23 ديسمبر، 2024 8:32 م

سيرورة التراجع في (ئاسوس) للروائي محي الدين حميد

سيرورة التراجع في (ئاسوس) للروائي محي الدين حميد

الورقة المشاركة في ملتقى كلاويز في البصرة
21-22 /تشرين الأول/ 2012

مشيدات النص الروائي..
كل رواية هي كائن سردي،يتمأسس على تعقيد الواضح
يتشخصن هذا التضاد في المضاف والمضاف إليه  أعني بذلك
(تعقيد الواضح).. عبر أداة الانتاج التي يستعملها منتج النص
وهو ينتقي مواد الانتاج وأتصاليتها المتضافرة….
ثم تأتي القراءة المنتجة بحركة عكسية فهي تقوم عبر مفلاتها
بتفكيك العُقد وتنضيد التشابك الاتصالي  لتتضح السيرورة ذات الغموض المشروع لا الأغماض المقحم الذي يعيق عملية التلقي
ويعوّق بنية الكائن الروائي..

*إتصالية الوعيين : وعي الحديقة/ وعي شريط السرد
في هذه الاتصالية  نحاول الاختلاف المشروع مع وجهتيّ نظر ..
الاولى  ترى ان الرواية هي وعي مؤلفها المحض وهي تبث هذا الوعي في الفضاء السردي (2) شخصيا سأقترض من سواي وأجسّد هذا الوعي..على هيئة حديقة (3)،تغوي القارىء فيتسلق سياجها ،يرى القارىء كل ماهو جميل في الحديقة  ومع الرؤية
 يحس الرائي  ان هذه الحديقة لاتنتظره فيها..؟!  وهكذا تحافظ الحديقة على ديمومتها وهي تبث نظامها في اللاتواصل
وجهة النظر الثانية..تشترط على منتج  النص ان يكون حياديا
حفاظ على حرية الانتاج ،وعلى سيرورة الشريط السردي وهو
يواصل عرض الصراع الثلاثي للبنية المجتمعية..دون اي تدخل من المؤلف..(4)
كقارىء منتج ارى الامر لايكون بهذه الواحدية الصارمة التي تلغي
التشارك وتصر على سلطتها المطلقة..وكقارىء ارى ان سيرورة
الرواية تتغذى من وجهتي النظر في الوقت ذاته..
أليس البنية الجمالية للرواية منبثقة من تراتبيات البنية المجتمعية
ذات التضادات والانسجامات وهي تتخلق من نفي نفيها وهكذا تتجدد؟ فكيف للروائي القدرة ان لايحتوي في واحديته نسق المتعدد؟
وكيف يكون حياديا مطلقا..دون أنحيازت مشروعة من وجهة نظره؟!
حتى عين الكاميرا لاتمتلك حياديتها فالتي توجه الكاميرا عين لها
انحيازها الفكري..لو كان  منتج ئاسوس شخص آخر وتحديدا
شخص بفكر شوفيني عربي او كردي..لبث ايدلوجيته هو في
سيرورة الرواية..

زمن رواية ئاسوس

 
  تتوقف أحداث الرواية
  عند بداية 1967

هذا الهدب النصي هو أشارة المرور الأخيرة قبل دخول الفضاء الروائي..أما نقطة إنطلاق زمن الرواية فهو غير معلن…
الكمون النصي ..يصوغه النص شذرات في فصوصه
 أولا جعله ثريا الرواية..ئاسوس
ويكون ذلك عبر ( حركة منملة) حسب باشالار..(5)
فالعنوان المثبت على الغلاف جامد في ثباته وقد يكون معروفا لدى الاكراد..ولكن في الرواية يكون له دلالات
أخر..وهكذا يقوم السرد بفاعلية التخمر وهو الوسيط
بين الجامد العنوان وبين الحي المتمثل بحركية السرد..
عبر الوحدات السردية الصغري التالية:

*حين تسأله داليا،سيحصل الاثنين على الاجابة ..أعني سيصل تفكيك الغامض لنا نحن القراء..عبر المرسلة الموجهة
الى داليا من والد زوجها..
(ئاسوس ياأبنتي،جبل في كردستان،ضمن سلسلة جبال سفين)
الأجابة هنا تربوية تعليمية والتي تسمى اصطلاحيا بالأجابة
البيداغوجية..وهي تحدد التموضع الجغرافي لجبل ئاسوس
لكن داليا لاتكتفي بذلك لذا  تنتج سؤالا آخر،بحثا عن العلاماتية الفارقة لهذا الجبل:
(ما خصوصية هذا الجبل؟) فيكون الجواب
(هذا الجبل،غدا لنا،في واحدة من أشد النكبات التي حلت بنا
أمنا الرؤم..بسط علينا حمايته وحنانه فحفر ذكراه، في اعمق
أعماق وجداننا..فوق سفوحه وبين كهوفه ومغاوره..عشنا أيام
الرجولة..وكان بيننا وبينه ميثاق الرجولة/ص85) ..

نلاحظ هنا كيف يتم تأنيث المكان وهذا التأنيث ضرورة ترافقة شعريته..ألم يقل بن عربي (كل مكان لايؤنث لايعول
         عليه ) في رحم هذه الانوثة الصخرية،تتدفق رجولة من طراز خاص وتعقد ميثاقا مع ئاسوس،لتسدد مديونتها جزاء تخلقهم         
 الجديد في الرحم المحصن من فاشية السلطة الحاكمة..
 واذا كان ئاسو معجميا يعني الأفق،فهذا الافق مشحون بأنزياحات إيحائية  بالنسبة للجد 
(ئاسو بالنسبة لي يعني الكثير،يعني الوجود،يعني الدم
الذي يتدفق في عروقي..يعني الدم الذي أحسه فيك ..
في داليا..في عزيز..في صديق العمرألياس في العديد من الناس..)
الزمن
*كقارىء منتج أكون امام أربعة أزمنة :
*زمن الرواية وهو زمن  سردي يجري عبر فصول الرواية
*زمن الانتهاء او كما يسمى الآن نتيا آخر تحديث للنص وجعله
صالحا للنشر: آيار 1975
*زمن الاصدار..وهو عام صدور الرواية 1976
*زمن قراءاتي المنتجة
الاتصالية بين هذا الثالوث الزمني هو التالي…
الزمن الاول ينتهي مع 1967
المسافة بين زمن الرواية وزمن الاصدار عشر سنوات تقريبا
أما زمن قراءتي المنتجة  فيتشكل من ثلاث مراحل:
*القراءة الاولى بعد زمن الاصدار ووصول الرواية لمدينتي البصرة،عبر جريدة طريق الشعب وعلى مستوى التنظيم الطلابي
لأتحاد الطلبة العراقي كنت مسؤولا عن توزيعها
حيث اصبحت رواية ئاسوس ضمن التثقيف الذاتي للتنظيم..في عام1996 سهرنا ثلاثتنا استاذي محمود عبد الوهاب والاستاذ محي الدين زنكنة وانا ،في أحدى فنادق بغداد قضينا ليلة ثقافية لاتنسى امتدت للساعة الثانية والثلث صباحا واخبرته بذلك رأيتُ في عينيه فرحا هائلا.. اي بعد عشرين سنة على صدور الرواية قراءتي الثانية في منتصف ثمانينات القرن الماضي..أثر صدور محاولة تجريبية جديدة في القص لمؤلف نفسه ،(كتابات جديدة) ربما هذا عنوانها ….وكانت قراءتي الثالثة بعد رحيله المباغت بأشهر…
*إتصالية  حركية السرد/ كتلة الزمن ..
في تلك السنوات التي انتشرت فيها تقنية التداعي..وتألق فيها
أسماعيل فهد اسماعيل في روايته (كانت السماء زرقاء)..
التي ضفرت براعتين :
*الأقتصاد في شعرنة السرد
*التوظيف الواعي لتقنية التداعي..
ثم تربعت سرديات الروائي اسماعيل فهد اسماعيل
• كانت السماء زرقاء/المستنقعات الضوئية/ الحبل/ الضفاف الاخرى..
في تلك السنوات صدرت ئاسوس بمنحى خاص في هذا المضمار :
*الزمن الحاضنة في الرواية هو يوم واحد وتحديدا يبدأ زمن الرواية مع  أرتفاع الضحى (ص30) وينتهي مع وقت العصر تقريبا لكن هذا الزمن يحتضن ذاكرة تذكارية لاتتوقف عن تدفقها حتى نهاية الرواية وسنسمي الأزمنة بأسماء اشخاصها
*زمن ئاسو ..وتحديدا زمن مرضه( ص14-20) والذي سيكون القطع الاول..وسيكون القطع الثاني (ص36-38) ويقابله زمن ئاسو الحاضر(39-40)
زمن الجد(42-43) يقابله زمن ئاسو(44-50)
زمن داليا وفرهاد/الحاضر(51-58)
زمن ئاسو وأمه داليا(59-65)
حاضر فرهاد خارج البيت(67-69)(ص83/86)
زمن فرهاد الماضي(70-80) زمن السجن
زمن ئاسو(84) زمن ئاسوس(85)…
وهكذا تستمر المتواليات…حتى الصفحة الاخيرة من الرواية..

*مثنوية الحركة..
*حركة الواقع اليومي المعيش وتشكل هذي الحركة نسبة ضئيلة مقارنة بالحركة الثانية..
*الحركة التراجعية أو ما يسمى بالزمن النفسي الذي يكون أكثر تأثيرا على الذاكرة حين تبهت مشيدات اللحظة الرا هنة..
وظيفة هذا الزمن هي التي تزود أفق التلقي بنظام معلوماتي من طراز خاص للشخصيات وتعين الافق على تفعيل اتصاليات متنوعة..
وهكذا تكون سيرورة السرد ذات وظيفة رئيسة في تفتيت كتلة الزمن وأستعادت ازمنة آفلة
*حتى الحركة الميكانيكية والمتمثلة بحركة السيارة مشمولة بهذا التراجع..وهكذا فأن عودة العائلة وهي على مشارف كركوك نحو
الحلة..لم تكسر افق التلقي حتى بقراءتي الاولى للرواية ..ربما
وصولهما الى أربيل هو الذي سيكون كسر افق التوقع واعني بالكسر هنا الانتقال من ماضوية اللحظة الروائية الى الحاضر..

*ذرائع تقنية
حين نرى رؤية جاك رانسيير(6) إن للأدب  شكلا من أشكال السياسة الخاص به ،يحق لي أن أتساءل كم نسبة سياسة الادب في رواية ئاسوس؟! أي التشكيل المحسوس لعالم مشترك وللذوات التي تسكنه ولقدراتهم؟
وأخير أتساءل ..لولا تلك المكالمة من أربيل كيف ستكون سيرورة
الرواية..؟!اليس صوت دلشاد ..والخبر الذي يحمله يعتبر هو القوة
الدافعة لسيرورة الرواية؟!
ثانيا ..لو كان فرهاد يقطن في أربيل ذاتها وليس في الحلة هل ستجد تقنية التداعي وسائل إقناعها كاملة في أفق التلقي؟
حيث المسافة القصيرة  بين بيت الأبن وبيت الأب ..
ثالثا لوكان القفص الذي يعيش فيه ئاسوس لم يتعرض لعنف
من قبل داليا؟ هل استطاع ئاسو ان يمتلك هذي المؤثرية
على والديه وعلى السائق؟..وهل هي مؤثرية ئاسو..
أم هي السيرورة الجوانية لمتوالية التذكر ..؟!

*إحالات…
(1) محي الدين حميد/ ئاسوس/ مطبعة دار الساعة/ بغداد/ 1976
(2) بخصوص وجهة النظر السردية الاولى…
 جون هالبرين/ نظرية الراوية /ترجمة محي الدين صبحي/ دمشق/ وزارة الثقافة/ دمشق/ 1981/ ص523
(3) بخصوص حديقة السرد،هي حديقة  الشاعر مالارميه
..أنظر../جاك رانسييسر/ سياسة الأدب /ترجمة د.رضوان ظاظا/ المنظمة العربية للترجمة/ بيروت/ط1/2010/ فصل الدخيل سياسة مالارميه/ص121
(4)  حول الشريط السينمي /ميخائيل باختين / الخطاب الروائي/ ترجمة محمد برادة/دار الامان/ الرباط/ 1987/ص101
(5) غاستون باشالار/ التراب وأحلام يقظة الراحة/ ترجمة/ سلام عيد/ منشورات وزارة الثقافة/ دمشق/2006/ ص95 ..
(5)جاك رانسيير/سياسة الأدب/