سيرك عمار، وبعد 157عاما على تأسيسه، لا يزال يقدم اليوم عروضه من قبل أسرة فالك بعد أن حصلت على علامته التجارية من أسرة ريتش.
منذ سنوات الصبا الأولى، وأنا أسمع عن “سيرك عمار”، فقد كان كبار السن والتجربة ينعتون الأوضاع إذا تشابكت وتداخلت وتقاطعت وتلاطمت والتبست وتعقدت واختلطت وتشوّشت بأنها سيرك عمار، بالضبط كما يحدث الآن في العالم المحيط بنا، وفي واقعنا العربي، وفي الحياة اليومية لكل منّا، فالرقص على الحبال يبدو الطريق الأفضل لكسب مساحات التفوق، وقفز السعادين على ظهور الليوث الضراغم لم يعد غريبا، وسخرية ابن آوى من حكمة الفيل تجد ما يبررها.بمعنى آخر لقد انخرمت المفاهيم وانهارت القيم بشكل غير مسبوق، وأضحى بإمكان أي نسناس أن يدير إليه الرقاب، بعد أن منحته تكنولوجيات الاتصال الحديثة القدرة على رمي الحصى من بعيد، ربما من ذروة شجرة أو من قاع حفرة، فالمهم هو توفّر التغطية.
ولكن ماذا عن سيرك عمار؟ بالتأكيد هو ليس أسطورة كما يعتقد البعض وإنما حقيقة لا تزال قائمة حتى اليوم وحتما ستستمر طويلا، فقد تم تأسيسه عام 1860 في دوار مجانة من ولاية برج بوعريريج شرقي الجزائر على يد شخص يدعى أحمد بن عمار القايد، كان مغرما بترويض الحيوانات المتوحشة، وقام بأول عروضه في منطقة القبايل قبل أن يتجه إلى باريس ببرنامج متنوع من بين فقراته رقصات شعبية من أولاد نايل واستعراض الحيوانات الشرسة والغزلان الوديعة، وهناك تعرف على ماري غابريال، السيدة الفرنسية التي كانت تشرف مع شقيقها على حديقة الحيوانات بضاحية لوزيريان، وتزوجها ليعملا معا على تطوير المشروع.
وبعد 12 عاما، قدم صاحب السيرك أبناءه الثلاثة أحمد ومصطفى وعبدالله، في استعراض القوة مع ثلاثة أسود حتى وصفتهم الصحف آنذاك بأنهم المروضون الأصغر سنا في العالم، وعندما توفي أحمد عمار في 1914 كان قد ترك وراءه إرثا مهما تديره أرملته وأبناؤه الذين واصلوا تطوير العروض قبل أن يقوموا بجولة في شمال أفريقيا انطلاقا من المغرب ووصولا إلى مصر ثم في أغلب الدول الأوروبية، واستمرت الأسرة في جولاتها العالمية دون مشاكل لمدة نصف قرن، حتى جاء أبريل 1964، عندما كانت عربات السيرك تعبر منطقة شاتودين، وفجأة انزعجت ثلاثة فيلة من الضجيج الخارجي، وهاجت وماجت، فكسرت قيودها، واندفعت إلى الشارع لتبث الرعب في النفوس وتتسبب في مقتل طفل كان في الرابعة من عمره، وقد اعتبرت السلطات تلك الفيلة حيوانات خطرة فاحتجزتها داخل حديقة الحيوانات في ليون.
في 1968 تخلى مصطفى عمار عن إدارة السيرك ليتولاها جان روش حتى 1972 ثم يعقوب لمدة عام، وفي 1973 بيعت علامة سيرك عمار لأسرة بوجليون إحدى أكبر الأسر المسيرة لعروض السيرك في إيطاليا، البلد الأبرز في هذا المجال لأسباب تاريخية بالأساس. سيرك عمار، وبعد 157عاما على تأسيسه، لا يزال يقدم اليوم عروضه من قبل أسرة فالك بعد أن حصلت على علامته التجارية من أسرة ريتش التي كانت بدورها اقتنته من أسرة بوجليون في العام 1991.
نقلا عن العرب