.. وأغتيل في دولة الكويت الشقيقة، يوم ٣٠ آذار١٩٧١ لتحق بالكلية العسكرية في 14/ 9/ 1946 وتخرج في 1/ 7/ 1949 والتحق بلواء 73 آلي الفرقة الاولى بتاريخ 20/ 7/ 1949.
 
وثيقة
 
من بين وثائق وزارة الخارجية البريطانية لعام 1971 الوثيقة 1/358/3nbk ضمن الملف 1659Fc08 ، التي كتبها السفير البريطاني في الكويت جون ويلتون إلى زميله في بغداد بول بلفور بتاريخ 7 نيسان 1971، بعنوان « اغتيال حردان التكريتي « وأرسل نسخة عنها إلى الدائرة العربية التابعة لوزارة الخارجية ثم إلى جهاز الاستخبارات، مدونا فيها: “ناقشت الأمر مع زميلي السفير الفرنسي ميشال كارتون الذي كان في قطر أثناء الحادث ، حيث اتهم كل من بحث معهم في الأمر صدام بقتل التكريتي واعترف السفير الفرنسي إنه التقى عيسى الحمد فور عودته وقبل وصول فريق التحقيق العراقي إلى الكويت والتقى رشيدا.
لم تحدد الوثيقة صفته ويعتقد إنه أسم معروف لأحد المصادر، الذي أبلغه معلومات، تفيد أن الجناة إشتروا سيارة “فيات” استعملوها في التنفيذ وتركوها مع أسلحة فيها،  أمام المستشفى؛ لأن محركها لم يعمل عندما حاولوا الهرب، من كراج للسيارات ودفعوا ثمنها 300 دينار كويتي، وأفاد صاحب الكراج أن من اشترى السيارة أبلغه إنه عماني لكن يعتقد إنه عراقي وأعطاني أسما غريبا وعنوان فندق غير موجود .أركان السفارة على علم بتدبير الحادث؛ لأنهم رتبوا ت الموعد في « الأميري « مع الطبيب الذي كان سيزوره كما رفضت السفارة تأمين حماية له بحجة واهية: “لأن ذلك غير ضروري في المستشفى” وسيارة القنصل العراقي سبقت سيارة السفير، التي كانت تقله مع التكريتي إلى المستشفى بوقت يكفي لإعطاء إشارة الاستعداد للجناة. 

ترفع
 
عرف بعروبيته، ميالا للقومية؛ مرتبطا بصداقة متينة مع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر؛ تأثرا بخطاباته الثورية ومدها التحرري.
لذا كان إنقلاب 17 تموز 1968، آخر حركة اشترك فيها، أبعد بعدها عام 1970 وأغتيل؛ بسبب نفوذه القوي وشخصيته المؤثرة، بل وشجاعته الفائقة في مواجهة الاخطار والتحديات، متميزا بقدرته على تصحيح مسار الحركات، فضلا عن محبته في أوساط الشعب وحضوره المؤثر فوق الانتماءات الفئوية.. مفتونا بآل البيت الاطهار، ما جعله دائم الزيارة لمراقدهم الشريفة.
لو طمع بالسلطة؛ لما أقدم عليها سواه، لكنه زاهد بترفع؛ تاركا الآخرين يتهافتون عليها، ومع ذلك لم ينجُ من مجزرة الكرسي! لأنه بعثي عقائدي، يؤمن بالأحلام التي خدع بها ميشيل عفلق الجادين، وأفاد منها الطاغية المقبور صدام حسين.. البعثي التنفيذي؛ ليس صاحب القرار في الحركة؛ وضع نصب عينيه.. الوصول الى السلطة؛ فطوى الجميع.. من لايطيع يقتل، وثمة كثيرون غير قابلين للطواعية، قتلهم بدم بارد، ضمن سيناريوهات فائقة الدقة في التطبيق!
 
بدأ المقبور خطته بايهام البكر، ان حردان يشكل خطراً عليه شخصياً، بقصص من نسج خيالهم معتمدين على الاصطفاف العشائري ومحدودية ثقافة البكر وقصر نظره؛ وبذلك تمكنوا من التأثير عليه واقناعه فاستسلم لمكائدهم، مجردا حردان من مناصبه.